قضايا وآراء

ماكرون يشجع مقاطعة فرنسا!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
يصب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الزيت على نيران مقاطعة المنتجات الفرنسية، ويعود لإطلاق النار على قدميه بإعلانه الأخير حول فهمه لحرية التعبير وإصراره على الحق في نشر الرسوم السخيفة، معتبرا أنها تحدث صدمة في الخارج فقط! متجاهلا ملايين المسلمين ومن معهم من العقلاء في بلاده (الذين دعموا فوزه سابقا مقابل السيدة الأكثر تطرفا ماري لوبان)!

المقال الموسع للباحث في منظمة العفو الدولية ماركو بيروليني فضح كذب ادعاء ماكرون قائلا: "إن الحكومة الفرنسية ليست نصيرة حرية التعبير كما تزعم. ففي عام 2019 أدانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة "الازدراء" بعد أن أحرقا دمية تمثل الرئيس ماكرون خلال مظاهرة سلمية".

وأضاف بيروليني: "إن البرلمان الفرنسي يناقش حالياً قانوناً جديداً يجرّم تداول صور المسؤولين عبر منصات التواصل الاجتماعي!".

هذا وتحدثت وسائل إعلام محلية فرنسية عن سعي برلمانية مقربة من ماكرون لاقتراح قانون يمنع بيع مستلزمات الحجاب في السوق الفرنسي! وقبله كانت هناك محاولة لفرض قانون يسجن المرأة التي ترفض قيام طبيب بالكشف عليها وتصر على وجود طبيبة! وفي السياق ذاته جرى نقاش رسمي حول منع المحجبات من ركوب المواصلات العامة.

وهذا فضلا عن إغلاق مئات المساجد والمراكز الإسلامية بحجج واهية، مع تعبير وزير داخلية فرنسا عن استيائه من مصطلح "حلال" الذي تدمغ به كثير من المنتجات في الأسواق! وغير ذلك الكثير من الأمثلة التي يظهر فيها جليا حرص ماكرون وفريقه على مغازلة اليمين الفرنسي المتطرف لغايات انتخابية.

حرية الرأي والتعبير عندهم منقوصة وعرجاء، ففي الأديان تختص بحرية السخرية من الإسلام دون غيره، وبرموز المسلمين من الشخصيات دون غيرهم، ثم يريد منا عبثا الاقتناع باحترامه للإسلام، وأن نشر الرسوم السخيفة لا يعني تأييده لها (مع أنه أعاد نشرها على واجهات عدد من المباني الحكومية تضامنا مع المعلم بعد جريمة الاغتيال النكراء التي تعرض لها).

لم يكتف ماكرون بذلك، بل صب جام غضبه على الصحافة الغربية خلال لقاء له مع مراسل نيويورك تايمز، معتبرا أن الإعلام (الأنجلو- أمريكي ) قد حمّل فرنسا المسؤولية (عن الهجمات) بدل إلقاء اللوم على الذين ارتكبوا عددا من الأعمال الإرهابية في بلاده حين يقول (الإعلام) إن لبّ المشكلة هو العنصرية في فرنسا والإسلاموفوبيا، ويتحدث عن فشل حكومة ماكرون في التعامل مع المسلمين، وليس في الإرهاب الذي يقوم به البعض.

وبذلك يصم ماكرون أذنه عن سماع أي صوت يدين تصرفه ويصر وحكومته على استمراء الإساءة للمسلمين والإسلام برمته، وتحميله مسؤولية الأخطاء التي يقوم بها البعض، مع رفض الإقرار بخطأ دعم مثل تلك الرسوم المسيئة المخالفة لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ما يعني في المقابل استمرار الحملة الشعبية لمقاطعة المنتجات الفرنسية والتي دخلت أسبوعها الرابع.

أدرك صعوبة المقاطعة في الدول المنغمسة تماما بالعلاقة التجارية مع فرنسا وخصوصا في المغرب وشمال إفريقيا، ولكن الكرامة ثمنها غال، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يحظى بمكانة فريدة في قلوب المسلمين وتحديدا مسلمي المغرب الكبير الذين يتحرجون من مناداة الطفل المسمى محمد باسمه الصريح دون أن يسبق بكلمة (سي) فينادى: سي محمد، توقيرا لحمله اسم النبي الكريم، وقد آن الأوان لترجمة هذا الحب والاحترام على أرض الواقع، والعمل شعبيا على تعزيز ونشر ثقافة المقاطعة للمنتجات الفرنسية.

وهنا يمكن تفهم صعوبة تبني الدول والحكومات بصفة رسمية لمسألة المقاطعة - لاحظ تركيا مثلا - ولكن ينبغي على الحكومات فتح المجال للمواطنين لتتضافر جهودهم شعبيا في مسألة المقاطعة وعدم منع ذلك وتقييده، من باب حرية الرأي والتعبير. وفعل المقاطعة تصرف حضاري لا تجرّمه القوانين ولا المواثيق الدولية.

ومن ينظر عن كثب يلحظ كيف قيّدت دول أوروبية عدة حركة عدد من أنصار اليمين الأوروبي المتطرف المعادي للإسلام ومنعت دخول عدد منهم لها، واتخذت اجراءات بحقهم قبل أن يرتكبوا حماقات استفزازية لمشاعر المسلمين.

الدول الغربية عوّدتنا عدم السماع لنا إلا إذا كان صوتنا عاليا، وما يقوم به كثير من المسلمين من فعل المقاطعة والحض عليها يرفع صوت المسلمين ويعلي شأن حضورهم، ضمن نطاق القانون وبإطار سلمي حضاري لا يستطيع أحد الانتقاص منه.

والباب لا يزال مفتوحا لماكرون ومن معه للاعتذار عن تبني هذه الصور، وفتح حوار لمناقشة مستقبل العلاقة مع مكون رئيس من مكونات المجتمع، ألا وهم المسلمون الفرنسيون الذين لا يمكن تجاهلهم، فضلا عن إهانة رموزهم الدينية.
0
التعليقات (0)