مقالات مختارة

السودان.. حكومة جديدة وتحديات متجددة

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

بكلمات قليلة عبرت عن الخوف وربما الإحباط أكثر مما عبرت عن التفاؤل المفترض في مناسبة مثل الإعلان عن تشكيل وزاري جديد؛ قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إن "التشكيل الوزاري الجديد، قام على توافق سياسي، عبر نقاشات لمدة 3 أشهر، بغرض المحافظة على السودان من الانهيار". فالانهيار لم يقل به معارضو حمدوك، وإنما جاء على لسان رأس أعلى سلطة تنفيذية في البلاد.

ورغم أن حمدوك قد وصف حكومته بأنها تضم أكبر تحالف سياسي مر على البلاد، إلا أنها لا يبدو معنية بأولوية وضرورة علاج مشكلات البلاد الملحة، والتي تتمثل في تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة.

 

إذ أنها مثلت المحاصصة الحزبية في أبشع صورها، فلم يكن هناك مجال لإفساح المجال أمام الكفاءات والخبرات التي تزخر بها البلاد، زمن ثم تتضاءل الآمال في قدرة هذه الحكومة على التصدي للتحديات الخطيرة التي تواجهها، والعبور بفترة الانتقال السياسي الهشة أصلا.

الأمر المحبط للسودانيين أن التشكيل الجديد ليس جديدا بالكامل، لا من حيث الشخوص، لاسيما رئيس الحكومة، ولا من حيث البرامج والسياسات التي هي مرتبطة بالضرورة بخبرة وعقلية رئيس الوزراء الذي لم يتغير.

 

لقد تضمن التشكيل بقاء 5 وزراء فضلاً عن رئيس الوزراء نفسه. ولو لا الفشل الكبير الذي غاصت فيه حكومة حمدوك السابقة لما تمنى الناس تغييراً كاملاً للطاقم القديم بما في ذلك رئيس الوزراء.

لقد قاد حمدوك وزارته السابقة بدون برامج وسياسات واضحة تحكمها فترة زمنية محددة، واتسم أداء الرجل بالتردد وبطء اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب والتعاطي السريع مع المشكلات والأزمات المتجددة، وبقيت حكومته السابقة عرجاء لأكثر من 6 أشهر بعد أن طلب من 7 من وزراء، يشغلون وزارات أساسية، تقديم استقالاتهم في يوليو الماضي وهم وزراء الخارجية، والمالية، والطاقة، والزراعة، والنقل، والثروة الحيوانية، والصحة، بالاستقالة ولم يكن يمضي على تعيينهم أكثر من 10 أشهر. وبينما قدم 6 وزراء استقالاتهم رفض وزير الصحة تقديم استقالته ودخل في مشادة كلامية مع حمدوك الذي اضطر لإصدار قرار بإقالته.

وربما كان ذلك الوزير أكثر شجاعة في التعبير عن أن الفشل لا يجب أن يتحمله البعض، بينما يسقط عن الباقين بما في ذلك رئيس الحكومة.

فإن ثبت فشل سياسات الحكومة، لاسيما تلك المتعلقة مباشرة بمعاش الناس وهذا ما حدث بالفعل، فإن رئيس الوزراء يتحمل بالضرورة وزر هذا الفشل وبالتالي كان عليه أن يتقدم أولا باستقالته التي تعني بالضرورة ذهاب الحكومة بأكملها مفسحة المجال لحكومة جديدة وليس حكومة عرجاء أعادت إنتاج الفشل، حيث تباطأ حمدوك في تعيين بدلاء للوزراء المقالين، وعمد إلى تكليف بعض الشخصيات بالوكالة حتى وقت حل الحكومة الأسبوع الماضي. وجاءت قرارات الإقالة كمحاولة لامتصاص تظاهرات 30 يونيو الماضي التي رفعت شعار تصحيح مسار الثورة.

ويظل الوضع الاقتصادي المتردي بسبب فشل الحكومة السابقة على رأس التحديات والمخاطر السياسية التي تهدد الحكومة الجديدة، التي تتسلم هذه الحكومة مهامها ومخزون البلاد الاستراتيجي من القمح عبارة عن (صفر).

 

وبلغ معدل التضخم أكثر من 250% في ديسمبر الماضي وهو من أعلى المعدلات في العالم، وانخفض الجنيه السوداني بسرعة في السوق الموازية ليبلغ 400 جنيه الدولار، وبينما سعر الصرف الرسمي هو 55 جنيهاً للدولار.

 

ولعل ما أدى إلى تدهور الجنيه السوداني الإدارة السيئة للحكومة السابقة لملف قضية المدمرة الأمريكية كول، حيث وعد حمدوك إبان زيارته للولايات المتحدة، أسر ضحايا المدمرة بدفع حكومة السودان تعويضات لهم وعمدت الحكومة لشراء الدولار من السوق السوداء لجمع أموال التعويضات.

 

وتحدثت تقارير كذلك عن دفع هذه التعويضات من مال مؤسسة الضمان الاجتماعي وهي المؤسسة المعنية بمعاشات واستحقاقات الموظفين.

وبينما كانت توصف حكومة نظام الرئيس السابق عمر البشير بالفاسدة لكنها كانت تدعم المحروقات والسلع الاستهلاكية الأساسية وغادرت الحكم وسعر الدولار مقابل العملة المحلية يساوي نحو 70 جنيها، بينما حكومة حمدوك توصف بأنها حكومة الثورة -غير الفاسدة- لكنها رفعت الدعم عن المحروقات والسلع الاستهلاكية الأساسية فسحقت الطبقة المسحوقة التي جاءت بها إلى سدة الحكم.

 

ويأتي التدهور الحالي في العملة الوطنية رغم رفع دعم الوقود والسلع الأساسية والذي كان يكلف الدولة عدة مليارات من الدولارات سنوياً. في حين بلغت الديون الخارجية نحو 60 مليار دولار.

المدهش أنه رغم سوء الأوضاع الاقتصادية فقد جاء التشكيل الجديد بحمولة مالية إضافية على موازنة الدولة إذ ارتفع عدد الوزارات من 18 إلى 26 وزارة، وذلك ليس لضرورات هيكلية، وإنما بسبب التوسع في المحاصصات والإرضاءات الحزبية.

دوليا، لا يبدو هناك حرص على دعم اقتصاد البلاد بقدر ما هناك حرص على دعم وإرساء التوجهات العلمانية، وجر السودان إلى نادي التطبيع مع إسرائيل، ولذا كان هناك ضغط دولي للإبقاء على حمدوك ووزراء العدل والشؤون الدينية والتعليم العالي، وكان من المفترض الإبقاء كذلك على وزير التعليم العام، لكنه لم يكن متمتعا بالمرونة والمراوغة اللازمة لمواجهة الممانعة الشعبية للعلمانية فاضطر حمدوك لاستبعاده، ولم يتم تسمية وزير التعليم العام حتى ساعة إعلان الحكومة الجديدة.

بالإضافة للوضع الاقتصادي فإن الحكومة الجديدة أمام تحدي تطبيق اتفاق السلام مع الحركات المسلحة، والذي على أساسه جاء التشكيل الجديد إذ تبلغ كلفته نحو أكثر من 7 مليارات دولار، وربما كان منح وزارة المالية في التشكيل الجديد للحركات المسلحة نوعا من الهروب من الاستحقاق وتحميلها فشل توفير المبلغ المطلوب، فضلاً عن أن الوزارة تم تجريدها من ملف التعاون الدولي.

 

كذلك أمام الحكومة الجديدة تحدي تشكيل المجلس التشريعي وهو برلمان معين وفشلت الحكومة السابقة مع حلفائها العسكريين في إنجاز هذه المهمة. ومن التحديات التي لا يتم ذكرها الشروع في الإعداد لانتخابات عامة تنهي الفترة الانتقالية ليصار إلى وضع سياسي جديد يضمن قيام دولة القانون والمؤسسات.

 

عن الشرق القطرية

0
التعليقات (0)