آراء ثقافية

رواية أخرى للوباء: طاعون ألبير كامي

غلاف الرواية- تويتر
غلاف الرواية- تويتر

بعكس (الحُبّ في زمن الكوليرا) التي لا تحتلُّ فيها الكوليرا موقع الصّدارة مِن الأحداث التي خطَّها ماركيز، وإنما تُطِلُّ برأسِها من آنٍ إلى آخر، يسيطِر (الطاعون) على رواية (كامي) سيطرةً كاملةً.

 

ويشهد السّرد على ما بذله الفيلسوف الفرنسي من جهدٍ في الوقوف على التفاصيل الطبّيّة الدقيقة لذلك المرَض الذي طالما كان حاصِدًا عنيدًا للأرواح قبل التوصُّل إلى المضادّات الحيوية، فضلاً عن إلمامه بطبيعة التدابير الوقائيّة المُتَّخَذَة للحدّ من انتشارِه. هذا بخِلاف استغراقِه العميق في رصد مَشاعِر وأنماط سُلوك المجتمَع الذي حلَّت به كارثة الطاعُون وتطوُّرِها عبر المَراحل المختلفة لظهور وانتشار الوباء ثم انحسارِه.

الحكايةُ باختزالٍ كبيرٍ تبدأ مع انتشار الفئران في مدينة وهران –المستعمَرة الفرنسية بالجزائر– انتشارًا غير مسبوقٍ، واقتران ذلك بنُفوقِها المفاجئ، ثم ظُهور أعراض الطّاعون الدُّمَّلِي على المواطِنين، ابتداءً بحارس العقار الذي يسكنُه بطلُ الرواية وراويها الدكتور (برنار ريو)، وتطوُّر حالة المريض الأول سريعًا إلى أن لقي حتفَه.

 

تتكاثر الحالات المصابة ويتحول الأمر إلى ظاهرةٍ تلفتُ انتباه المسؤولين عن المدينة، ويُعلَن أخيرًا أننا إزاءَ الطّاعون لتُتَّخَذ التدابير الوقائيّة الصارمة.

 

يقرر (تارو) الغريب عن المدينة البقاءَ فيها ومواجهة الطاعون بطريقةٍ هي الأكثر إيجابيةً، حيث يشكّل فِرَقًا من المتطوّعين لمعاونة الأطباء في اكتشاف الحالات وتسجيلها وعزلها والعناية بها، بينما يسعى (رامبير) الصحفيّ الغريب هو الآخَر –القادم إلى وهران لإنجاز تحقيقٍ صحفيٍّ عن أحوال معيشة العرب فيها– إلى الهروب من المدينة التي أُقفِلَت أبوابُها وقُطِعَت صلاتُها بالعالَم الخارجيّ، ويستعين على ذلك بالمهرِّبين القادرين على إنجاحِه في اختراق نِقاط الحراسة على حدود المدينة، لكنّه يتراجع عن الهروب وهو على وشك تنفيذه ليبقى مع فِرَق متطوّعي التشكيلات الصّحّيّة.

 

والمهمُّ أنّ الطاعون ينتهي بحصد رُوح (تارو) وهو في بيت (ريو)، حيث يسهر الطبيب وأمُّه على العناية به، لتعود أحوالُ المدينة في النهاية إلى ما كانت عليه قبل الطاعون أو قريبًا ممّا كانت عليه.

* الراوي المحايد:


صحيحٌ أننا ينبغي أن نقرأ النّصّ في لغته الأصلية لنَحكُم على لُغته ومساراتِها، إلاّ أنّ جُذاذاتٍ من الرُّوح العامّ لأسلوب الحَكي تَعلَقُ بالترجمة لا مَحالة، فنستطيع من خلال ترجمة الدكتور سهيل إدريس –وهي التي يعتمد عليها هذا المقال– أن نرى حِيادَ أسلوب الرّاوي إزاءَ ما يَحدُثُ على ساحة الطاعون.

 

لا يخبرُنا الراوي بهُوِيَّته إلا في الفصل الأخير من الرواية، لكنّ حِيادَ الأسلوب يتوافقُ تمامًا مع ما يصفُ الراوي به دوافِع الدكتور (ريو) في ممارسة عمله الشاقّ كطبيبٍ وقتَ الوباء الجامح، فهي ببساطةٍ دوافعُ تدور حول القيام بالواجب المهنيّ ولا تتعلّق بمَثَلٍ خُلُقيٍّ أعلى كذلك الذي يُعلنُه (تارو).

 

وهذا الحِياد يجعلُنا نرى الأحداثَ كما لو كان بيننا وبينها سِترٌ نصفُ مُعتِم، ويخلق بيننا وبين شخوص الرواية مسافةً تُجبرُنا على التأمُّل العقليّ الباردِ لحياتهم. هذا في مقابل نَصاعة أسلوب (ماركيز) في روايته عن الكوليرا، خاصّةً أنّ ماركيز يُغرقُنا في تفاصيل شخصيّاته النفسية والجسديّة ويؤهّلنا تمامًا للتوحُّد معهم ورؤية العالَم مِن خلال أعيُنهم. 

وفي تقديري أنّ هذا السِّتر المعتِم لا يكاد ينفصل عن موقِف (كامي) من العالم ورؤيته المتمسّكة بأهداب العبثية، فالأسلوب المُحايد هنا هو نفسُه الذي يطبع روايتَه الأولى (الغريب). وبينما اهتمَّ في (الغريب) بموقف الفرد من قِيم وأعراف مجتمعِه التي يراها عبثيّةً في مُجملِها، نَجِد اهتمامَه في (الطاعون) منصبًّا على هشاشة الموقف البشريّ كُلِّه في مواجهة عبث الكون، ولِذا تتصاعد حِدّة البطلَين الهادئَين (ريو) و(تارو) إلى أقصى مَداها حين يواجِهان دفاعَ رجُل الدِّين الأب (بانولو) عن موت الأطفال الأبرياء بالطاعون، فبينما يرى الواعِظُ المسيحيُّ في هذا الحدَث حكمةً خافيةً لا يعلمُها إلا الرَّبّ، يرى فيها البطَلان دليلاً دامغًا على العبث الكونيِّ، ويشعُران بغضَبٍ جامحٍ يَخرقُ وتيرةَ الحياد المهيمنة على مَسلَك السَّرد.

* الشيخوخةُ والإيمان والعبَث:

في الرواية عددٌ من المُسِنّين الذين ينسبُ إليهم السَّردُ مظاهرَ موغلةً في العبثية، فهناك مريضُ الرَّبو (الشيخ المبهُور) الذي يقضي أيامه ولياليه لا يفعلُ شيئًا إلا نقل حبوب الحمَّص من قِدرٍ إلى أخرى أمامَه بمعدَّلٍ منتظِم، ويستعينُ بهذا الفعل على معرفة الوقت، فكلّما نقصَت إحدى القِدرَين وقاربَت الأخرى الامتلاءَ كان هذا دليلاً على تقدُّم الوقت. وهناك الشيخ الآخَر جارُ (تارو) الذي يسجّلُ هذا الأخيرُ في مذكّراتِه ملاحظتَه على سلُوكِه السخيف كُلَّ صباحٍ، حيث يخرُج إلى شُرفتِه ويشرع  في تمزيق أوراقٍ بيضاء وإلقاء المِزَق إلى الشارع، فتتجمّع القِطط عليها، وينتهز هو هذه الفرصة ليُصوِّبَ بُصاقَه على القطط المتجمِّعة، ويفرح كلّما أصابَ قِطًّا ببصقة!
     
والوجهُ الآخَر للشيخوخة في الرواية هو الإيمان، نراه عند الإسبانيّةِ أمِّ الشابَّين لويس وراؤول التي يبقى (رامبير) في منزلِها وقتًا ريثَما يُتاحُ لها أن يهرب من وهران عائدًا إلى زوجتِه التي اشتاقَ إليها، وحين تسألُ هذه الأمُّ (رامبير) إن كان يؤمنُ بالرَّبِّ الرحيم، يجيبُها بنفيٍ قاطعٍ، فتقول ما معناه إنّ هذا يفسّر لهفتَه للقاء زوجتِه، حيث لا يبقى له إلاّ هذا. وجُملتُها تبدو حمّالةَ أوجُهٍ، فقد تَعني أنّ الإيمانَ لو كان موجودًا فربّما دفعَ (رامبير) إلى البقاء في المدينة المطعونة متوكِّلاً على مشيئة الربّ ومسلِّمًا لها، وقد تعني أنّ الإيمان ربّما كان هو دافعَه لمغادرة المدينة للنجاة بحياتِه ليخدُم الربَّ في مكانٍ آخر. ولنا أن نرى الإيمان بالطبع لدى الأب بانولو الذي يُهيبُ في عِظاتِه للمؤمنين بتاريخ الأوبئة وتسلُّطها على الجبّارين ولاسيّما فرعون خُروج بني إسرائيل من مصر، ويؤكّد أنّ الطاعون إنما حَلَّ بالمدينة لتعود القلوبُ إلى الرَّبّ. وإيمان بانولو يصل إلى ذروته في الرواية حين يكتبُ دراستَه التي يَخلُصُ فيها إلى أنه لا يجوز لكاهنٍ أن يستشيرَ طبيبًا، وهو يمتثل لمبدئه هذا وهو على فِراش الموت مُصابًا بالطاعون.

هكذا ينفي (كامي) كُلاً من الإيمان والعبث ليلتصقا بالشيخوخة، فبينما مَتنُ الحياةِ يشغلُه الشبابُ الملحدون المصممون على مواجهة قسوة الحياة بأيديهم، ممثَّلِين في (ريو) و(تارو) و(رامبير) بعد أن يغيِّر رأيَه ليبقى في وهران، يظلُّ هامشُ الحياة مكوَّنًا من الشيوخ المؤمنين/ العابِثين.

* وهرانُ فرنسا وهشاشةُ الوجود:

في حديث (جان تارو) مع مُدير الفندق الذي يعيش فيه، يُبدي المُدير تبرُّمه بالأثر السيء للطاعون في أحوال السياحة، فيحاول (تارو) طمأنته قائلاً إنّ البردَ يقض على الطاعون، فما يكونُ من المُدير إلا أن يثور قائلاً إنّ هذه المدينة لا تعرف البرد الحقيقيَّ أبدا.

هكذا يبدو اختيارُ (كامي) وهرانَ لتكون مسرحًا للطاعون اكتشافًا لشكلٍ من أشكال التوازي بين هشاشة الوجود الفرنسي في تلك المدينة، وهشاشة الوجود البشريِّ عموما. فوهران المستعمرة الفرنسية غريبةٌ في كُلّ شيءٍ عن الفرنسيين رغم حياتهم فيها، فهنا نرى غرابة مُناخِها الذي لا يَعرف بردَ فرنسا، وفي مقدمة الرواية يُسهب (كامي) في وصف قُبحها، فهي مدينةٌ بلا حَمَامٍ ولا شجرٍ ولا حدائق، بلا خفقات أجنحةٍ ولا حفيف أوراقٍ، مدينةٌ محايدةٌ تمامًا، والربيع لا يزورُها إلا في سِلال الأزهار القادمة إليها من الضواحي، فهو ربيعٌ يُبتاعُ في الأسواق.

 

هكذا تبدو خليقةً في هذا الحياد والغرابة بأن تستضيف الحدَثَ المأزِقَ الذي يكثّف مظاهر هشاشة الوجود البشريّ وعبثيّته. ولعلّ هذه الهشاشةَ الوجوديّة تتبدّى في جُمَلٍ كتلك التي يصفُ فيها (كامي) حالَ المواطِنين تحتَ الوباء: "يعيشون كُلَّ يومٍ بيومٍ، وَحِيدين في مواجهة السماء"، "بفَقد التواصُل مع الأحِبَّة سُلِّمُوا إلى أهواء السماء، أي أنهم يألمون ويأمُلون دون سبب". هذا فضلاً عن اختزال التواصُل العاطفيِّ بين الناس في عباراتٍ بَرقيّةٍ سخيفةٍ أو رُدودٍ معلَّبَةٍ، فالطاعون يعمّقُ استحالةَ التعبير الصادق الشفّاف عن المَشاعر ليصل بها إلى أعمق مستوياتِها وأكثرها إثارةً للسخرية المريرة.

وثَمّ وجهٌ آخَر لغرابة هذا الوجود الفرنسيّ وهشاشته، يتبدّى في موضوع التحقيق الصحفيّ الذي قَدِمَ من أجله (رامبير) إلى وهران، فهو أحوال معيشة العرب فيها، وهو تحقيقٌ لا يَتِمُّ إطلاقًا، ولا نكاد نسمعُ ذِكرًا للعرَب بخلاف ذلك في الرواية إلا خبَرًا عن فرنسيٍّ أطلقَ النارَ على عربيٍّ، كأنّ (كامي) يتناصُّ من خلالِه مع روايتِه الأولى (الغريب) حيث الحدثُ الرئيسُ فيها هو قتلُ البطل لرجُلٍ عربيّ.

 

هكذا تبدو نقطة الاتّصال الوحيدة المحتمَلة بين الفرنسيين والعرَب في الرواية مُجهَضَةً، تمامًا كما في (الغريب)، حيثُ لا يسمعُ البطلُ من العرب الذين يزورون زميلَه المسجونَ إلا همهمةً لا يفهمُ منها شيئا. هذه الهُوّةُ غير القابلةِ للعُبور بين الفرنسيين والعرَب في روايتَي (كامي) تعني أنّ وجودَهم في تلك المدينة وجودٌ غريبٌ، وجيرانَهم العربَ ليسوا إلا كائناتٍ غريبةً لا أملَ في تواصُلٍ حقيقيٍّ معها. 

* تارو - القِدّيسُ البديل:

يقصُّ (تارو) على (ريو) حكايتَه، فنعرفُ أنه ثارَ على أبيه المُدَّعي العامِّ في شبابِه لأنه رآه في قاعة المحكمة يُطالبُ بإعدامِ مُتَّهَم، فقرر أنه ضد كُلّ أحكام القتل، وشاركَ في كُلّ حُروب أوربّا مجاهِدًا ينتصرُ للحرّية، وتوَّجَ بحثَه عن القداسة الإلحاديّة البديلة بقيادته التشكيلات الصحّيّة لمواجهة الطاعون.

ويبدو وصفُ (ريو) لآلام (تارو) وقد أُصيبَ بالطاعون في النهاية قريبًا من وصف أبطال المآسي الإغريقية: "تَثقُبُه الآنَ ضرباتُ الحِراب، ويحرقُه ألمٌ فوق طاقة الإنسان، وتهزُّه جميعُ رياح البُغض السّماويّة". فكما كان أوديب مثَلاً يواجه أقدارَ الآلهة، يواجه (تارو) قدَرَه في بطولة. لكنّ الملاحَظ أنّ الإلحادَ هنا ليس لاإلهيّةً محايِدةً، وإنما نرى العاطفةَ تنفلِتُ من بين أصابع (كامي) فيُحدّثنا عن رياح البغض السماوية، وعن الناس المتروكين وحدهم في مواجهة السماء وأهوائها، فكأنّ عدمَ إيمان الأبطال بالرَّبّ يتحوّل في هذه اللحظات إلى تصديقٍ بوجودِ الرّبّ، مصحُوبٍ بكراهيةٍ عميقةٍ له Misotheism.  

* ماذا لدى (كامي) للحظتنا الراهنة؟

تبدو مشكلة (كامي) غير قابلةٍ للحَلّ، فثورةُ (ريو) و(تارو) على الأب (بانولو) بسبب تبريره الإيمانيّ لموت الأبرياء في الطاعون هي ثورةٌ تستبعِدُ الإله، فإن لم تستبعده فهي تُقِرُ به مع الكراهية. وليس رفضُ بانولو لاستشارة الطبيب وتصريحُه له وهو على فِراش الموت بأنّ الكاهنَ وحيدٌ ليس له أصدقاء وأنه قد وَضَع كُلَّ شيءٍ في الرَّبّ، ليس هذان الرفض والتصريح إلا تعبيرًا متطرّفًا عن الاتجاه الذي يأخذُنا إليه الدِّين، عائدًا بنا إلى الوراء إلى أصلٍ إلهيٍّ يرفضُه الملحدون. 

تقترح روايةُ (كامي) أن نواجِه (الطاعون) وقد وقرَ في صدورنا أننا نواجهُ السماءَ، بينما تقترحُ العبارة المنسوبةُ إلى عُمر بن الخطّاب في مواجهة الطاعُون "نهربُ من قضاء الله إلى قضاء الله" أن نأخُذ بكلِّ ما نستطيعُه من تدابيرَ ونحن موقِنون بحكمةٍ خفيّةٍ لله، كتلك التي يبشّر بها الأبُ بانولو في الرواية. والأمرُ متروكٌ دائمًا للإنسان في فرديّته، فعليه وحدَه أن يقرّر، أيُّ المواجَهَتين يناسبُه.  

1
التعليقات (1)
sandokan
الإثنين، 22-03-2021 08:15 م
^^ الوباء و الكتاب و السينما ^^ ( 1) الوباء العالمي فيروس كورونا المستجد.. لماذا الهلع والخوف؟ فهل الصامتون هم أكثر تعرضًا للعدوى أو الموت! إن الناجون ليس بسبب شطارتهم والهالكون ليس بسبب غباوتهم لكنها أقدار. فقال عمر: نعم، نَفِر من قَدَر الله إلى قدر الله، وأيد عبد الرحمن بن عوف موقف ابن الخطاب مؤكدا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((إذا سمعتُم به (الوباء) بأرض، فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه) فقال أمير المؤمنين الحمد لله ثم انصرفوا. هذه القصة هى أبلغ رد على كثير من (المتدينين) ممن يرون أن التزام الحذر وعدم الاختلاط واستخدام وسائل الوقاية لمواجهة وباء كورونا حاليا لا لزوم لها لأن قدر الله واقع وسيصيب به من يشاء. نؤمن دون شك أن لله جنود السموات والأرض ومنها الرياح والمطر والأوبئة والحشرات ولكن ليس كل ريح أو مطر أو هجوم للجراد عقابا من الله، وبالتالى علينا أن نتعامل معها بالعقل والحكمة ونأخذ بالأسباب ثم نقبل بعد ذلك بقضاء الله وقدره. نعم وكما قال عمر علينا أن نفر من قدر الله إلى قدر الله. ( 2 ) كتاب شمس العرب تسطع على الغرب ... من الكتب النادرة التي أنصفت العرب والمسلمين، فهو شهادة من مستشرقة ألمانية على قدركبير من العقلانية والحصافة. كتاب من تأليف المستشرقة الألمانية الكاتبة زيغريد هونكه والتي لا صلة لها بالعرب على الإطلاق، لكنها رأت وبموضوعية الباحث العلمي أثناء رحلة البحث وتأليف كتابها هذا، حيث قامت بالسباحة عكس التيار فرأت بأم عينها بأن العرب ليسوا نقلة لعلوم الحضارات الأخرى، كما كانت تدعي بعض النظريات التاريخية الخاطئة، حيث رأت بأن لدى العرب عقولًا مستنيرة يفكرون بها وإمكانيات استطاعوا من خلالها أن يتركوا بصمة واضحة وجلية في كل مناحي الحياة قاطبة. ( 3 ) السينما العالمية أو الفن السابع من أهم الفنون التي اكتشفت في القرن العشرين، فهي تاريخ متحرك لأحداث الزمان الحالي، ومنارة تضيء السنين القادمة .. ( المسلم حليف العدالة لا المال ) لندرة الأفلام الهوليوودية التي ترسم صورة جميلة عادلة للمسلم، أظل أتذكرها حتى بعد مشاهدتي لها بأعوام! منها مثلا فيلم جذاب يريد فيه الزوج «مايكل دوغلاس» قتل زوجته غوينث بالترو الخائنة له، فيعطي المال لعشيقها الرسام الخائن لها ليقوم بقتلها. تدافع عن نفسها وتنجو. وكل ما تقدم لا يهمنا، بل المهم شخصية المحقق الأمريكي المسلم من أصل مصري الذي ينحاز لعدالة (الزوجة)، وقلما نرى مثلها في السينما العربية ضمن إطار فني جذاب جماهيري. ترى هل تلتفت السينما العربية إلى هذا الحقل؟ .. العودة إلى إنكلترا مع (الهمجي)! آزيم ببشرته السوداء يلازم روبن هود قائلا إنه كمسلم مدين بحياته له ولن يحرره من هذا الدين إلا إنقاذه لحياة روبن. وفي الفيلم نجد طاغية يريد الحكم بدل الملك ريتشارد قلب الأسد، ويريد الدخول إلى حلقة النبلاء بزواجه الإرغامي من ابنة عم الملك.. يقاتله حبيبها روبن هود بمعونة آزيم. والحكاية ليست موضوع اهتمامي، بل شخصية المسلم آزيم. وأتجاوز الأحداث الجذابة في الفيلم للتركيز عن شخصية المسلم التي اتضحت بعدما صار روبن هود زعيما للسارقين فقراء الوطن. نصح المسلم روبن بتعليم الفقراء فن القتال قبل أن يزج بهم في حرب. وحسنا فعل، أي (لدى المسلم الحكمة). حين تحتفل عصابة الأرستقراطي روبن هود، تشرب الخمرة، لكن المسلم آزيم يرفض شربها ويسمونه «السوفاج» أي «المتوحش». روبن هود يقول لهم: إنه ليس أكثر توحشا منا!.. المسلم آزيم يظل معزولا إنسانيا حتى تتعسر ولادة زوجة أحد زعماء المتمردين ويرشحه روبن هود لمساعدتها بعدما اكتشف رقيه الحضاري حتى في حقول العلم، وهو ما يفعله «آزيم» وينجح في توليدها وحمل الطفل الصغير معافى، وهنا يعرف الجميع قيمة «المسلم» ينقذ حياة امرأة وطفلها ومعارفه العلمية، كما أذهلهم قبلها باختراع العدسة المكبرة (المنظار). الفيلم يسجل مدى التطور الحضاري الإسلامي في ميدان العلم يومئذ، أما اليوم فنحن نستورد للأسف الاختراعات العلمية من الغرب. ( صورة المسلم العربي الجميل ) في نهاية الفيلم، ينقذ «آزيم» صديقه الأرستقراطي روبن هود من الموت المحتوم ويقـــــول له: الآن وفيت بديني لك وسأعود إلى وطني. ويتصادف يومها عودة الملك ريتشارد قلب الأسد (يمثل دوره «شون كونري») وحين يدخل لحظة عودته إلى حفل زواج روبن هود مع ابنة عمه، يركع الجميع احتراما للملك باستثناء «آزيم» الذي ظل واقفا وسط حشد من الراكعين، فالمسلم لا يركع لغير الله. أتساءل: أين السينما العربية من هذه الأفلام الجذابة العاطفية (المغامراتية) التي تجتذب الجماهير، ومن قال إن السينما العربية لا تستطيع تمثيل الإسلام إلا باللحى الاصطناعية والمشاهد المملة والحكايات الثرثارة التي تساعد على النوم؟! وذلك بدلا عن لغة الأحداث المشوقة؟ .. أرطغول ليس مسلسل لينام الأطفال بل ليستيقظ الرجال أرطوغل أحيا فينا روح الرجولة و الإسرار تشاهده تتذكر ربك و نبيك المسلسل محترم و يجوز مشاهدته مع العائلة .