أفكَار

المذاهب الإسلامية.. نشأتها وتداعيات اختلافها على الأمة (2من2)

هل الاختلاف العقدي بين المسلمين أمر قدري كوني؟ تقرير يجيب  (الأناضول)
هل الاختلاف العقدي بين المسلمين أمر قدري كوني؟ تقرير يجيب (الأناضول)

يواصل الكاتب والباحث في شؤون الفكر الإسلامي بسام ناصر، في هذا التقرير الخاص بـ "عربي21"، رصده لظروف نشأة المذاهب الإسلامية وطبيعة الاختلافات القائمة بينها، وتداعيات ذلك على الأمة.


ويلقي الضوء في الجزء الثاني والأخير، من هذا التقرير الضوء على أبرز الاتجاهات العقائدية الإسلامية:

الخوارج: 

تشير مراجع الفرق والمذاهب العقدية إلى أن ظهور الخوارج اقترن بظهور الشيعة، فقد ظهر كلاهما كفرقة في عهد علي رضي الله عنه، وقد كانوا من أنصاره، وإن كانت الشيعة فكرتها أسبق من فكرة الخوارج، وقد ظهر الخوارج في جيش علي رضي الله عنه عندما اشتد القتال بين علي ومعاوية في صفين، وذاق معاوية حر القتال، واشتد عليه أمره حتى أسعفته فكرة التحكيم فرفع جيشه المصاحف ليحتكموا إلى القرآن، ولكن عليا أصر على القتال حتى يفصل الله بينهما، فخرجت عليه خارجة من جيشه تطلب إليه أن يقبل التحكيم، فقبله مضطرا لا مختارا". 

يتابع أبو زهرة تعريفه بالخوارج، فيقول: "ولما اتفق مع خصومه على أن يحكما شخصين أحدهما من قبل علي والآخر من قبل معاوية، اختار معاوية عمرو بن العاص، وأراد علي أن يختار عبد الله بن عباس، ولكن الخارجة حملته على أن يختار أبا موسى الأشعري، وانتهى أمر التحكيم إلى النهاية التي انتهى إليها، وهي عزل علي وتثبيت معاوية، واشتد بهذا التحكيم ساعد البغي الذي كان يقوده معاوية، ومن غريب هذه الخارجة التي حملت عليا على التحكيم وحملته على محكم بعينه، أن جاءت من بعد ذلك واعتبرت التحكيم جريمة كبيرة، وطلبت إلى علي أن يتوب عما ارتكبه لأنه كفر بتحكيمهما كما كفروا هم وتابوا، وتبعهم غيرهم من أعراب البادية، وصار شعارهم (لا حكم إلا لله)، وأخذوا يقاتلون عليا بعد أن كانوا يجادلونه، ويقطعون عليه القول". 

ومن أبرز مقولاتهم ومبادئهم أنهم يرون "أن الخليفة لا يكون إلا بانتخاب حر صحيح، وثانيها أنه لا يختص بيت من بيوت العرب بأن يكون الخليفة فيه، فليست الخلافة في قريش كما يقول غيرهم، وليست لعربي دون أعجمي، والجميع فيها سواء، ويفضلون أن يكون الخليفة غير قرشي ليسهل عزله أو قتله إن خالف الشرع وحاد عن الحق، كما يرى الخوارج تكفير أهل الذنوب، ولم يفرقوا بين ذنب وذنب، بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنبا إذا أدّى إلى مخالفة وجه الصواب في نظرهم، ولذا كفروا عليا رضي الله عنه بالتحكيم، مع أنه لم يقدم عليه مختارا، ودفعهم ذلك المبدأ إلى الخروج على جماهير المسلمين، واعتبروا مخالفيهم مشركين، وأقضوا مضاجع الحكام بسببه..".

الشيعة: 

قدم الشيخ محمد أبو زهرة تعريفا إجماليا للشيعة بأنهم "أقدم المذاهب السياسية الإسلامية، ظهروا بمذهبهم في آخر عصر عثمان رضي الله عنه، ونما وترعرع في عهد علي رضي الله عنه، إذ كان كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجابا بمواهبه، وقوة دينه وعلمه فاستغل الدعاة ذلك الإعجاب، وأخذوا ينشرون آراءهم فيه، ما بين رأي فيه مغالاة، ورأي فيه اعتدال، ولما اشتدت المظالم على أولاد علي في عهد الأمويين، وكثر نزول الأذى بهم ثارت دفائن المحبة لهم، وهم ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى الناس فيهم شهداء الظلم، فاتسع نطاق المذهب الشيعي، وكثر أنصاره". 

وقوام هذا المذهب وفق ما نقله أبو زهرة عن العلامة المؤرخ ابن خلدون في مقدمته "إن الإمامة ليست من مصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم فيها بتعيينهم، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفالها وتفويضها إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوما من الكبائر والصغائر". 

ويتفق الشيعة على أن علي بن أبي طالب هو الخليفة المختار من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أفضل الصحابة رضوان الله عليهم، وانقسمت الشيعة إلى فرق واتجاهات مختلفة، أشهرها وأكثرها انتشارا الشيعة الإمامية الإثني عشرية، المنتشرة في إيران والعراق وغيرها من الدول والمناطق، وأكثرها قربا من أهل السنة الزيدية نسبة إلى الإمام زيد بن علي، وأكثر انتشارها وتواجدها في اليمن.

المعتزلة: 

من أبرز الاتجاهات العقائدية والفرق الكلامية، تيار المعتزلة، وهو "اسم يطلق على فرقة ظهرت في الإسلام في أوائل القرن الثاني، وسلكت منهجا عقليا في بحث العقائد الإسلامية، وهم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، ويشار إلى أن واصل بن عطاء هو رأس الاعتزال (80 ـ 131 هـ)، ومن الأسماء التي أطلقها الآخرون على المعتزلة: الجهمية والقدرية والوعيدية والمعطلة.. أما هم فقد أطلقوا على أنفسهم أهل التوحيد والعدل والعدلية. 

وقد قام مذهب المعتزلة على الأصول الخمسة، التي لا يكون المعتزلي معتزليا ما لم يؤمن بها وفق شروحاتهم الخاصة بهم، ألا وهي: التوحيد والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أبرز علمائهم: واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، والقاضي عبد الجبار، ويشار إلى أن المعتزلة بدأت فرقة واحدة، لكنها سرعان ما انقسمت إلى عدة فرق واتجاهات، وتميزت المعتزلة بتقديم العقل على النقل. 

الأشاعرة: 

اتجاه عقائدي واسع الانتشار قديما وحديثا، وتعرفها موسوعة الفرق بأنها "فرقة كلامية كبرى، تنسب لأبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324هـ) ظهرت في القرن الرابع وما بعده، بدأت أصولها بنزعات كلامية خفيفة أخذها الأشعري عن ابن كلاب تدور على مسألة كلام الله تعالى وأفعاله الاختيارية، مع القول بالكسب الذي نشأت عنه نزعة الجبر والإرجاء، ثم تطورت وتعمقت وتوسعت في المناهج الكلامية حتى أصبحت من القرن الثامن وما بعده فرقة كلامية، عقلانية..".

ويُذكر أن أبا الحسن الأشعري نشأ معتزليا في كنف زوج أمه، أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في زمانه، وعنه أخذ الاعتزال وتعمق فيه وأصبح من دعاته، وبقي على مذهب المعتزلة ما يزيد عن ثلاثين سنة، ثم تحول عنه وأعلن خروجه من مذهبهم، ويذكر مؤرخو الفرق أن الأشعري مر بعد تحوله من الاعتزال تأثر بمذهب الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب، الذي كان يقول بأن كلام الله معنى قائم في النفس، وينكر قيام الأفعال بالله، ثم تحول الأشعري في مرحلته الأخيرة إلى ما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل وهو ما صرح به في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة).

ووفقا لمؤرخي المذاهب العقائدية ومقولات الإسلاميين فإن المذهب الأشعري تضمن أقوالا واجتهادات لمتقدمي شيوخه ومتأخريهم، فالمتقدمون منهم كمؤسس المذهب أبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني كانوا يثبتون الصفات الخبرية لله، مع تفويضها ونفي التشبيه، ومتأخروهم كالفخر الرازي كانوا يذهبون إلى تأويل تلك الصفات تنزيها لله عن مشابهة المخلوقات، والمذهب الأشعري واسع الانتشار في العالم الإسلامي، وهو المذهب المقرر في الأزهر الشريف، وفي جامعة الزيتونة في تونس، وفي كثير من دول العالم الإسلامي كمصر وبلاد الشام والمغرب العربي، وأفريقيا، وأندونيسيا وماليزيا.

الماتريدية: 

اتجاه عقائدي إسلامي واسع الانتشار، يُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، ظهر في أواخر القرن الرابع الهجري، في مدينة سمرقند، في بلاد ما وراء النهر، يقول المؤرخ التركي، طاش كبرى زاده: إن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام رجلان، أحدهما حنفي والآخر شافعي، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي إمام الهدى، وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين أبو الحسن الأشعري البصري".

وبحسب مؤرخي الفرق والمقولات الإسلامية فإن المذهب الماتريدي "دعا إلى مذهب أهل الحديث والسنة بتعديل فيه يجمع بين الحديث والبرهان، وقام على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في إثبات العقائد الدينية، وفي محاجة ومجادلة خصومها من الجهمية والمعتزلة والملاحدة، واعتمدت الماتريدية في أسسها ونشأتها على المذهب الحنفي فقها وكلاما، حتى كانت آراء أبو حنيفة هي الأصل الذي تفرعت منه آراء الماتريدي". 

أما بخصوص أفكارها ومقولاتها العقائدية التي تميزت بها عن غيرها من المذاهب والفرق الإسلامية فكان من أبرزها: أنهم قالوا أن مصدر التلقي في الإلهيات والنبوات هو العقل، وأن المعرفة واجبة بالعقل قبل ورود السمع، وفسروا الإيمان بأنه عبارة عن الإقرار والتصديق، واعتبروا الذكورة شرطا في النبوة، وقالوا بإمكان رؤية العبد لربه إلا أنهم جهلوا كيفيتها، وعدُّوا الحسن والقبح من اللوازم الذاتية للأشياء، واعتقدوا بحدوث القرآن، وقالوا: بعدم جواز التكليف بما لا يطاق".

أهل الحديث (السلفية): 

حدد الشيخ محمد أبو زهرة المقصود بالسلفيين بأنهم "أولئك الذين نحلوا أنفسهم ذلك الوصف، والذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وكانوا من الحنابلة، وزعموا أن جملة آرائهم تنتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل الذي أحيا عقيدة السلف وحارب دونها، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري، أحياه شيخ الإسلام ابن تيمية، وشدد في الدعوة إليه، وأضاف إليه أمورا أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها أحوال عصره، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري أحياها محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، وما زال الوهابيون ينادون بها، ويتحمس بعض العلماء من المسلمين لها..". 

وقد تعرض هؤلاء الحنابلة للكلام في التوحيد، وصلة ذلك بالأضرحة، تكلموا في آيات التأويل والتشبيه.. وقد كانت المعارك العنيفة تقوم بينهم وبين الأشاعرة، لأنهم كانوا يظهرون حيث يكون للأشاعرة سلطان قوي لا ينازع، فتكون بين الفريقين الملاحاة الشديدة، وكل فريق يحسب أنه يدعو إلى مذهب السلف" مبينا منهجية أولئك السلفيين في مخالفة المنهج الكلامي الفلسفي الذي اتبعه الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة بقوله "ولقد جاء أولئك السلفيون فخالفوا ذلك المنهاج، وأرادوا أن تعود دراسة العقائد إلى ما كانت عليه في عهد الصحابة والتابعين، فلا يأخذوها إلا من الكتاب والسنة، فيأخذوا من القرآن الكريم أصل العقيدة، والدليل الذي بنيت عليه العقيدة..".  

هل افتراق الأمة أمر قدري؟

مع أن الإسلام يحثُّ أتباعه على الاجتماع والتآلف والاعتصام بحبل الله والتعاون على الخير، وينهاهم عن التفرق والتنابذ، كما جاء في آيات قرآنية عديدة، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الأنعام:159]، ويقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: 105] إلا أن الخلافات الدينية المذمومة المفضية إلى التفرق اشتعلت نيرانها بين المسلمين في فترة مبكرة من التاريخ الإسلامي. 

ومن اللافت أن ثمة اتجاها في أوساط الباحثين في تاريخ العقيدة والفرق يذهب إلى القول بأن وقوع الاختلاف العقدي بين المسلمين أمر قدري كوني، وبعضهم يعد وقوعه من معجزاته صلى الله عليه وسلم التي وقعت كما أخبر عنها في حديث الافتراق المشهور، وهذا نصه "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة". 

وقد ذكر الباحث أحمد سردار في أطروحته (المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم) المقدمة للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لنيل درجة الماجستير أسماء عشرات العلماء السابقين الذين يقررون ذلك التوجه، ويؤكدون ذلك المعنى. يقول الباحث "وقد نص جمع من أهل العلم على أن إخباره صلى الله عليه وسلم بافتراق أمته وبقاء الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، ومنهم، الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو بكر الباقلاني في كتابه (دلائل النبوة)، ومنهم أبو المظفر الإسفراييني ناقلا عنه قوله "وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر في زمن الإسلام من الفرق المختلفة ما ظهر في الأديان قبله فقال: (افترقت اليهود...)، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم صدق، ووعده حق، وهذا الذي أخبر عن وجود فرق الضلال فيما بين المسلمين لا محالة كائن". 

كما ذكر منهم: أبو زكريا يحيى النووي، وعذد الدين الإيجي، وأبو الفداء إسماعيل بن كثير، ناقلا عنه قوله "أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا...، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم انبعث القدرية ثم المعتزلة ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة". 

 

إن الأمة الإسلامية هي الأسوأ بين الأمم، ودليل ذلك أنها الأكثر تشرذما، وهذا مخالف لما جاء في كتاب الله العزيز، من أن هذه الأمة هي خير الأمم،

 



يستند مؤرخو الفرق والمذاهب الإسلامية في تصنيف مؤلفاتهم المتخصصة في تحديد تلك الفرق بأسمائها وبأسماء مؤسسيها وكبار رجالاتها، وببيان مقولاتها العقدية التي عُرفت بها ونسبت إليها، إلى حديث الافتراق المشهور الذي أخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوع افتراق الأمة إلى فرق عديدة، يقول عبد القاهر البغدادي في كتابه (الفَرق بين الفِرق وبيان الفرقة الناجية): "سألتم اسعدكم الله مطلوبكم شرح معنى الخَبّر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة منها واحدة ناجية، تصير إلى جنة عالية، وبواقيها عادية تصير إلى الهاوية والنار الحامية، وطلبتم الفرق بين الفرق النَّاجية التي لا يزل بها القدم، ولا تزول عنها النعم، وبين فرق الضلال الذين يرون ظلام الظلم نورا، واعتقاد الحق ثبورا، وسيصلون سعيرا، ولا يجدون من الله نصيرا". 

وذكر الباحث سردار أن "أكثر أهل العلم وجمهورهم ذهبوا إلى القول بثبوت حديث افتراق الأمم وقبوله، ومفهوم ذلك أن القائلين بخلاف ذلك قليل من أهل العلم، إلا أن الملاحظ أنه ـ عند البحث ـ يتبين أن من جاء عنه القول بعدم الأخذ بالحديث قلة قليلة من أهل العلم". ونقل عن ابن تيمية قوله "وإن كان بعض الناس كابن حزم يضعف هذه الأحاديث، فعبر بقوله (بعض) دون (قليل) ولما أراد التمثيل لم يذكر إلا ابن حزم"، ونقل عن الألباني قوله "لا أعلم أحدا قد طعن فيه إلا بعض من لا يعتد بتفرده وشذوذه، أمثال الكوثري.." ثم استدرك بأن ذلك منقول عن ابن حزم، وابن الوزير، والشوكاني". 

وقد أفرد أستاذ الحديث النبوي وعلومه، الدكتور حاكم المطيري بحثا مستقلا لدراسة أسانيد حديث الافتراق، وبعد دراسته لجميع طرق الحديث على طريقة نقاد الحديث، خلص إلى القول "وعلى كل فكل طرق هذا الحديث مناكير وغرائب ضعيفة ومنكرة، وأحسنها حالا حديث أبي هريرة وهو حديث حسن، مع تساهل كبير في تحسينه لتفرد محمد بن عمرو به، وهو صدوق له أوهام خاصة في روايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ولهذا كان القدماء يتقون حديثه كما قال يحيى بن معين".

 

"أكثر أهل العلم وجمهورهم ذهبوا إلى القول بثبوت حديث افتراق الأمم وقبوله، ومفهوم ذلك أن القائلين بخلاف ذلك قليل من أهل العلم، إلا أن الملاحظ أنه ـ عند البحث ـ يتبين أن من جاء عنه القول بعدم الأخذ بالحديث قلة قليلة من أهل العلم"

 


وفي الإطار ذاته انتقد الدكتور محمد الشريفين، أستاذ الحديث النبوي وعلومه بجامعة آل البيت في الأردن حديث الافتراق سندا ومتنا، وركز على نقده لمتن الحديث بأن "الحديث يؤسس للفرقة بين المسلمين، ويمتدح فريقا من المتفرقين، ويستخدم لفظة أمة، في حين نجد أن القرآن الكريم يستخدم لفظة أمة، ويؤسس للوحدة ويذم الفرقة، فقد قال الله تعالى {وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ *فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ}. كما أن "هذا الحديث استخدم الانتماء للطائفة كمعيار للنجاة، وأناط النجاة بالانتماء للطائفة، في حين أن القرآن الكريم استخدم التقوى كمعيار للنجاة، وأناط النجاة بالفرد، قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

ورأى الشريفين في نقده لمتن الحديث بأنه "من خلال هذه الرواية فإن الأمة الإسلامية هي الأسوأ بين الأمم، ودليل ذلك أنها الأكثر تشرذما، وهذا مخالف لما جاء في كتاب الله العزيز، من أن هذه الأمة هي خير الأمم، قال تعالى: {“كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ” وقال تعالى: و”َكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، وأنبه هنا إلى أن الخيرية والوسطية مشروطة وليست مطلقة". 

 

إقرأ أيضا: المذاهب الإسلامية.. نشأتها وتداعيات اختلافها على الأمة (1من2)


التعليقات (1)
مسعود
الأربعاء، 28-04-2021 12:49 ص
من خصائص الإعلام الإسلامي بقلم الشيخ محمد خير رمضان يوسف لقد أثنى الله تعالى على أمة الإسلام، وبيَّن أنها خير أمة أخرجت للناس: إذا كانت أمة مؤمنةً، تأمر بالخير والصلاح، وتنصر الحق وأهله، وتَنهى عن الشر والفساد، وتُكافح الباطل وأهله. ويتميَّز الدين الإسلامي عن الرسالات السابقة بميزات، فهو خاتمها، وهو للناس كافة، وفيه من عناصر القوة والبقاء ما يجعله نظامًا حيًّا مستقلاًّ، وفيه من المرونة والحيوية ما يجعله صالحًا لكل زمان، ولكل أمة، وفيه من مبادئ العقيدة ووضوحها، ما يحفظ الأفكار من الشطط والزلل، فلا يزيغ عنها إلا هالك، ومن الأحكام الشرعية ما يكفل حياةً عادلةً للفرد والمجتمع، ينال فيه كل منهم حقه، ويقوم بواجبه، وفيه من الأخلاق ما يربي الأجيال المؤمنة، ويجعلهم إخوة متحابِّين، يحافظون على أمن المجتمع ويذودون عن حياض الوطن. هذه الأسس والسمات المميزة للدين الإسلامي – وغيرها كثير – جعلت منه نظامًا ربانيًّا حيًّا قائمًا بذاته؛ لأن يَنابيعه من القرآن الكريم، كلام الله – عز وجل – والسنَّة المطهَّرة، أقوال وأفعال وتقارير الرسول صلى الله عليه وسلم. فليس نظامًا وضعيًّا ارتآه عقل بشري أو جماعة من الفلاسفة والحكماء، ولا هو عقيدة كهنوتية رهبانية يَنعزِل أفرادها بعيدًا عن المُجتمَع وآلامه وآماله. إنه نظام رباني فريد، حفظ الله أسسَه ومبادئه في كتابه العظيم، وبيَّنها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، نستمدُّ منه الأحكام فيما يستجدُّ في الحياة، ونجعله ميزانًا في كل ما يرد إلينا من الشرق والغرب، فإن وافقه كان صوابًا، وإن خالفه كان باطلاً وضلالاً. وما دام هذا الميزان موجودًا، فلن يضير المسلم ما يكون وما هو كائن، من نظريات وعلوم وأفكار، ما دام يحمل عقيدة صافية وفكرًا نيِّرًا. وقد نتج عن المدنية الحديثة، مذاهب فكرية فلسفية، واقتصادية واجتماعية، وتعليمية وعسكرية كثيرة، حملَتْ مدارسها بصمات مؤسِّسيها وتلامذتها، ممن لا يعرفون عن الإسلام شيئًا، ولا يعترفون به دينًا ومنهجًا للحياة، بل قد يُعادونه عندما يَخرجون عن “موضوعيَّتِهم” ويطعِّمون مبادئهم “العلمية” بعداء – سافر أو متستِّر – للإسلام والمسلمين. وانتشرت هذه الأفكار وعمَّت عن طريق وسائل الإعلام السريعة والمتنوِّعة، وحمَلَها وانتصر لها كثير من بني جلدتنا، إما جهلاً منهم بمضارِّها ومنافاتها لشريعة الإسلام، أو قصدًا منهم في زيادة رقعة العلمانية والتضييق على منافذ الإسلام وشبابه. وكان “الإعلام” ظاهرةً فنية خطيرة ولدتْها هذه المدنية، وأصبح واحدًا من العلوم يدرس في جامعات كثيرة من العالم كله: تاريخه ومذاهبه، وسائله وأساليبه، والجوانب المرتبطة به، وغدا فكرًا سياسيًّا معبرًا عن الدستور الذي تتبناه أية دولة من الدول، وإعلامها ودستورها بإمعان من نظرتها إلى الحياة، ونوعية الحكم ومدرسته. فما حظُّ هذا العلم من الإسلام؟ وما هي جوانبه فيه؟ وما مدى إمكانية الدراسة فيه؟ وما الفارق بين الإعلام الإسلامي والإعلام المعاصر؟ ما سمات هذا الإعلام؟ وما هي ميزاته التي تميِّزه عن غيره؟ الإعلام في الإسلام له جذوره التاريخية، وعناصره الكاملة موجودة فيه ومستمَدَّة منه؛ من مُرسِل، ورسالة، ووسيلة، ومُستقبِل. وللإعلام الإسلامي أنواع ومقاييس، وشروط ومقومات وخصائص، ينبغي الوقوف عليها والتفصيل فيها، ومطلوب دراستها دراسة علنية وافية، لتتبين جوانبها في هذا العلم، الذي يشكل جانبًا مهمًّا جدًّا في هذا العصر وكل عصر. ويَتناول هذا البحث بعض خصائص الإعلام الإسلامي، المتميزة عن الإعلام المنتمي إلى هذا الاتجاه أو ذاك، من النظريات والأنظمة الوضعية. والهدف من دراستها هو إيجاد نظرة مُتكاملة ومفصَّلة عما يتمتع به هذا العلام من جوانب فريدة مميَّزة واضحة، مستمَدَّة من أحكام الشرع الحنيف، وعقيدته السمحة، مع الإشارة في ثنايا كل خاصية على وجوب اتباع نظام إعلامي إسلامي تعمل به الدول الإسلامية، والبُعد عن الأساليب الإعلامية الماكرة والخبيثة والمُلتوية، التي تنصبغ بها الأنظمة والمذاهب الوضعية، من التي تُسيطِر عليها أيدٍ خفية أو ظاهرة. وذِكرُ هذه الخصائص يعني التركيز على تكوين رجل الإعلام الإسلامي الحق، الذي يفهم الإسلام ومبادئه وأخلاقه، ليستطيع الانطلاق من خلالها، ويُحلِّل مشكلات الحياة من منظورها، وليكون – من ثم – الواجهة الحقيقية للإسلام والمسلمين، والناطق الأمين بلسان الدعوة. وذكر هذه الخصائص يعني أيضًا: التخطيط للانطلاقة الإعلامية الإسلامية ذات المنهج الإعلامي المستقل، الذي لا يتأثَّر بفكرة غريبة أو شرقية؛ لأنه نابع من نظام قائم بذاته، وثابت ثبات أصله وجذوره!
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل