مقالات مختارة

طـي صـفـحـة نـتـنـيـاهـو

رجب ابو سرية
1300x600
1300x600

تكليف الرئيس الإسرائيلي لزعيم المعارضة يائير لابيد، ورغم أنه لا يعني أن الرجل سينجح في المهمة التي عجز عنها سلفه بنيامين نتنياهو، إلا أنه يعني أن حقبة أو مسيرة رئيس الحكومة الذي جلس أطول فترة لرئيس حكومة إسرائيلي على مقعد رئيس الوزراء، قد انتهت تقريبا، وان المعسكر المناوئ له حقق أول خطوة على طريق عزله، وإرساله القسري إلى التقاعد عن العمل السياسي، بصرف النظر عما ستؤول إليه إجراءات المحاكمة التي يواجه فيها تهما عديدة بالفساد.


وأول ما يلفت الانتباه بعد إجراء انتخابات الكنيست الرابع والعشرين الأخيرة، هو أن البيت الأبيض لم يولِ أي اهتمام خاص بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، على عكس ما كانت تقوم به الإدارة السابقة، حيث إن دونالد ترامب كان سببا بعقد الانتخابات السابقة التي جرت العام الماضي، ليجبر بيني غانتس على توقيع اتفاق الشراكة والمناوبة مع الليكود ونتنياهو، ليوفر الفرصة لتشكيل تلك الحكومة برئاسة نتنياهو، والتي عبرها عقد اتفاقيات إبراهيم، وبقي في الحكم عاما إضافيا آخر، لكن هذه المرة لم يعد ترامب في البيت الأبيض ليقدم حبل النجاة لصديقه.


ونتنياهو لم يقر بفشله بسهولة، بل إنه أخذ وقته كاملا، ولم يقم بإعادة التكليف لرئيس الدولة، إلا بعد ساعات من انتهاء مهلة الأربعة أسابيع، صحيح أنه لم يطلب مهلة الأسبوعين الإضافية، لأن ذلك كان يستوجب تقديم مبرر يقنع الرئيس، لكنه أيضا مارس كل حيله وألاعيبه الممكنة خلال الأربعة أسابيع، التي منحت له، بما في ذلك بالطبع، ضغط الليكود لإجبار الرئيس على تكليفه أولا، رغم انه كان واضحا للرئيس بأنه سيفشل في المهمة، وذلك لأن التكليف بحد ذاته يعتبر امتيازا لمن يحوز عليه، يؤهله لإجراء الحوارات وعقد اتفاقيات الشراكة مع الكتل البرلمانية، ويجعل من صاحبه مرشحا أول لرئاسة الوزراء، ولو حتى بالتناوب.


الآن وبعد تكليف رئيس المعارضة في الكنيست السابق، رئيس حزب «ييش عتيد» الوسطي، بمهمة تشكيل الحكومة، فإن الرجل ليس مجبراً على تمضية الأسابيع الأربعة القادمة، للإعلان عن تشكيل الحكومة، وذلك لأكثر من سبب، أولها أن نتنياهو سيظل طوال ذلك الوقت قائما بأعمال رئيس الحكومة، وكل خصومه يجتمعون على إخراجه من المنصب قبل أي شيء آخر، وثانيهما، أنه ومنذ تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، فإن لابيد لم يتوقف عن الاتصال والحوار مع الكتل البرلمانية، لأنه كان يعرف أولا أن معسكر نتنياهو الذي أوصى به، لم يتجاوز الـ52 نائبا، وهو كان بحاجة إلى نفتالي بينيت وحزبه يمينا (بسبعة مقاعد)، أو ساعر، ومن ثم لغطاء الحزب الإسلامي بزعامة منصور عباس من الخارج.


أي أن الحوار بين يائير لابيد ونفتالي بينت وكل مناوئي نتنياهو، لم يتوقف لحظة، لا قبل الانتخابات ولا بعدها، والدليل على ذلك هو توصية 56 نائبا للابيد بعدم إعادة نتنياهو للتكليف، وهؤلاء هم أحزاب «ييش عتيد»، كاحول لافان /بيني غانتس، العمل وميرتس، إسرائيل بيتنا، وأمل جديد حزب جدعون ساعر المنشق عن الليكود، العربية للتغيير والجبهة.


كما لوحظ بأن كلا من لابيد وبينيت قد تقدما بطلب التكليف، أي أن أعضاء يمينا السبعة قد أوصوا ببينت، وهذا يعني أن اتفاق لابيد وبينيت، سيوفر مبدئيا أغلبية 63 لحكومة بينهما، طبعا مع غطاء النواب العرب الخمسة من الخارج، ممثلي العربية للتغيير والجبهة.


أما لماذا لم يفعل بينيت وحزبه ما فعله ساعر، أي التوصية على لابيد، فذلك يعود إلى أسباب تفاوضية، فقد وجد الحزب اليميني المتطرف نفسه وهو بسبعة مقاعد فقط، أمام فرصة لم يكن يحلم بها، فكلا المعسكرين، فتح المزاد أمامه، لمشاركته في التناوب على رئاسة الحكومة، وليس ذلك فقط، بل وعلى أن يمنح هو أولا رئاسة الحكومة، حتى يضمن المنصب، وليس كما حدث مع غانتس، حيث تم فض الشراكة قبل أن يتولى غانتس المنصب في النصف الثاني من الولاية.


هذا يكشف مدى المأزق الذي يعيشه النظام السياسي الإسرائيلي، ويمينا وجد نفسه في هذه المكانة، لأنه وقف في الوسط، ولم ينحز لأحد المعسكرين، أي أنه لم يتعهد تماما بعدم مشاركة نتنياهو في حكومة يمينية، كما أنه لم يقطع عهداً بعدم مشاركة المعسكر الآخر في حكومة التغيير المعلن عنها، أو في حكومة لا يترأسها نتنياهو، وحتى حكومة لا تكون يمينية تماما.


قبل التكليف أعلن عن توصل الرجلين، لابيد وبينيت لاتفاق حول التناوب، كذلك حول كثير من تفاصيل المقاعد الوزارية، لكن ذلك لا يعني أن الأمر قد انتهى، أو أن لابيد سينجح تماما في مهمته، ذلك أنه لا بديل أمامه سوى مشاركة يمينا/بينيت له في الحكومة، فحتى النواب الأربعة بمنصور عباس، غير كافين للابيد لتشكيل حكومة دون بينيت، إلا إذا أجمع النواب العرب العشرة على دعم الحكومة من الخارج.


وبالطبع فإن دعم العرب من الخارج، هو معضلة أمام تشكيل حكومة التغيير، فإذا كان نواب العربية المشتركة دون ممثل التجمع، يوافقون على حكومة برئاسة الوسطي لابيد، فإنهم يتحفظون على حكومة برئاسة اليميني المتطرف بينيت، خاصة إذا اتفق لابيد وبينيت على أن يكون بينيت أولا، كذلك فإن أكثر من نائب في حزب يمينا، يتحفظون على غطاء عربي، أيا كان نوابه من الخارج لحكومة يشاركون بها، لكنهم ربما يبلعون هذا الموقف، إذا كان رئيس الحكومة في الفترة الأولى هو رئيس حزبهم، وكل ذلك يجري وشبح الانتخابات الخامسة خلال عامين فوق رؤوس الجميع.


على أي حال أيام قليلة قادمة، ويتضح كل شيء، ولابيد مع بينيت أقرب إلى النجاح في تشكيل حكومة التغيير، التي قد تخفف من الاحتقان الخارجي أيضاً، الناجم عن الفجوة بين نتنياهو والبيت الأبيض في أكثر من ملف، أهمها الملف النووي الإيراني، والذي بات مؤكداً هو أن صفحة نتنياهو قد طويت، إلى غير رجعة هذه المرة، حيث صار بإمكانه أن يبذل كل جهده وأن يخصص كل وقته للمثول أمام المحكمة، حتى يخرج منها بأقل الخسائر، غير مأسوف عليه من أحد.

 

(الأيام الفلسطينية)

0
التعليقات (0)