ملفات وتقارير

ما هي تداعيات "حرب غزة" على الساحة الأردنية؟

لم يشارك الأردن بشكل فعال في وقف الحرب كما فعلت مصر هذه المرة - أ ف ب
لم يشارك الأردن بشكل فعال في وقف الحرب كما فعلت مصر هذه المرة - أ ف ب

أثارت الحرب الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وما سبقها من عدوان على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، تساؤلات حول تداعيات هذه الأحداث على الساحة الأردنية.

وتدور في الصالونات السياسية الأردنية أحاديث وتحليلات حول تأثير هذه الأحداث على مستقبل العلاقة بين الدولة وكل من الكيان الصهيوني وحركة حماس، بالإضافة إلى علاقتها بالحركة الإسلامية التي شهدت توترا في السنوات الأخيرة، وانعكاساتها على تعميق حالة عدم الثقة بين الشارع الأردني والحكومة، وعلى مستقبل الوصاية الهاشمية على المقدسات.

العلاقة مع الاحتلال

ورأى الكاتب والمحلل السياسي عاطف الجولاني، أن النتائج التي أفرزتها المواجهة الأخيرة تخدم وجهة النظر الأردنية في التأكيد على عروبة وإسلامية مدينة القدس المحتلة، وتمنح الأردن قدرة على مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف مصالحه العليا.

وقال لـ"عربي21" إن الجانب الإسرائيلي يشعر بالضيق والغيظ إزاء الموقف الأردني الرسمي والشعبي في مساندة الفلسطينيين، مما سيؤدي إلى مزيد من الفتور في العلاقة الأردنية الإسرائيلية.

واستدرك الجولاني: "لكن من زاوية أخرى؛ ستزداد أهمية الدور الأردني بعد جولة الصراع الأخيرة، ولكن على عمّان أن تحسن التعامل مع هذه الفرصة التي أكدت أن موازين القوى تغيرت، وأن من الصعب على الطرفين الإسرائيلي والأمريكي تجاهل دور الأردن في المنطقة".

من جهته؛ قال الكاتب والمحلل السياسي منذر الحوارات، إن الحرب الأخيرة على غزة لن تضيف جديداً على العلاقة الأردنية الإسرائيلية المتوترة أصلا مع حكومة نتنياهو.

وأضاف لـ"عربي21" أنه بحكم طبيعة العلاقة بين عمان وواشنطن؛ فإن الأردن سيأخذ بعين الاعتبار تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن أي علاقة مستقبلية مع الولايات المتحدة تتطلب الاعتراف بـ"إسرائيل" والتعامل معها.

ورجح الحوارات أن يبقي الأردن الباب مفتوحا مع كيان الاحتلال؛ لأنه يريد أن يكون شريكا فاعلا في أي عملية مستقبلية للسلام، إذ إن دور الأردن النشط يتطلب علاقة جيدة مع جميع الأطراف.

العلاقة مع الحركة الإسلامية

وحول تأثير الحرب الأخيرة على العلاقة المتوترة بين الدولة الأردنية والحركة الإسلامية منذ عام 2015، قال الجولاني إن هذه العلاقة كانت في طور التحسن قبيل العدوان الأخير على القدس المحتلة وغزة، والذي شهد توافقا بين الطرفين سيعزز هذه العلاقة إيجابا.

وأضاف أن أداء الحركة الإسلامية أثناء الحرب الأخيرة كان على مستوى عال من العقلانية، وأظهر في الوقت ذاته قوة حضور الحركة شعبيا، مرجحا أن ينظر الجانب الرسمي بإيجابية إلى طبيعة الدور الذي قامت به الحركة، وخصوصا مع عدم وجود مبرر لأي تأثير سلبي للتطورات الأخيرة على العلاقة بين الطرفين.

أما الكاتب الحوارات؛ فرأى أن الدولة الأردنية استعانت بالحركة الإسلامية لإيجاد حالة شعبية متسقة مع ما يجري في فلسطين المحتلة، معللا ذلك بأن هذه الحركة هي الفصيل الوحيد الذي يمتلك القدرة التنظيمية بدون خروج عن الخطوط الحمراء للدولة، أو تطوره بما يمس استقرارها.

وقال إن الانتصار الذي تحقق في فلسطين على يد الفصائل الإسلامية؛ سيؤدي إلى تغيير معادلة التعامل مع التيارات الإسلامية في المنطقة العربية، وفي الأردن بالذات، "فمن الصعب أن تذهب الحكومة العربية بعيدا في إنكار قوة هذا التيار، والمشروعية النضالية التي تحصل عليها، فقد دفع دماء وشهداء وموارد مالية، وقدم معادلة جديدة لتسوية الصراع".

ولفت الحوارات إلى أن الدولة الأردنية بدأت تنفتح على قيادات حركة حماس من خلال اتصال مدير مخابراتها مؤخرا مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، "وبدون شك سيكون لذلك أثر كبير في تحسن العلاقة بين الحركة الإسلامية والأردن الرسمي، وخصوصا أن هذا الأخير بحاجة إلى ورقة تسهل له الانفتاح على التنظيمات الإسلامية في فلسطين".

العلاقة مع "حماس"

وحول أثر الحرب على العلاقة بين الأردن وحركة حماس، والتي شابها الفتور منذ إنهاء السلطات الأردنية وجود المكتب السياسي لحركة حماس بعمّان في عام 1999؛ أكد الجولاني أن هذه العلاقة لم تنقطع طيلة الفترة الماضية، "إلا أن مستوى العلاقة بحاجة إلى الكثير من التطوير في الفترة القادمة".

وقال إن الأردن تأثر في موقفه من "حماس" بعدة عوامل، أبرزها عدم رغبة عمّان بإغضاب السلطة الفلسطينية، وتجنبها للمزيد من التوتر في العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، عدا عن وجود ضغوط أمريكية ومصرية وخليجية، وسعي أطراف داخلية لإقناع القيادة السياسية بأن كلفة رفع مستوى العلاقة مع الحركة ستكون كبيرة.

وأضاف الجولاني أن الأمور تغيرت بشكل كبير خلال الجولة الأخيرة، حيث اتضح أن الأطراف التي تقيم علاقات متوازنة مع مختلف أطراف المعادلة الفلسطينية هي التي استطاعت لعب دور مهم ومطلوب أمريكيا ودوليا، وبالتالي نجحت في تعزيز حضورها وتحقيق مصالحها.

ولفت إلى أن الأردن أولى الأطراف بأن يكون دوره محوريا تجاه القضية الفلسطينية، "ولذلك فإن من المتوقع أن يتخلص الأردن من حالة التردد والتخوف في الانفتاح على حماس، وخصوصا بعد قراءته نتائج المواجهة الأخيرة بشكل جيد".

وتوقع الحوارات أيضا أن تتحسن علاقة الأردن بحركة حماس، الأمر الذي قد يسهل لعمّان التواجد في أي إطار مستقبلي للتفاوض ما بين الحركة وكيان الاحتلال.

وأشار إلى أن الأردن يحاول - بالتنسيق مع مصر - العمل على الدخول على خط غزة، ليس مزاحمة لدور القاهرة، وإنما لقناعة متجددة لدى الأردن بأن الساحة السياسية الفلسطينية مقبلة على تغيير في إطار القيادة للمجتمع الفلسطيني، وهو لا يمكن أن يستثني الضفة الغربية من هذا التغيير، وبالتالي يحاول تعزيز دوره منذ الآن.

العلاقة بين الشارع والحكومة

ورأى الجولاني أن الموقف الرسمي الأردني تجاه ما جرى كان متقدما مقارنة ببقية الأطراف العربية، مستدركا بالقول: "ربما كان من المناسب اتخاذ مواقف أفضل من قبيل استدعاء السفير الإسرائيلي للتشاور، مما سيشكل ورقة ضغط على الاحتلال".

وأضاف أن الموقف الشعبي الأردني كان متقدما على الموقف الرسمي؛ لأنه ليست لديه قيود ولا حسابات، معربا عن أمله بأن تستخلص الحكومة الدرس، وتمتلك جرأة أكبر في إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي في الفترة القادمة.

وحول أثر السخط الشعبي على أداء الحكومة خلال الحرب الأخيرة في زيادة فجوة الثقة بين الجانبين؛ بين الجولاني أن "الأمور اتجهت للهدوء، ولا أعتقد أنها ستؤثر على طبيعة الثقة بين الطرفين".

 

اقرأ أيضا: هل فرّط الأردن بـ"ورقة حماس" لصالح مصر؟

من جانبه؛ أكد الحوارات وجود "خيبة أمل" مرشحة للتنامي في الشارع؛ بسبب عدم استجابة الحكومة لمطلبه بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، واستدعاء السفير الأردني لدى الكيان الصهيوني، وإلغاء اتفاقيتي وادي عربة والغاز.

وقال إن ضعف الموقف الحكومي إزاء ما جرى مؤخرا في فلسطين، سيحدث حالة من التوتر الداخلي في المرحلة المقبلة، وسيشكل نقطة ضعف في العلاقة بين المجتمع والحكومة، لافتا إلى أن مبررات الحكومة لعدم انصياعها للرغبة الشعبية التي تُوجت بإجماع نيابي على طرد السفير لم تقنع الشارع الأردني.

وأضاف الحوارات أن حكومة بشر الخصاونة فشلت في تبني موقف واضح يبين للمواطنين طبيعة علاقتها مع الاحتلال، ومدى أهميتها، حيث إنها لم تقدم أية إجابة واضحة على الأسباب التي منعتها من اتخاذ موقف حازم، ما أدى إلى تراجع الدور الأردني على صعيد الأزمة الأخيرة.

الوصاية على المقدسات

وأوضح الجولاني أن نتائج الحرب على غزة، وانعكاساتها على الوضع في مدينة القدس المحتلة؛ أثرت إيجابا على الوصاية الأردنية على المقدسات، وأجهضت سعي الاحتلال لإلغاء هذه الوصاية.

ورأى أن الجانب الإسرائيلي سيفكر طويلا قبل الإقدام على مزيد من الخطوات التي تلحق الضرر بالدور الأردني في مدينة القدس المحتلة، "لكنه في الوقت نفسه لن يتوقف عن محاولاته، وهذا يتطلب الكثير من الحذر واليقظة لدى الجانب الأردني في التعامل مع هذا الصلف الإسرائيلي".

وحول القول بأن الأردن لم يقدم شيئا للقدس سوى التنديد والاستنكار؛ وأن المقاومة هي من ألجمت الاحتلال عن انتهاكاته في المدينة المقدسة؛ قال الجولاني إن الدور الأردني في القدس المحتلة ينحصر في الإشراف على المقدسات وإدارتها، أما توفير الحماية السياسية والأمنية فهي مسألة متعلقة بالسيادة التي هي للفلسطينيين.

وأضاف أن "الانتقاد لا ينبغي أن يوجه في هذه النقطة للأردن، وإنما يجب أن ينصب بصورة مباشرة على السلطة الفلسطينية التي غابت عن معركة القدس في بعدها الشعبي، في الوقت الذي حضر فيه الموقف الأردني الرسمي بقوة في متابعة القضية على المستوى السياسي والدبلوماسي".


التعليقات (0)