مقالات مختارة

عندما تفرض المليشيات سطوتها على الدولة

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600

بعد إلقاء القبض على قائد عمليات الأنبار في هيئة الحشد الشعبي يوم أمس الأربعاء 24 أيار/ مايو بتهمة 4/ إرهاب، قامت الفصائل والميليشيات المنضوية تحت هذا العنوان، باستعراض قوة عبر نشر مجموعاتها المسلحة في شوارع بغداد، ومحاصرة المنطقة الخضراء، وهو عمل لا يمكن توصيفه إلا على أنه محاولة انقلابية صريحة قامت بها هذه الفصائل من أجل فرض شروطها على الدولة، والادّعاء بأن ما يجري هو مجرد "اعتراض" على آلية تنفيذ إلقاء القبض!

فقد نشر زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، تغريدة على تويتر قال فيها أن عملية إلقاء القبض تمت "خارج إطار السياقات القانونية والعسكرية" وبأنها "محاولة خبيثة لإرباك الوضع الأمني وإيجاد الفوضى للدفع باتجاه إلغاء الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ وتعطيل الدستور" ودعا فيها إلى "الوقوف بقوة أمام هذه المحاولات" وإلى "تسليم المعتقل إلى أمن الحشد وبشكل قانوني". لكن الحجج التي قدمها لتسويغ تحدي الدولة العلني والصريح، حجج غير صحيحة تماما؛ فقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكرية رقم 22 لسنة 2016 قرر أنه يجوز تنفيذ إلقاء القبض على الضابط بعد استحصال موافقة القائد العام للقوات المسلحة حصرا، وهو الحاصل في هذه الواقعة، كما أن هذا القانون يقرر أن أمر إلقاء القبض على العسكري نافذ المفعول وواجب التنفيذ لكل من وجه إليه، فضلا على أعضاء الضبط القضائي (المادة 19 ثانيا وخامسا). وهذا يعني أن عملية إلقاء القبض التي تمت وفق أمر إلقاء قبض صادرة من قاض مختص، قانونية تماما.

وبعيدا عن المفارقة العجيبة باتهام الحكومة بأنها تسعى "لإرباك الوضع الأمني" لمجرد إلقاء القبض على قيادي في الحشد متهم بقضية جنائية فان التغريدة نفسها تدعو إلى "الوقوف بقوة" أمام الإجراءات الرسمية التي اتخذتها الدولة وبالتالي إلى "إرباك الوضع الأمني"! و التغريدة أيضا تفضح الصورة الزائفة التي ترسمها هذه المليشيات لنفسها بأن عناصرها "محصنون" وأي مساس بهم سيؤدي إلى ردة فعل!

الحجة الثانية التي استخدمت لتسويغ محاولة الانقلاب هذه، كانت الادعاء بأن لجنة الأمر الديواني رقم 29 التي شكلها رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي في 27 آب/ أغسطس 2020، وبموجبها تشكلت الهيئة التحقيقية القضائية الخاصة بناء على الأمر رقم 126 لسنة 2020 والتي أصدرت أمر إلقاء القبض، غير مختصة، لأنها مختصة بالنظر بقضايا الفساد الكبرى وليس بقضايا الإرهاب، وهذا غير صحيح أيضا؛ فالأمر الديواني رقم 29 لم يقصر اللجنة على قضايا الفساد الكبرى، بل شملت ولايتها "الجرائم الهامة" التي تحال للجنة من رئيس مجلس الوزراء، وهو الحاصل في هذه الواقعة.

استمرارا مع الإطار القانوني، فقد نصت المادة 48 من قانون العقوبات العسكري رقم 19 لسنة 2007 بأنه "يعد عصيانا عسكريا اجتماع شخصين فأكثر من العسكريين علنا أو بضجيج أو عربدة محاولين إظهار عدم إطاعة أوامر الأعلى رتبة، أو محاولين مقاومته أو الاعتداء عليه فعلا وبصورة مجتمعة"! وحيث إن هيئة الحشد الشعبي بموجب قانونها هي "جزء من القوات المسلحة" وتخضع "للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي" فهذا يعني أن ما جرى عمليا هو عصيان مسلح يستوجب معاقبة كل من حرض عليه، أو اشترك فيه بالسجن! كما أن المادة نفسها تتضمن جريمة "التمرد على أوامر الأعلى رتبة لفظا أو أصر على عدم الإطاعة" وما جرى يوم أمس كان تمردا وعصيانا صريحا على أوامر القائد العام للقوات المسلحة نفسه!

كما نص قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 على أنه تعد من جرائم أمن الدولة "كل من شرع في إثارة عصيان مسلح ضد السلطة القائمة بالدستور" و"كل فعل قام به شخص كان له سلطة الأمر على أفراد القوات المسلحة وطلب اليهم أو كلفهم العمل على تعطيل أوامر الحكومة" وما جرى يوم أمس يقع ضمن هذا التوصيف تماما!

هناك محاولة منهجية للتمييز الاعتباطي بين الحشد الشعبي من جهة، وبين ما يسمى "فصائل المقاومة" من جهة ثانية، ودائما يستخدم هذا التمييز المزيف للتهرب من المسؤوليات القانونية، والتغطية على مشاركة هذه الميليشيات في دعم نظام بشار الأسد في سوريا، ثم ادعاء بعض الميليشيات أن لديها فرعا في الحشد الشعبي، وفرع آخر مقاوم! وهذا يجري أيضا في ظل الحصانة التي يوفرها الفاعل السياسي الشيعي لهذه الميليشيات التي تسمي نفسها بالمقاومة ولا تملك إطارا قانونيا، والوضع المنطقي والقانوني هو أن تعاملها الدولة ومؤسساتها بوصفها منظمات إرهابية بموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005!

منذ عام 2014 وأنا شخصيا أكتب وأحذر من أن الميليشيات العراقية تشكل الخطر الحقيقي على الدولة، وانه من غير مواجهة هذا الخطر بعقلانية وبُعد نظر بعيدا عن التحيزات الطائفية، فإن الخراب الذي شارك فيه الجميع بلا استثناء، سيكون حتميا! وقد أشرت في حديثي عن هذه الميليشيات إلى أنها لا تملك قوة ذاتية حقيقية، وانها تستمد قوتها من الحصانة التي يوفرها لها الفاعل السياسي الشيعي تحديدا! وأنه ليس بإمكان أية حكومة أن تتعامل بجدية مع هذا الموضوع، سواء بتحجيم أو ترشيد أو إنهاء هذا الملف، بدليل فشل القانون الذي تم تشريعه في ضبط هذه الميليشيات، وأن القرار هو بيد الفاعل السياسي الشيعي حصرا، وقلت أيضا أن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، أيضا تقع عليه مسؤولية رفع الغطاء الذي توفره فتوى الجهاد الكفائي عن هذه الميليشيات، حتى يرفع عنها الحصانة الشرعية عنها (بالرغم من معرفة الجميع بأن الفتوى تحدثت عن التطوع في القوات الأمنية وليس تشكيل مليشيات ولكن الفاعل السياسي الشيعي استغلها لغاياته الخاصة).

في مقال سابق بعنوان "عندما تصنع الطائفة وحشها" قلنا بأن الوحش الذي تمثله هذه الميليشيات، لم يعد يقبل بدوره كـ "صنيعة" للطائفة، بل أصبح يفرض شروطه، وبالقوة، ليس على الطائفة وحدها، بل على الدولة ككل! لهذا على جميع من شارك بصناعة هذا الوحش، وتحديدا هنا الفاعل السياسي الشيعي الذي يحتكر القرار السياسي في العراق، أن يعي بأن الدولة العراقية لا يمكن أن تستمر مع بقاء هذا الوحش.

في جميع التجارب العالمية لم يكن هناك سوى حلين لمشكلة الميليشيات التي تنشأ في ظرف تاريخي محدد؛ حلها، أو دمجها في القوات العسكرية والأمنية، فخرافة السلاح الموازي/ الدولة الموازية التي تطيح بمنطق الدولة غير قابلة للاستمرار بأي حال من الأحوال. وحيث إن سيناريو الحل غير منطقي في الحالة العراقية، فليس هناك حل سوى دمجها في القوات المسلحة العراقية والقوات الأمنية الأخرى، كأفراد وليس كمجموعات، وإلا تحولت هذه المؤسسات نفسها إلى ميليشيات، وبغير هذا الحل فان وصفة الخراب ليست بعيدة.


 

(القدس العربي)


1
التعليقات (1)
عبدالله السعيد
الجمعة، 28-05-2021 10:13 ص
على ارض الواقع يحكم معظم بلاد العرب ملشيات او عصابات اجرامية مسلحة باموال الشعب الذي تقتله في صورة جيوش لا تخضع لقانون او دستور فنجدها تخطف رئيس منتخب و تقتله ثم تقتل الاف و تغتصب الدولة كما حدث في مصر