صحافة دولية

مارتين إنديك: انتهى نتنياهو "المتعجرف" وهو من هندس سقوطه

إنديك قال إن نتنياهو أصبح أكثر نرجسية وتعجرفا وتشككا- جيتي
إنديك قال إن نتنياهو أصبح أكثر نرجسية وتعجرفا وتشككا- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للدبلوماسي الأمريكي السابق مارتين إنديك قال فيه، إن بنيامين نتنياهو رحل أخيرا، بعد أن كان يهيمن على السياسة الإسرائيلية لدرجة أنه كان من الصعب تخيل أن أي شخص يمكن أن يحل محله.


وقال إنديك في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن نتنياهو استغل "قدرات إسرائيل الاستخباراتية الهائلة"، على المسرح العالمي، حيث ازدهرت العلاقات مع الهند والصين وروسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكذلك الأمر بالنسبة للتعاون الاستراتيجي مع الدول العربية.


وأضاف أنه "على الرغم من تخريب العلاقات مع الأردن، إلا أن الذروة بالنسبة لنتنياهو كانت تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب تحت مظلة اتفاقات إبراهيم الموقعة عام 2020".


وشدد إنديك على أنه "مع كل هذه الإنجازات، ومع مرور الوقت، فقد أصبح نتنياهو أكثر نرجسية وتعجرفا وتشككا، وكانت هذه هي العيوب التي أدت إلى فشله، وهذا يفسر إخفاقاته في العلاقات مع أمريكا والفلسطينيين، وكلاهما تركهما في حالة سيئة".


وتابع الدبلوماسي السابق قائلا: "كان نتنياهو مقتنعا من البداية بأن الصحافة هي عدوه،  ومصمما على التلاعب بالرسالة من خلال السيطرة على وسائل الإعلام، وأقنع الملياردير الأمريكي شيلدون أديلسون بتأسيس صحيفة مجانية لإيصال رسالته واستخدام منصبه كوزير اتصالات لصياغة التغطية التلفزيونية والإنترنت".


واستطرد: "دفعه هذا الهوس إلى إساءة استخدام سلطته وأدى إلى توجيه تهم الرشوة والفساد وخيانة الأمانة له عام 2019. وخلال ذلك، أساء نتنياهو معاملة موظفيه ومستشاريه لدرجة أن ثلاثة من أقرب مساعديه يشهدون الآن ضده في تلك المحاكمة".

 

اقرأ أيضا: تلغراف: أخيرا دفع نتنياهو ثمن سياساته الشعبوية

اقرأ أيضا: نتنياهو ما زال يرفض مغادرة المنزل الرسمي لرئيس الحكومة

وفي ما يأتي نص المقال كاملا:

 

رحل بنيامين نتنياهو في 13 حزيران/ يونيو عن منصبه بأضيق هامش ممكن، 60 مقابل 59، واختار البرلمان بدلا منه حكومة ائتلافية، بقيادة المحافظ نفتالي بينيت والوسطي يائير لابيد.


وحتى مع استبعاد أول فترة قضاها لمدة ثلاث سنوات كرئيس للوزراء في أواخر التسعينيات، كان نتنياهو أطول زعماء إسرائيل خدمة، وكان يهيمن على السياسة الإسرائيلية لدرجة أنه كان من الصعب تخيل أن أي شخص يمكن أن يحل محله.


ونتنياهو سيكون أول من يدعي أنه فعل أكثر من مجرد البقاء، وهذا صحيح. لقد ساعدت سياساته في الريغانية المتعلقة بالخصخصة، وإلغاء القيود، والتخفيضات الضريبية، وتقليل البيروقراطية، والإصلاحات المصرفية على النمو الاقتصادي وتمويل صعود الصناعات التكنولوجية الفائقة في إسرائيل، على الرغم من أنها زادت من عدم المساواة. وخلال فترة ولايته، تم إيجاد مليون وظيفة جديدة، ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50%، وتضاعفت الصادرات. وعلى الرغم من أنه أخطأ في إدارة جائحة كورونا في وقت مبكر، إلا أنه حصل على عدد هائل من اللقاحات ووزعها بسرعة.


واستغل نتنياهو قدرات إسرائيل الاستخباراتية الهائلة، والبراعة العسكرية، وسمعتها باعتبارها "دولة الشركات الناشئة" في دور بارز لبلاده على المسرح العالمي. فازدهرت العلاقات مع الهند والصين وروسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكذلك الأمر بالنسبة للتعاون الاستراتيجي مع الدول العربية، خاصة مع تزايد التهديد لجيران إسرائيل من إيران وتنظيم الدولة وتراجع ثقتهم بمصداقية أمريكا. وعلى الرغم من تخريب العلاقات مع الأردن، إلا أن الذروة بالنسبة لنتنياهو كانت تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب تحت مظلة اتفاقات إبراهيم الموقعة عام 2020.

 

 

مع كل هذه الإنجازات، مع مرور الوقت، أصبح نتنياهو أكثر نرجسية وتعجرفا وتشككا.

مع كل هذه الإنجازات، مع مرور الوقت، أصبح نتنياهو أكثر نرجسية وتعجرفا وتشككا. كانت هذه هي العيوب التي أدت إلى فشله وهذا يفسر إخفاقاته في العلاقات مع أمريكا والفلسطينيين، وكلاهما تركهما في حالة سيئة. الآن، تم تكليف حكومة بينيت-لابيد الجديدة، بأغلبية ضئيلة للغاية، بإصلاح الأضرار.

 

كان نتنياهو مقتنعا من البداية بأن الصحافة هي عدوه. كان مصمما على التلاعب بالرسالة من خلال السيطرة على وسائل الإعلام، وأقنع الملياردير الأمريكي شيلدون أديلسون بتأسيس صحيفة مجانية لإيصال رسالته واستخدام منصبه كوزير اتصالات لصياغة التغطية التلفزيونية والإنترنت. دفعه هذا الهوس إلى إساءة استخدام سلطته وأدى إلى توجيه تهم الرشوة والفساد وخيانة الأمانة له عام 2019. وخلال ذلك، أساء نتنياهو معاملة موظفيه ومستشاريه لدرجة أن ثلاثة من أقرب مساعديه يشهدون الآن ضده في تلك المحاكمة.


سلوك مشابه قلب شركاءه السياسيين ضده أيضا. ومن المفارقات، على الرغم من أن نتنياهو نجح في استخدام جاذبيته الشعبوية لدفع النظام السياسي الإسرائيلي إلى اليمين، إلا أن سياسته كانت تثير الانقسام لدرجة أنه تمكن من تقسيم قاعدته. وفي النهاية، انضمت ثلاثة أحزاب يمينية إلى جهود إسقاطه. 


في محاولاته اليائسة أكثر من أي وقت مضى لتأمين الأغلبية، جلب لاعبين جددا إلى التيار السياسي السائد وأضفى الشرعية على اليهود اليمينيين المتطرفين وحزب "راعم"، وهو حزب إسلامي عربي كان قد قام بتهميشه في السابق إلى جانب الأحزاب السياسية العربية الأخرى. وبذلك هندس نتنياهو عملية إسقاطه: أولا، باستخدام المتطرفين اليهود حق النقض ضد حكومة مع العرب فيها. بعد ذلك، انضم الإسلاميون العرب الذين تم إضفاء الشرعية عليهم حديثا إلى التحالف ضده. لقد كانت قصة غطرسة كلاسيكية.

ونفس غرائز التدمير الذاتي دمرت علاقات نتنياهو مع أمريكا، أهم مصدر لدعم إسرائيل، والتي لولا دعمها لما كان أي من إنجازاته على المسرح العالمي ممكنا.

ونفس غرائز التدمير الذاتي دمرت علاقات نتنياهو مع أمريكا، أهم مصدر لدعم إسرائيل، والتي لولا دعمها لما كان أي من إنجازاته على المسرح العالمي ممكنا. كان ضمان الدعم من الحزبين هو النهج الذي سار عليه جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين بعناية. 


ولكن مع تزايد الاستقطاب في السياسة الأمريكية، فقد اختار نتنياهو عمدا الوقوف إلى جانب الجمهوريين وناخبيهم الإنجيليين واليهود الأرثوذكس. وحكم على اليهود الليبراليين، الذين يشكلون الجزء الأكبر من الجالية اليهودية الأمريكية وهم الدعامة الأساسية للحزب الديمقراطي، بأنه لا يمكن الوثوق بهم وتخلى عنهم.


لقد حرض نتنياهو الجمهوريين ضد الديمقراطيين في محاولته الفاشلة لإحباط الاتفاق النووي الإيراني، ثم تبنى سياسات دونالد ترامب المثيرة للانقسام، وجر الرئيس الأمريكي إلى محاولاته اليائسة لإعادة انتخابه. وقد ضمن له ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، لكن هذه التدخلات لم تكن كافية لمساعدته في تحقيق الأغلبية. 


وفي أيار/ مايو 2021، حصد ما زرع عندما انتقد الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي بشدة جهود إسرائيل للدفاع عن مواطنيها ضد هجمات حماس الصاروخية ودعا إلى فرض شروط على المساعدة العسكرية الأمريكية وكان قد تم تحذير نتنياهو مرارا من أنه كان من الخطأ وضع كل بيض إسرائيل في سلة الجمهوريين، لكنه اعتقد أنه يعرف السياسة الأمريكية بشكل أفضل.


لم تكن دوافع نتنياهو المدمرة في أي مكان أكثر ضررا على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية أكثر من معالجته للقضية الفلسطينية. وفي عام 1998، خلال فترة ولايته الأولى كرئيس للوزراء، ذهب على مضض مع الصفقة المنصوص عليها في اتفاقات أوسلو عام 1993 - الأرض مقابل السلام - وتنازل على مضض عن 13% فقط من الضفة الغربية للحكم الفلسطيني وأدى ذلك إلى انهيار حكومته الأولى. ولدى عودته إلى منصب رئيس الوزراء بعد ثماني سنوات، تحدث عن حل الدولتين لكنه لم يكن مستعدا للمخاطرة بقاعدته لتحقيقه. وبدلا من ذلك، انتهج سياسة فرق تسد تجاه الفلسطينيين، وقام ببناء حماس في غزة وإضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وطوال الوقت، عمل على ضمان توسيع المستوطنين اليهود لبصمتهم في الضفة الغربية.


بمساعدة لجوء الفلسطينيين إلى العنف والتحريض، تلاعب نتنياهو بالجمهور الإسرائيلي للاعتقاد بأنه ليس لديهم شريك في الجانب الفلسطيني وبالتالي فهم لا يحتاجون إلى تقديم تنازلات لدفع عملية السلام. وما يؤكد مدى نجاح هذا الجهد، أنه لم يتجرأ معسكر السلام اليساري في الحملات الانتخابية الأربع الأخيرة، على ذكر القضية الفلسطينية.


وعندما جاء فريق سلام ترامب ساذج بقيادة صهر الرئيس جاريد كوشنر، بنسخ مفهومه لحل الدولتين في ما أسماه الرئيس "صفقة القرن" ومحاولة فرضه على الفلسطينيين. تضمنت الخطة ما أسماه نتنياهو "دولة ناقصة" للفلسطينيين، مع التركيز على "ناقص": سيتم حرمان الفلسطينيين من الأرض والسيادة والتواصل والعاصمة في القدس الشرقية اللازمة لدولة مستقلة وقابلة للحياة. 

كان من المقرر أن يقترن هذا الإذلال بضم إسرائيل لغور الأردن وجميع مستوطنات الضفة الغربية حتى قبل بدء المفاوضات.

كان من المقرر أن يقترن هذا الإذلال بضم إسرائيل لغور الأردن وجميع مستوطنات الضفة الغربية حتى قبل بدء المفاوضات. فولدت مبادرة ترامب ميتة ولكنها خدمت أغراض نتنياهو الذي كان يأمل أن التهديد بالضم سيجبر الفلسطينيين على قبول عرض ترامب، لم يحصل ذلك لكن الإماراتيين عرضوا عليه تطبيعا كاملا مقابل عدم الضم وتبعتها ثلاث دول عربية أخرى ما سمح لنتنياهو بالزعم أنه حصل على صفقات سلام مقابل سلام دون أي تنازلات للفلسطينيين، معززا بذلك الوهم أنه يمكن للإسرائيليين التوصل إلى سلام مع العرب دون الفلسطينيين، وذلك حتى أيار/ مايو 2021 عندما سقط 3440 صاروخا عليهم من غزة.


تقدم حكومة بينيت-لابيد فرصة لبداية جديدة. فهو أول ائتلاف يمتد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ويضم حزبا إسلاميا عربيا وتشغل فيه النساء تسعة من بين 27 منصبا وزاريا. فما الذي يمكن أن تفعله هذه الحكومة الجديدة بأغلبية هشة لإصلاح الضرر الذي تسبب به نتنياهو؟


من المرجح أن يكون هدفهم تهدئة الأمور. يحرص الزعيمان على إثبات أنهما قادران على تحقيق الأشياء التي يهتم بها الإسرائيليون: التعافي الاقتصادي بعد الوباء وتحسينات في الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم ومكافحة الفقر (أكثر من واحد من كل خمسة إسرائيليين لا يزال يعيش تحت خط الفقر). هذه هي قضايا يمكن لجميع أعضاء التحالف الاتفاق عليها. كما أنهم اتفقوا على توجيه موارد اقتصادية كبيرة للقطاع العربي المهمل، ما سيساعد في تعزيز الدعم العربي للتحالف.


ومع ذلك، فإن حكومة بهذا التباين ستواجه تحديا منذ البداية. بوجود مثل هذه الأغلبية الضئيلة، يمكن لأي واحد من الأحزاب الثمانية في الائتلاف إسقاط الحكومة. كما أن سلطة رئيس الوزراء محدودة بأنه لا يستطيع طرد أعضاء مجلس الوزراء إلا من حزبه ولا يمكنه التصرف إلا بموافقة رئيس الوزراء البديل.


ويحاصر المنتقدون من اليمين بينيت حيث يزعمون أنه خان القضية من خلال الانضمام إلى أحزاب اليسار (على الرغم من أن نتنياهو فعل ذلك عدة مرات). وعلى الرغم من وقوفه بحزم، إلا أن أعضاء حزبه بدأوا في الانكماش وصوت أحدهم ضد الحكومة، وفكر آخر علنا في القيام بذلك. ومع ذلك، ولكن ليس أمام بينيت إلا محاولة تحقيق النتائج.


وستشكل المستوطنات اختبارا مبكرا لهذا التوازن الصعب. في الأيام الأخيرة لحكومة نتنياهو، أقامت 40 عائلة من المستوطنين موقع إيفياتار، وهو بؤرة استيطانية غير قانونية على أرض فلسطينية مملوكة ملكية خاصة في الضفة الغربية. وبدلا من أن يأمر بإزالتها، تركها نتنياهو لتكون لغما في طريق الحكومة الجديدة. إذا لم تأمر الحكومة بإزالتها فسيرى المستوطنون فيها علامة ضعف ويقومون بإنشاء المزيد من البؤر الاستيطانية. لكن إذا تمت إزالة البؤرة الاستيطانية، فسيعتبرها المستوطنون خيانة أخرى من قبل بينيت وأعضاء حزبه.


ومن غير المرجح أن يرحب رئيسا الوزراء بأية مبادرة لإعادة إطلاق المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية حول اتفاقية الوضع النهائي. هذه ليست مشكلة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي لا تولي أهمية كبيرة للفكرة. لكن بايدن سيرغب في رؤية بعض الخطوات الأولى الهادفة في اتجاه حل الدولتين، وهو أمر يعارضه بينيت بشدة. وفي الماضي، اقترح بينيت "حكما ذاتيا على منشطات" كبديل، حيث تشجع إسرائيل من خلاله التحسينات في الاقتصاد الفلسطيني، والبنية التحتية للضفة الغربية، وإنشاء مناطق صناعية لتعزيز العمالة الفلسطينية.

التعليقات (0)