هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دعت صحيفة الغارديان البريطانية، إلى ضرورة إجراء تحقيق عام في قرارات الدول الكبرى لشن حروب مفتوحة على دول عربية وإسلامية.
ونشرت الصحيفة مقالا لمراسلها السابق ومؤلف كتاب "أشباح أفغانستان"، جوناثان ستيل، قال فيه إنه عندما بدأت الخسائر البريطانية المتزايدة في أفغانستان والعراق تثير الشكوك العامة قبل 15 عاما، بدأنا نسمع حجة جديدة: حرب العراق كانت اختيارية، بينما حرب أفغانستان ضرورية.
كانت الحجة أن أمريكا وحليفتها المخلصة، بريطانيا، شنتا غزوا في العراق لم يكن مبررا؛ لأنه كان قائما على فرضية خاطئة: الزعم بأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل.
وكان التدخل في أفغانستان مختلفا، كما قيل، حتى من قبل العديد ممن عارضوا حرب العراق. كان تنظيم القاعدة يقف خلف فظائع 11 أيلول/ سبتمبر، وكان زعيمه أسامة بن لادن يتخذ من الأراضي الأفغانية مقرا له. كان جورج بوش الابن محقا في توجيه إنذار لطالبان لتسليمه أو مواجهة الغزو.
ولكن في هذه الحالة أيضا، كان هناك فرضية خاطئة، أو في الواقع عدة فرضيات خاطئة، حيث تفاجأ الملا عمر وقيادة طالبان برؤية تهاوي البرجين في نيويورك مثل أي شخص آخر. لم يسبق أن استشارهم بن لادن بشأن استراتيجيته، ناهيك عن أهدافه. وتوقعا لردود أمريكية انتقامية، غادر بن لادن وحاشيته الكبيرة من المقاتلين العرب قندهار، واختبأوا في جبال تورا بورا. كانت دعوة بوش لطالبان لاعتقاله غير واقعية؛ لذا فإن ملاحقة طالبان كانت غير ضرورية مثل إحداث تغيير النظام في العراق.
كما أنه مشكوك فيه بنفس القدر من وجهة نظر القانون الدولي. لم يكن هناك قرار من مجلس الأمن الدولي يصرح بالهجوم الأمريكي على أفغانستان. كان من الواضح أن بوش سيرغب في معاقبة القاعدة على هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، لكن القانون الدولي لا يسمح باستخدام القوة المسلحة للثأر أو الانتقام.
زعمت أمريكا أن القاعدة أعلنت الحرب عليها، وكان لها الحق في الرد بقوة دفاعا عن النفس، لكن القانون الدولي يسمح بذلك فقط إذا كان هجوم العدو وشيكا. وفي خريف عام 2001، كانت فكرة الهجوم الوشيك غير واردة، كما أنه لم يكن أي من خاطفي الطائرات في 11 أيلول/ سبتمبر أفغانيا، وكانوا قد تدربوا بشكل أساسي في ألمانيا وأمريكا. لقد استغرق التحضير للهجوم عامين، لذلك لم يكن هناك أي طريقة يمكن للقاعدة أن تشن فيها فظائع أخرى مماثلة وشيكة.
بعد 11 أيلول/ سبتمبر، جادل عدد قليل من المحللين بأنه إذا كانت أمريكا مصممة على استخدام القوة، فينبغي أن تقتصر على عملية البحث والتدمير ضد القاعدة في تورا بورا. تم تجاهل وجهة نظرهم، وأضاف بوش هدفا جديدا للحرب: بناء ديمقراطية حديثة في أفغانستان. وفنّد جو بايدن ذلك في خطابه يوم الاثنين، عندما شدد على أن السياسة الأمريكية يجب أن تستند إلى الأمن من الإرهاب، وليس على أي إصلاحات إنسانية. وأثارت تصريحاته جدلا محتدما، لكنها صحيحة.
تحتاج بريطانيا أيضا إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه أفغانستان، يجب أن تجري تحقيقا على غرار تقرير شيلكوت في العراق (باستثناء أنه يجب أن يقدم تقريرا في مدة زمنية أقصر). يجب أن يكون البند الأول على جدول أعمال لجنة التحقيق هو ما إذا كان قرار تغيير النظام في عام 2001 حكيما أم سخيفا. إن أحداث العقدين الماضيين، التي بلغت ذروتها بالعودة المظفرة لطالبان التي شهدناها للتو، تنبع من ذلك القرار.
صحيح أن كابول وغيرها من المدن الأفغانية الكبرى تمتعت بعشرين عاما من التقدم غير المنتظم، وقد استفادت النساء على وجه الخصوص، ونشأ جيل من الشباب يحلم بخيارات حياة آمنة وحرة. لو لم تتم الإطاحة بطالبان من السلطة عام 2001، لما حدث شيء من هذا، لكن البلاد كانت ستنجو من ويلات وقتل الحرب الأهلية التي استؤنفت في عام 2003 بمجرد أن تعافت طالبان من صدمة الهزيمة. مثل إدارة أشرف غني، استسلمت طالبان في عام 2001 تحت وطأة القصف الأمريكي، دون مقاومة تقريبا. كان لا بد لها أن تبحث عن طرق لعكس مسارها، مهما طال الوقت.
في القرن الذي أعقب استقلال أفغانستان عن بريطانيا عام 1919، كانت مأساة البلاد هي حلقة الهزيمة المتكررة باستمرار لأقلية من دعاة التحديث الأفغان الذين سعوا إلى كسر قبضة النظام الأبوي الريفي المحافظ. حدث ذلك مع أول زعيم بعد الاستقلال، أمان الله خان، الذي تولى السلطة في موجة شعبية، لكنه خسرها بعد أن أدخل المدارس المختلطة، وأوقف النساء عن ارتداء الحجاب، ناهيك عن البرقع الكامل. زحف المحافظون على كابول في عام 1929، وهرب الجيش، وتنازل أمان الله عن العرش.
ظهرت المقاومة لموجة جديدة من الإصلاح مرة أخرى في الثمانينيات، عندما قام الشيوعيون الأفغان، الحزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني (PDPA)، بتوسيع نطاق تعليم الفتيات، وزيادة فرص النساء للعمل خارج المنزل. عندما حصلوا على الدعم السوفييتي، فتحوا الباب لتحالف الزعماء الدينيين والقبليين (بمساعدة الحكومات الغربية في ذروة الحرب الباردة)، لينهضوا كمجاهدين، ووصموا حزب الشعب الديمقراطي بأنهم ملحدون وأتباع الكرملين. عندما سحبت موسكو مساعدتها في عام 1992 (مثل ترامب وبايدن اليوم)، سقط نظام التحديث بسرعة. الآن نشهد منعطفا ثالثا لعجلة المحافظين يطردون الإصلاحيين.
ويتساءل المراقبون: كيف تمكنت طالبان من تحقيق هذا الانتصار الكاسح؟ الحقيقة المحزنة هي أن وجهات نظرها الأبوية تحظى بشعبية في المناطق الريفية وبلدات أفغانستان الصغيرة، ولم يكن بإمكانها تحقيق تقدم عسكري مذهل دون دعم محلي، كما فقد الناس الثقة في حكومة مركزية فاسدة، وبجيش كان البنتاغون يدرك جيدا أنه غير فعال وغير محفز، كما كشفت "أوراق أفغانستان"، وهي مئات المقابلات السرية مع قادة عسكريين ودبلوماسيين أمريكيين حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست.
شعر العديد من الأفغان أن طالبان أنتجت عدالة أسرع وأكثر صدقا في النزاعات القروية بين العائلات. كان ينبغي على حكومة المملكة المتحدة أن تعرف هذا. أظهرت الاستطلاعات التي تم التكليف بها من قبل وزارة التنمية الدولية، في هلمند في عام 2010، أن الناس يفضلون محاكم طالبان على المحاكم التي عينتها كابول، حيث كان عليهم رشوة المدعين العامين والقضاة.
الأفغان لا يحبون الغزاة مهما كانت دوافعهم، واستطاعت طالبان استغلال سردية المقاومة الوطنية. لماذا تجاهلت بريطانيا دروس التاريخ، واتبعت التجربة التعيسة للغزو السوفيتي واحتلاله؟ يجب أن تكون هذه هي القضية المركزية في التحقيق العام الذي نحتاج إليه.