قضايا وآراء

عنزة ولو طارت!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
يُروى أنه في أحد الأيام، خرج رجلان معاً للصيد، فشاهدا سواداً من بعيد، فقال أحدهما للآخر: إن هذا البعيد غراب، وقال صديقه الثاني: لا إنها عنزة، وأصر كل منهما على رأيه. فتحرك الرجلان باتجاه هذا الشيء الأسود، حتى اقتربا منه، فإذا به غراب. فقال الأول لصديقه: أرأيت، ألم أقل لك من البداية إنه غراب؟ فرد عليه الآخر بإصرار قائلا: عنزة ولو طارت! وقد صارت جملته عنزة ولو طارت مثلا دارجا يستخدمه الناس لوصف كل من يصر على رأيه حتى لو ثبت له أنه خاطئ.

يبدو أن بعض النفوس مبتلاة بآفة الكبر بشكل مؤذ، يجعلها تصر على الخطأ حتى لو ثبت خلافه، لأنه لا يليق بقدرهم الاجتماعي أن يخطئوا! وهذا لعمري في ميزان العلاقات الإنسانية خطير ومهلك، وكما قيل: فإن من أسوأ مصائب الجهل أن يجهل الجاهل أنه جاهل.

تقول له لا يوجد حسابات في تويتر ل هنية أو مشعل أو حسابات عربية لقادة طالبان، ثم يأتيك في اليوم التالي مستشهدا بأحدها. ولا أعمم فالبعض وقاف عند الحق ويشكرك على التنبيه.

تخبره أن أبطال أسرى نفق الحرية تم القبض عليهم أحياء ولم يموتوا في السجون ولا توجد مسرحية للاحتلال بذلك؛ يقول لك: أين الرمل؟!

والأصعب أولئك المناهضون للقاح كورونا حيث يتناقلون رسائل واتس أب لا سند لها ويقدمونها على الحقيقة الواضحة أمامهم؛ يا أولاد الحلال اللقاح آمن، فيقولون: شاهد هذا الفيديو الذي يظهر رئيس شركة "فايزر" وهو يقول لن آخذ اللقاح! فترد عليهم هذا مجتزأ مثل "لا تقربوا الصلاة.." الرجل قال: لن آخذه قبل الأطباء وعاملي الصفوف الأمامية لأنهم أولى، ولكن هيهات أن يستمعوا لك.

بينما تزدحم المستشفيات بمرضى لم يتلقوا جرعتي اللقاح يقول لك إن تجربة ابن خالته مع اللقاح سيئة! على الهامش في هذا الموضوع، ووفقا لمؤسسة بارتس هيلث، فإن جميع مرضى كورونا تقريبا الذين تم إدخالهم إلى العناية المركزة في مستشفيات شمال شرق لندن على مدار سبعة أسابيع كانوا ممن لم يتلقوا جرعتي اللقاح، بنسبة تتجاوز 90 في المئة.

للإشارة هناك دراسة أجراها غوردون بينيكوك، كبير الباحثين في سيكولوجية المعلومات الزائفة بجامعة ريجينا في كندا، طلب فيها من المشاركين تمييز الأخبار الزائفة من الصحيحة حول فيروس كورونا، وانخدع المشاركون بالأخبار الزائفة في نحو 25 في المئة من المرات، في حين ذكر 35 في المئة منهم أنهم قد ينشرون هذه الأخبار الملفقة.

ويقول بينيكوك إن هذا يدل على أن الناس ينشرون الأخبار التي لو فكروا للحظات في مدى صحتها لأدركوا أنها ملفقة. ويعزو ذلك إلى الرغبة في الحصول على أكبر قدر من التفاعل، سواء بالإعجاب أو المشاركة.

ولاحظ بينيكوك أن الأشخاص الذين أحرزوا درجات متدنية في اختبار التفكير المعرفي، كانوا أقل قدرة على تمييز الأخبار الزائفة من الصحيحة قبل مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما جاء في تفاصيل تقرير عن هذه الدراسة نشره ديفيد روبسون، الصحفي في بي بي سي، قبل نحو عام.

هذا الأمر دفعني للدخول في تحد مع قريب لي يردد كثيرا من نظريات المؤامرة؛ بحيث إذا أكرمنا الله بالحياة حتى نهاية 2022 أن يعلن توبته وتوقفه عن ترديد هرطقات أولئك الذين يقولون إن كل متعاطي اللقاح سيموتون خلال سنتين! حتى أنني قلت له: لماذا لا تأخذ اللقاح وتموت معنا؟ ماذا تريد أن تفعل بالكرة الأرضية لوحدك دون البشر؟! ومن نافلة القول إن هذه الشائعات التي تضخم مخاطر اللقاح لا أساس لها من الصحة، في مجتمعات تأخذ اللقاحات أصلا منذ ولادتها، واللقاح المضاد لفيروس كورونا ليس الأول ولا الأخير في حياتها.

عنزة ولو طارت ليست مجرد مثل اجتماعي، وإنما منهج حياة لدى كثيرين يَضلون به ويُضلون غيرهم، ويتوارثونه فيما بينهم حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره.

إن كنت ناصحا أقول لمن يحب: إياك والجلوس معهم فضلا عن الاستماع إليهم، فالجهل وباء أشد من كورونا، وعدم التباعد الاجتماعي مع أصحابه معد جدا.
التعليقات (0)