كتب

اللاجئون الفلسطينيون بالمشرق العربي.. الهوية والفضاء والمكان

كتاب يوثق لحياة الفلسطينيين في المشرق العربي.. من الهجرة الجماعية إلى المنفى (عربي21)
كتاب يوثق لحياة الفلسطينيين في المشرق العربي.. من الهجرة الجماعية إلى المنفى (عربي21)

الكتاب: "اللاجئون الفلسطينيون في المشرق العربي: الهوية والفضاء والمكان"
المؤلف: مجموعة من الباحثين
تحرير: آري كنودسن وساري حنفي
ترجمة: ديما الشريف
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة 2015.


صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (ط1، الدوحة 2015)، ضمن سلسلة ترجمان، كتاب عنوانه "اللاجئون الفلسطينيون في المشرق العربي: الهوية والفضاء والمكان"، بمشاركة مجموعة من الباحثين، وتحرير آري كنودسن وساري حنفي، وترجمة ديما الشريف، وتقديم جابر سليمان ومراجعته.

يجمع هذا الكتاب بين دفتيه جملة من البحوث التي قُدمت في ورشة عمل بعنوان "حياة الفلسطينيين في المشرق العربي: من الهجرة الجماعية إلى المنفى"، عُقدت في مدينة بيرغن/ النرويج (أيلول/ سبتمبر 2007).

يقع الكتاب في 430 صفحةً من القطع الكبير، ويتألف من مقدمة الطبعة العربية والإنكليزية، وأربعة أقسام، واثني عشر  فصلًا.

يتناول القسم الأول من هذا الكتاب، وعنوانه "المكان والإدارة والمحلة"، وفيه ثلاثة فصول؛ الأول لرئيسة قسم الأنثروبولوجيا ومديرة دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في University of Louisville، جولي بيتيت بعنوان "رسم خرائط العنف والتهجير ومخيّمات اللاجئين (فلسطين والعراق)"، "هذا الفصل استكشاف أولي للترابط بين المشاريع الإثنية ـ الطائفية والمتخيلات، وإنتاج التهجير وأدوات الاحتواء المكانية" (ص 58).  فـ "يبدأ باستكشاف الأزمة الحالية للاجئين العراقيين، ثم ينتقل إلى القضية الفلسطينية بحثًا عن الترابطات والأبعاد الإقليمية الناشئة المتعلقة بالتهجير" (ص 61). 

أما الفصل الثاني "إدارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا (نهر البارد واليرموك)"، لرئيس قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعة الأمريكية في بيروت، ساري حنفي، يُحاول هذا الفصل "أن يوضح العلاقة بين السلطة والسيادة والفضاء العام في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا من خلال دراسة أساليب الإدارة داخل المخيمات" (ص 85). 

و"يسعى هذا الفصل إلى إعادة مسألة الإدارة، لا من الزاوية الأمنية، بل من زاوية العزل والفصل. إذ أصبح العزل أو الفصل مفهومًا مركزيًا في نقاشات التركيز المكاني للخطر الاجتماعي وفي شأن الإدارة المحلية/ المدينية. بينما اتخذت السلطات السورية قرارًا استراتيجيًا منذ عام 1948 لدمج المخيمات الفلسطينية في نسيج المدن المحيطة بها، فعل لبنان العكس تمامًا. اعتبرت المخيمات في لبنان "جزرًا أمنية"، وعوملت بوصفها فضاءات استثناء ومختبرات تجريبية للسيطرة والمراقبة" (ص 86). و"في شبه الغياب للإدارة التقليدية برزت أنواع  حاكمية بديلة بين سكان المخيم، نجحت بشكل ملحوظ في تنظيم سلوك سكانه" (ص 115). 

والفصل الثالث لعالمة أنثروبولوجيا مؤرخة شفوية، روزماري صايغ بعنوان "تجسيد الهُويّة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين نظرة جديدة إلى (المحلّي) و(الوطني)"، فهي تُحلل هوية مخيم اللجوء، مستخدمةً روايات محاصَرين من مخيمي جنين وشاتيلا، وتؤكد روزماي أن "اللاجئين المقيمين في المخيمات يشكلون عنصرًا متميزًا داخل المقاومة الوطنية، مجموعة ذات وعي جماعي كامن داخلها تتداخل مع الجماعة الأوسع من لاجئي الشتات، لكنها في الوقت نفسه تتميز عنها" (ص 126).
 
يبحث القسم الثاني من الكتاب "التحضُّر المديني والمكان والسياسات"، وفيه ثلاثة فصول؛ نبدأ بالفصل الرابع "مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: هجرة وحراك وتحضّر"، للباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، محمد كامل درعي، الذي يناقش مسار تمدن مخيمات اللاجئين في بيروت وتحضرها، ويري أن "مخيمات اللاجئين الفلسطينيين [تميل] إلى التطور من خلال الاندماج في النشاط الاقتصادي، وفي المناخ الحضري المديني، حتى وإن ظلت مهمشة ومناطق معزولة" (ص 168). ويبين أن "تطور النشاط الاقتصادي الذي يطمس حدود مخيمات اللاجئين ويجعلها جزءًا من المدينة" (ص 169). 

وفي الفصل الخامس "لاجئون يخططون مستقبل مخيم الفوار: تجريب إستراتيجية تحسين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين"، يري الأستاذ في حقل التمدن الدولي في جامعة شتوتغارت في ألمانيا، فيليب ميسلفيتز، إن "تطوير المخيمات الفلسطينية وتحسينها يؤسس لفتح جديد ليس في مجال التجديد والابتكار المنهجيين فحسب، بل أيضًا في مجال البيئة التي يمكن أن يطبق فيها (...) يمكن لتطوير المخيم أن يتحول إلى أداة عمل ناضجة تؤدي كامل وظيفتها إذا ما بُنيت صلات أقوى بين وكالات الأمم المتحدة مثل (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية) و(الأونروا) و(المفوضية العُليا لشؤون اللاجئين)" (ص 196). 

يُعالج الفصل السادس "نهر البارد: النتائج السياسية لكارثة اللجوء"، الدمارَ المادي لمخيم اللاجئين وتداعياته السياسية السلبية. وفيه يحلل آري كنودسن، كبير باحثي في معهد كريستيان ميكلسين، دراسة الحالة الطارئة لمخيم نهر البارد عام 2007، لـ"إلقاء الضوء على تداعيات الأزمة على العلاقات السياسية بين الفلسطينيين واللبنانيين" (ص 198). فقد "أظهرت معركة نهر البارد الانقسامات واحتمال الخلاف في شأن من سيتولى مسألة (ملف اللاجئين) في لبنان، الأمر المشترك بين الأحزاب والأطراف كافة هي أنها لم تكن تتصرف وفق رؤية سياسية، بل وفقًا لحسابات سياسية ومكاسب حزبية" (ص 218).
 
في القسم الثالث من الكتاب "الحقوق المدنية والوضع القانوني وجبر الضرر"، وفيه ثلاثة فصول، يبدأ بالفصل السابع "جواز سفر بأيّ ثمن؟ الحرمان من الجنسية بين اللاجئين الفلسطينيين"، للكاتب الأكاديمي عباس شبلاق، بدراسة أثرَ حرمان الجنسية في اللاجئين الفلسطينيين، وفي تجاربهم وسُبُل عيشهم وحركيتهم داخل المنطقة وخارجها.

 

وبحسب شبلاق، "شكلت حالة الحرمان من الجنسية تجربة اللاجئين الفلسطينيين في المنفى أكثر من أىي أمر آخر. وعرضت هذه الحالة الفلسطينيين لدرجات متبانية من الممارسات التمييزية في الدول العربية المضيفة. وكان للحرمان من الجنسية أثر عميق في حرية حركتهم ورفاههم وسبل عيشهم وقدرتهم على بناء مستقبل أفضل لإعالة أنفسهم" (ص 250 ـ 251). 

أما الفصل الثامن "ديناميّات المساعدة الإنسانية والسياسة المحلّية والإقليمية لاجئو فلسطين حالة دراسية"، يبحث الباحث الفلسطيني جلال الحسيني، وأستاذ علم الاجتماع السياسي ريكاردو بوكو، في الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى: الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة. ويشكك اللاجئون في "نظام التمييز الذي وضعته الدول العربية المضيفة بذريعة الحفاظ على (حق العودة). ولم يعد اللاجئون يرون أن تحسين طرائق اندماجهم في تلك الدول، خصوصًا في في المجالات الاقتصادية والاجتماعية داخل المخيمات وخارجها، هو تهديد لحقوقهم السياسية، بل يرون العكس من ذلك تمامًا" (ص 284). 

 

"شكلت حالة الحرمان من الجنسية تجربة اللاجئين الفلسطينيين في المنفى أكثر من أىي أمر آخر. وعرضت هذه الحالة الفلسطينيين لدرجات متبانية من الممارسات التمييزية في الدول العربية المضيفة. وكان للحرمان من الجنسية أثر عميق في حرية حركتهم ورفاههم وسبل عيشهم وقدرتهم على بناء مستقبل أفضل لإعالة أنفسهم"

 



في الفصل التاسع "اللاجئون الفلسطينيون وجبر الضرر: سياسة التأسف"، سعت الباحثة شهيرة سامي،  إلى "إظهار كيف أن برنامج جبر الضرر الناجح يعني التطرق إلى جذور الظلم التاريخي الكامن في قلب الصراع وتصحيحه ومعالجته بشكل ملائم، كخطوة لا بد منها للوصول إلى وضع أو مرحلة ما بعد الصراع" (ص 310). ركزت الباحثة على "ثنائية الاعتذار والتعويض بوصفهما شكلًا آخر من أشكال جبر الضرر" (ص 311). و"جبر الضرر هو آلية لتحويل ماضٍ جائرٍ إلى وسيلة للعبور نحو مستقبل أفضل" (ص 312) كجزء أساسي من تصويب الظلم التاريخي في حقّ اللاجئين الفلسطينيين.

أما القسم الرابع والأخير من الكتاب "الذاكرة والقدرة والتدامج"، وفيه ثلاثة فصول، الفصل العاشر "المؤسسة الوحيدة الباقية والقابلة للحياة (الأسرة)"، وفيه يدرس الباحث الفرنسي سيلفان بيرديغون الترابط بين وضع اللجوء، وعلاقة القربى وإستراتيجيات الزواج بين أبناء مخيم للاجئين في منطقة صور. فالعائلة تمثل بالنسبة إليهم "المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قائمة وقابلة للحياة" (ص 316).

يحاول بيرديغون، البرهنة على أن "اللغة القائلة بفرادة واقع العائلة الفلسطينية هي اللغة نفسها أيضاً التي يوثق من خلالها اللاجئون التأجيل المفتوح الأمد لتحقيق السيادة الفلسطينية، والأهم من ذلك، تبعات ذلك على الخبايا العميقة لحيواتهم وعلاقاتهم الحميمة" (ص 317). 

وفي الفصل الحادي عشر "عالم متحرِّك: ذاكرة الفلسطينيات وواقعهن في مخيمات لبنان"، تطرح المحاضرة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في لندن ماريا هولت مسألة الهوية الفلسطينية في لبنان على بساط البحث، وذلك من خلال "الهوية الجندرية والممارسات والتجارب ومسارات التغيير الخاصة التي تلقي الضوء على حيوات اللاجئات" (ص 342). 

أما الفصل الثاني عشر والأخير "السياسة والمحسوبية واللجان الشعبية في مخيم شاتيلا"، للباحثة منال قرطام، فقد "اعتبرت مخيمات الفلسطينيين (أنظمة سياسية)، حيث توجد ديناميات وأنماط تفاعل مختلفة. [لذا تحلل]  قدرة مختلف الأطراف السياسية الفاعلة (اللجان الشعبية والفصائل السياسية) على (معالجة) الحاجات الناشئة لمجتمع اللاجئين" (ص 366). وبحسب قرطام، "تحول عوامل داخلية وأخرى خارجية دون إرساء نظام للإدارة السلمية داخل المخيمات" (ص 385).

في نهاية المطاف، يفتح هذا الكتاب، آفاقًا مهمة جديدة للبحث في مشكلة اللاجئين والشتات الفلسطيني. 

 

*كاتب وباحث فلسطيني 


التعليقات (0)