هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هذا تزامن مدهش، للغاية، وفي تفاصيله تظهر تزامنات، سابقة، أكثر إدهاشا، وهي جميعا كاشفة، بصورة مذهلة؛ لم أكن اتصور عمقها في البداية.
قرأت الخبرين متتابعين يفصل بينهما ساعات قليلة، ففي موقع الـ "بي بي سي" العربي قرأت "فرقة ABBA تعلن عن أول ألبوم غنائي لها منذ أربعين عاماً"، ثم في الأهرام قرأت "عفاف راضي لـ"بوابة الأهرام": عودتي إلى الأوبرا بداية لسلسلة حفلات.. ومقترحات لمشاركة ابنتي معي بالحفل".
عود أحمد، إذن، للجميع.
بحسب الموقع البريطاني فإن "الفرقة السويدية الشهيرة ABBA فاجأت جمهورها وأسعدته، بالإعلان عن أول ألبوم تصدره مجتمعة بعد أربعين عاماً من الانفصال. وأنها ستصدر ألبومها الجديد بعنوان "ABBA فويدج" في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ويعقب صدور الألبوم انطلاق مجموعة من الحفلات الموسيقية "الجديدة من نوعها" والتي من المقرر أن تؤدى فيها أغنيات للفرقة مثل "ماما ميا"، و"وترلو" بواسطة تمثيلات رقمية لأعضاء الفرقة. وقال أعضاء الفرقة الأربعة المنفصلون منذ عام 1982، إن شملهم التأم ثانية وإنهم عادوا إلى استوديو التسجيل.
وبحسب موقعنا، المصري، فإن الفنانة عفاف راضي أعربت عن اعتزازها بالعودة والوقوف على مسرح دار الأوبرا المصرية من خلال الحفل الذي تعود به لجمهورها منتصف الشهر الجاري في إطار الاحتفاء بذكرى رحيل الموسيقار بليغ حمدي.
أعمار الخمسة متقاربة، وتصغر راضي عن أصغر الأربعة سنوات، والخمسة صعدوا للقمة في وقتين متقاربين، الفرقة السويدية حققت نجاحا على المستوى المحلي، والأوروبي، في الوقت الذي كان يعرض للفنانة المصرية فلمها، الوحيد، "مولد يا دنيا"، أننا في مطلع النصف الثاني من سبيعينات القرن الماضي. وسنوات الغياب (الاحتجاب، العزلة) متقاربة أيضا.
وفرقة آبا (بالإنجليزية: ABBA)، لمن لا يعرفها، واحدة من أشهر فرق الروك الموسيقية السويدية، وتتكون من رجلين، يبدأ اسم كل واحد منهما بحرف (B)، وامرأتين، يبدأ اسم كل واحدة منهما بحرف (A)، وتأتي تسميتها تيمنا بالأحرف الأولى لكل فرد من أفراد الفرقة.
وعفاف راضي، لمن لا يعرفها، مغنية وممثلة مصرية درست الموسيقى، ووصلت إلى ذروة الشهرة بعرض فيلمها الوحيد (1976).
لكننا في التفاصيل نقع على واقع مختلف تماما، ليس واقع بعد المسافة بين خطوط العرض والطول بين القاهرة وستوكهولم، ولا واقع التباين الشديد في الكثافة السكانية بين العاصمتين، حيث أن عدد سكان عاصمة السويدية لا يقارب عدد سكان شبرا، ولا حتى واقع التباين الهائل في الشهرة، عالميا، بينهما (الفرقة وعفاف)، بل يقع الاختلاف في أجواء ومبررات ودوافع الغياب والعودة، ويقع قبل ذلك في الكيفية التي تم بها اختيار اسم الفرقة السويدية، فلدينا أربعة اسماء تبدأ بحرفين، كم احتمال هنا؟، لا داعي للتفكير في الجرس الموسيقي، النتيجة التي وصلتنا من 1973 أن البداية والنهاية من الأنثى، وانه من المستحيل أن نعرف الترتيب إلا وفقا لهذا التصور؛ وهذا وحده كاف للتعبير عن الاختلاف.
ثم، ولهذا أهميته، المطلقة، هناك لا ضغينة من الغياب، وبهجة، لا تخفى، بالعودة، وهنا مرارة مكتومة بحرقة من الغياب، ودوافع "مخجلة" للعودة.
فعن الغياب والعودة يقول بيورن ألفيس: "مَن كان يمكنه أن يتصور أن نكون حيث نحن الآن؟ ما كان يخطر على بال أحد أنْ نصدر ألبوماً غنائياً بعد 40 عاما وأن نظل أوفى أصدقاء". ومن هذه المشاعر تأتي أولى أغنيات عودة الفرقة السويدية: "لا زلت مؤمنا بك" وهي عاطفية تغنّى بمصاحبة البيانو، وتصوّر الرابطة التي تجمع بين أعضاء الفرقة الأربعة.
وعن غيابها وعودتها إلى الساحة الفنية، قالت، راضي: "هذه طبيعة المرحلة، فقد رحل كل الكبار الذين كنت أعمل معهم مثل محمد الموجي، وكمال الطويل، ومنير مراد وغيرهم من الذين جمعتني بهم صداقة وعِشرة، وأصبح المتواجدون على الساحة ينتهجون طريقة عمل مختلفة عني كما أن العملية الإنتاجية لم تعد موجودة بسبب الإنترنت فأصبح الفنان هو الذي يدير نفسه بنفسه ويبحث عن الأغاني ويوزع للقنوات الفضائية وهذا كان أمرًا صعبًا لي".
عن الغياب والعودة تأتي ثاني أغنيات الرباعي السويدي، وعنوانها "لا تصدّني" وهي ميلودراما على شكل أغنية قديمة للفرقة بعنوان The Day Before You Came والتي تصوّر عودة امرأة إلى شريكها بعد سنوات من الفراق، ترجمة عنوان الأغنية للعربية، حرفيا، هو "اليوم الذي سبق مجيئك"، ويمكن ان يصاغ بالمصري هكذا: قبل ما تيجي بيوم، ويمكنني أن أجرب تأليف الأغاني، فأضيف: ما شفتش طعم النوم.
الـ "بي بي سي" ينقذني ويتولى الترجمة عني: "ناشدتني ألا أغادر، حسنًا ها أنذا مجدداً- ولا أزال أحبك" بتلك الكلمات تشدو كل من أغنيتا وآني فريد.
لا يظهر الاختلاف من الأرقام والأموال، صحيح كانت هناك محاولات فاشلة، فقد ظل لمّ شمل الفرقة على مدى سنوات يبدو بعيد المنال، كما هو صحيح، أيضا، أن حديث المال مخيف، فقد أضاعت الفرقة مليار دولار قيمة جولة فنية عام 2000، لكننا لا نلمس مرارة، لا نلمسها، لا تعني أنها غير موجود، ربما هي كذلك، فها أنا أنقل على الموقع البريطاني أن أغنيتا قالت، في حوار أجراه معها، عام 2013، إنها فضّلت مغادرة الفرقة في الماضي. ثم استدركت قائلة: "كان ذلك قبل زمن طويل، ونحن نتقدم في العمر، ولكل منا حياة مختلفة"، ثم بعد ذلك بخمس سنوات قالت: إنها "لم تكن لديها فكرة عما تتوقع" عندما جرت محاولة جمع شمل الفرقة مجدداً عام 2018.
وها هم الأربعة ينجحون
نعود لعفاف راضي، فقد طالت وقفتنا مع الرباعي السويدي، لنعرف منها الدافع "القوي" الذي جعلها تغالب ترددها، وظروف عودتها، فقد قالت لـ "بوابة الأهرام" إن حفلها الذي تحييه على مسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية سيكون بداية لسلسلة حفلات مقبلة، منوهة أنها تعتبر الحفل نوع من الوفاء للموسيقار الراحل (بليغ حمدي) والاحتفاء بأعماله الجميلة التي كان لها تاريخ مشرف، ومشيرة إلى أن الدعوة جاءتها من رئيس الأوبرا الدكتور مجدي صابر.
وحول شعورها بالعودة إلى جمهورها والبرنامج الذي سوف تقدمه بها واتخاذها قرار العودة، أضافت راضي: عندما كرمت من مؤسسة الرئاسة مؤخرًا كان هذا دافعًا قويًا لي للعودة، والحقيقة أن أي حفلة سواء كانت مدتها قريبة أو بعيدة للفنان لها رهبتها بالتأكيد خاصة في الحفلات المباشرة مع الجمهور.
وأن الكثيرين اقترحوا عليها أن تشاركها ابنتها المطربة مي كمال في حفلها بالأوبرا، لكنها تفضل أن يكون ذلك أمرًا معدًا سابقًا.
ها نحن بإزاء أربع محددات حاسمة: العودة احتفاء بذكرى، ولأن الرئاسة كرمتها، والعودة من خلال مؤسسة رسمية، وأن الكثيرين يلحون كي تكون العودة في نطاق عائلي.
هذه الأربعة تدفعني لتجاوز بعض محظوراتي الصارمة، حيث اتجنب الركون لفعل "يقال"، لكني استخدمه هنا كفرضية، ولا ابني عليها، فإنه يقال أنه بعد النجاح الكبير لفيلم "مولد يا دنيا"، نجاح جماهيرى ونقدي، أراد مخرج الفيلم، حسين كمال، أن يتبعه بفيلم آخر بنفس العناصر الفنية، وأنه عرض على عفاف راضي سيناريو، وأنها بالغت للغاية في طلباتها، المالية منها خاصة، فقد كانت جماهيريتها بالغة، وأن حسين كمال صدمه للغاية موقفها هذا، فقد كان بالفعل قد قدم لها فرصة لا تقدر بثمن وقدمها عبر الشاشة الكبيرة، كما يقال، وأنه لهذا أنهى مكالمته الهاتفية بجملة: أنتي مش حتعرفي طعم الفشل، أوعدك. أي أنها لن تظهر على الشاشة مرة أخرى.
قلت هذه فرضية، ذكرتها لأنها حكاية مشهورة، لكني لا أملك دليلا على صحتها، ما أملكه أن "مولد يا دنيا" ظل حتى اللحظة، فيلم عفاف راضي الوحيد، ما أثق فيه أنه لمن يكون دافعه الوحيد مجرد تكريم الرئاسة، من الوارد أن يكون شخص مفرد قد جعله معتزلا لعقود، إنها كلها علاقات غير سوية، في بيئة غير سوية.
وصادقا أقول لها، كما للرباعي السويدي: عود أحمد.