ملفات وتقارير

مهاجرون في بلجيكا يحتجون منذ ١١ شهرا.. ما القصة؟ (شاهد)

المعتصمون يطالبون بالبت في ملفاتهم ومنحهم أوراقا ثبوتية- SIMON RUISCH
المعتصمون يطالبون بالبت في ملفاتهم ومنحهم أوراقا ثبوتية- SIMON RUISCH

في كنيسة "القديس يوحنا المعمدان" التي يبلغ عمرها حوالي ٣٠٠ عام، بوسط مدينة بروكسل، وفي القاعة الرئيسية، لا تجد مقاعد الصلاة المعتادة، وإنما شراشف عديدة معلقة على حبال ربطت بين أعمدة الكنيسة، لتشكل ساترًا أشبه ما يكون بالحائط.

وراء تلك الشراشف المعلقة، تدخل لترى أسرة عديدة من الخشب والمعدن، والبعض من الورق المقوى، رتبت في نظام، وأحيط بعضها بشراشف أخرى معلقة؛ كي تضع ساترا آخر حولها، لتمنح بعض الخصوصية لأصحابها الذين حرصوا على نظافة المكان والمبنى.

٤٥٠ شخصا قضوا أحد عشر شهرا في احتجاج واعتصام مستمرين بمدينة بروكسل، منها شهران قضاهما هؤلاء في الإضراب عن الطعام؛ لمطالبة الحكومة بالبت في ملفاتهم، ومنحهم أوراقا ثبوتية.

 



"عربي٢١" قابلت عددا من هؤلاء المعتصمين، مختلفي الجنسيات، ما بين مصري، ومغربي، وجزائري، وتونسي، وباكستاني؛ للتعرف على قصصهم وسبب اعتصامهم.

ويقول "محمد"، وهو شاب مغربي في مقتبل عمره، إنه أتى إلى بلجيكا منذ ١١ عاما، عقب انتهائه من امتحانات الثانوية العامة للمغرب، لسماعه عن فرص دراسية وحقوق معيشية أفضل في بلجيكا، حاول خلال تلك السنوات استكمال دراسته، لكنه للأسف أخفق مرتين، يضيف محمد: "في بلجيكا، إذا فشلت في دراستك مرتين، فلا يمكنك إعادة الدراسة مرة أخرى. لكن كما تعلم، في غضون 10 سنوات، يمكن أن تحدث أشياء كثيرة غير متوقعة تجعلنا نفشل في دراستنا، وكمهاجر فهذه هي النهاية".

"مؤمن" مغربي آخر، أتى إلى بلجيكا منذ ٣٢ عاما من أجل العمل، أكد أنه عمل لفترة بأوراق مؤقتة، كان لديه مسكن، ويدفع الإيجار والفواتير، وفجأة تم التخلي عنه، ولم يستطع العودة إلى موطنه عقب كل تلك السنوات لتغير ظروف العمل، ولم تمنحه الحكومة أي أوراق ثبوتية كأي شخص آخر.

"صباح" سيدة مغربية من الدار البيضاء، تواجدت في الكنيسة منذ بدء الاعتصام، وطوال تلك الأشهر قامت بدور الحارس الليلي، حيث تظل متيقظة طوال الليل للتأكد من عدم دخول أي شخص خلال نوم المعتصمين ليلًا، قالت: نحن أشخاص كان لدينا شقق وعمل وأصدقاء وعائلة، كنا مندمجين تماما في المجتمع، نحن لسنا بلا مأوى أو لاجئين، أغلبنا تم استقدامه للعمل، نحن قيمة مضافة لهذا البلد، لكن الحكومة ترفض الاعتراف بنا رغم ذلك".



"فاطمة" و"صباح" هما السيدتان الوحيدتان بالكنيسة الآن، السيدة فاطمة يعاملها المعتصمون كأنها أمهم التي ترعاهم، قالت إنها "يائسة للغاية"؛ لأن لديها جميع الأوراق اللازمة للحصول على تصريح الإقامة، لكن الحكومة رفضتها هي أيضًا.

"سيسيل دو بليك"، فتاة فرنسية لطيفة قابلناها أمام الكنيسة، تتنقل بين المعتصمين، تسألهم عن أحوالهم، أجرينا معها حوارًا حول ذلك الاعتصام، فقالت إنها تتواجد هنا في الكنيسة كمتطوعة تحاول مساعدة أولئك الأشخاص.

وأوضحت "سيسيل" أن هناك ٤٥٥ معتصمًا يتواجدون في ٣ أماكن في بروكسل، أحدها كنيسة يوحنا المعمدان، التي اختارها المحتجون لأنها لم تعد كنيسة تقام بها الشعائر منذ عامين، وأن الراهب المسؤول عنها "دانيال ألييت ٧٧ عاما" يقوم بمساعدة المحتاجين والمعتصمين، وذو دور اجتماعي فعال.

"سيسيل" قالت إن هناك اتفاقيات اقتصادية عدة بين بلجيكا والمغرب منذ زمن، وعلى إثرها كان يتم استقدام العمال المغاربة إلى بلجيكا، لكن للأسف "حينما يتم انتهاء عملهم، لا يتم منحهم أي حقوق، فضلا عن النظرة المغايرة التي تنظر بها بلجيكا للمهاجرين المختلفين عرقيًا، حيث يتم التعامل معهم كمصدر تهديد".

وأضافت: "أنا مواطنة فرنسية، وانتقلت إلى بلجيكا منذ ١٢ عاما، ولأني بيضاء وأحمل الجواز الفرنسي، لم أواجه أي مشكلة، ولم أشعر بأي فارق طوال تلك المدة، لكن المهاجرين من جنسيات أخرى، مثل هؤلاء المعتصمون، يعانون بسبب جنسياتهم، وبسبب النظرة البلجيكية المتخوفة لهم".

"إضراب عن الطعام لم يكلل بالنجاح رغم وعود الحكومة"، هكذا تحدث كل من محمد ومؤمن وسيسيل أيضا بخيبة أمل واضحة، حيث قال محمد: "بدأنا اعتصامنا في كانون الثاني/ يناير٢٠٢١، لكن ولأننا كنا يائسين، ولأنه لم يحدث أي شيء، دخلنا في إضراب عن الطعام من ٢٣ أيار/ مايو إلى ٢١ تموز/ يوليو، حيث أضرب ٤٥٥ شخصًا عن الطعام".

أضاف محمد: "بعد 5 أيام، انتقلنا من الإضراب عن الطعام إلى إضراب عن الشرب، أعطتنا الحكومة وعودًا كثيرة، فأوقفنا الإضراب عن الطعام والشراب، وعدنا إلى الأمل مرة أخرى".



"كلنا تم رفضه، لا نعلم لماذا رغم كل تلك الوعود؟" هكذا تحدث مؤمن بألم، لتوافقه "سيسيل" قائلة: "حقيقة لا نعلم لماذا أخلفت الحكومة البلجيكية وعودها الكثيرة التي منحتها لهم، الأسبوع الماضي فقط تم إرسال قرار بالرفض للجميع، عقب ثلاثة أشهر من التخلي عن الإضراب انتظرها كل المعتصمين بأمل عارم".


لكن محمد استدرك: " نحن هنا مرة أخرى، ورغم رفض ملفاتنا، والتي كانت لدينا آمال كبيرة منها، لكننا نواصل القتال مرة أخرى، هناك دائما أمل، نحن بحاجة للحفاظ على الأمل".

وعن تعامل الإعلام المحلي معهم، قال محمد: "تعرف ما هو أسوأ شيء على ما أعتقد، هو أن وسائل الإعلام تقول عنا: هؤلاء الناس يضربون عن الطعام للضغط على الحكومة والقيام بالابتزاز، لكن هذا لم يكن هدفنا".

ويصف الاعلام المحلي المهاجرين غير الموثقين بـ "مهاجرين غير شرعيين"، وأكدت الصحف المحلية في بلجيكا أيضًا أن سياسة الهجرة للحكومات المتعاقبة اتسمت بعدم تنظيم العمال غير الشرعيين، فيما يقدر عددهم بنحو ١٥٠ ألفا.

لكن "سيسيل دو بليك" عقبت على ذلك بقولها، إن "مشكلة تنظيم أوراق المهاجرين لا تحتل أولويات الحكومة للأسف؛ لأنها فئة مستضعفة ليس لها صوت، ولا حتى للأحزاب السياسية التي تهتم الآن بالاستعداد للانتخابات القادمة".

"سيسيل" أوضحت أن الكثيرين من المعتصمين ضحوا بالكثير خلال تواجدهم بأماكن الاعتصام، الكثير منهم خسروا أعمالهم، البعض خسر منزله، من يمتلك منهم أسر تضرر كثيرًا بسبب الاعتصام، لكنهم جميعا كانوا يأملون في نتائج إيجابية، لكنهم الآن يعيشون في صدمة جراء قرارات الحكومة التي أخلفت وعودها معهم.

وأكد مؤمن الآن أنهم يعيشون يومًا بيوم، أغلبهم انتهت نقوده خلال تلك الأشهر، ما دفعهم للخروج للبحث عن عمل من جديد، رغم شروط العمل المجحفة لهم؛ بسبب عدم وجود أوراق معهم.

وعقب محمد: " أهم سبب لمعظم الأشخاص الموجودين هنا، هو العثور على وظيفة، فهم بحاجة إلى الأوراق من أجل العثور على وظيفة". 

البحث عن عمل هو العقبة الكبرى التي يواجهها هؤلاء المحتجون، رغم أن القانون البلجيكي -وفق الصحف المحلية- يمنح المهاجر غير الموثق فرصة الاندماج الكامل في المجتمع البلجيكي من زواج وتكوين أسرة وإلحاق أطفالهم بالمدرسة، لكن في الوقت ذاته لا يتم توفير الحماية الاجتماعية والصحية اللازمتين، وهو الأمر الذي لا يمكنهم من العمل في ظروف لائقة.

فبسبب انعدام الأوراق الثبوتية، لا يمكنهم العمل رسميًا، ما يدفع أصحاب الأعمال إلى استغلالهم بمنحهم رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور بساعات عمل تتجاوز المعدل القانوني، ودون تأمين صحي، بالإضافة إلى العديد من الحقوق التي حُرم منها هؤلاء، كل ذلك تفاقم مع أزمة وباء كورونا.

ولا يزال المعتصمون مستمرين في احتجاجهم، ويقيمون وضعهم الآن هل سيدخلون في إضراب عن الطعام مرة أخرى أم لا، أم أن هناك خطوة تصعيدية أخرى؟

 

تصوير: SIMON RUISCH

 


 


التعليقات (0)