ملفات وتقارير

لهذا "البصرة" مهملة رغم دعمها لـ80% من ميزانية العراق

الفساد والمحسوبيات وهدر المخصصات أسباب جعلت من البصرة مدينة شديدة المعاناة رغم بحر النفط أسفل منها- جيتي
الفساد والمحسوبيات وهدر المخصصات أسباب جعلت من البصرة مدينة شديدة المعاناة رغم بحر النفط أسفل منها- جيتي

رغم أن محافظة البصرة الواقعة جنوب العراق، تمثل رئة البلاد الاقتصادية وتسد ما يقرب من 80 بالمئة من ميزانية الدولة المالية، كونها تطفو على بحر من النفط وتتمتع بمنفذ بحري، فإنها لا تزال تعاني من بنى تحتية متهالكة تتسبب في غرق الأحياء مع حلول فصل الشتاء وتساقط الأمطار.

وتعرضت غالبية مناطق البصرة، الأسبوع الماضي، إلى الغرق جراء الأمطار والسيول الغزيرة، ما أدى إلى توقف حركة المرور في العديد من شوارعها الرئيسية، بحسب ما أظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.

تدخلات خارجية

 
وعن أسباب استمرار تردي البنى التحتية للمدينة، قال محافظ البصرة الأسبق، وائل عبد اللطيف لـ"عربي21" إن "البصرة تنتج من النفط نحو 4 ملايين برميل يوميا، إضافة إلى واردات الموانئ والجمارك والرسوم والضرائب وإيجارات عقارات الدولة، فالبصرة غنية، لكن الإدارة سيئة جدا".

واتهم عبد اللطيف "أيادي أجنبية تعمل في داخل البصرة، بالعمل على عدم تحسن الأوضاع فيها، وبالتالي فإنها تختار من المحافظين من تعتقد أنه يساعدهم في الكثير من الأمور، لذلك فإن التدخلات الخارجية لعبت دورا كبيرا جدا في الإساءة إلى هذه المحافظة".

وأوضح المحافظ السابق أن "المبالغ المخصصة للبصرة كبيرة، ولكن تهيمن عليها القوى السياسية قبل أن تتصرف بها الإدارة المحلية (المحافظة)، عن طريق توزيع المناقصات الكبيرة بين الجهات السياسية النافذة"، وأن "غرق البصرة لمدة ثلاثة أيام دليل على عدم الاهتمام بالمدينة".

وأشار إلى أن "الكثير من المشاريع السابقة محالة إلى التنفيذ لكنها متلكئة، والمحافظ الحالي (أسعد العيداني) أحياها بمبالغ مالية طائلة، وازدادت الكلف عن السابقة، وأثّرت على موازنة المحافظة المالية، ودائما سوء الإدارة لا ينتج عنه محافظة جيدة".

وأبعد عبد اللطيف، الحكومة المركزية في بغداد من اتهامات التقصير، بالقول: "التقصير ليس من الحكومة المركزية في بغداد، وإنما من الإدارات المحلية التي تعاقبت على إدارة المحافظة".

وتابع: "لا يريدون (القوى السياسية النافذة) لميناء الفاو الكبير في البصرة أن يكتمل، وهو مشروع منذ عام 2003، واليوم نحن في عام 2022، وكذلك لا يريدون بناء أي مشروع تنموي مشمول بالتنمية المستدامة، فالقوى السياسية لم تساهم في بناء الميناء، ومشاريع عملاقة أخرى".

هيمنة الأحزاب

 
وفي السياق ذاته، قال الناشط عن المحافظة رعد البصري، لـ"عربي21"، إن "البصرة شهدت على مدى السنوات الماضية التي أعقبت عام 2003، نزوحا سكانيا من محافظات قريبة نتيجة وجود فرص عمل فيها، لذلك فقد زادت نفوس المدينة بشكل كبير".

وأضاف أن "موازنات مالية سنوية أعطيت للمحافظة، لكن المشاريع المهمة تشهد تلكؤا في تنفيذها"، وأن "واحدا من أهم وأكبر مشاريع البنى التحتية (المجارية، تصريف مياه الأمطار) هو في قضاء الزبير، لذلك فإنها تغرق شوارعه في كل عام".

وأشار البصري إلى أنه "حتى اليوم هناك بيوت من الطين في قضاء الزبير، والتي هدمت أثناء السيول التي شهدتها البصرة، رغم الثروات النفطية الكبيرة التي تستخرج من الزبير، كون حقل الرميلة النفطي تابعا للقضاء".

وتابع: "نحن نعاني من سوء إدارة الحكومة المركزية في بغداد، ثم سوء تنفيذ المشاريع من الإدارة المحلية في البصرة، إضافة إلى أن سيطرة الأحزاب في المحافظة وسيطرتها على المنافذ الحدودية والموانئ وغيرها من المنشآت الحيوية، كان لها دور في نهب ثروات البصرة".

وزاد البصري، قائلا: "الأحزاب النافذة تعيق كل مشروع يخدم المحافظة نتيجة المحاصصة وفرض سطوتها على الشركات التي تريد العمل في المحافظة، وابتزازها للحصول على الأموال، فالأمور معقدة جدا في البصرة".


اقرأ أيضا: تقرير حقوقي: وفاة 3 محتجزين في 10 أيام بالبصرة العراقية


ولفت الناشط إلى أن "كل المشاريع المتعلقة بالبنى التحتية تبدأ في وقت واحد، وبالتالي فإنك ترى شوارع المدينة كلها محفّرة، وفي أي موجة أمطار تغرق المدينة، وهذا هو سوء الإدارة الحاصل، لكن البعض يحمل وزارة المالية المسؤولية بسبب إطلاق الأموال في وقت واحد".

وأكد البصري أن "بعض الشركات الرصينة عندما تريد العمل، تتراجع بسبب سوء الإدارة في محافظة البصرة، وسطوة الأحزاب المتنفذة على المشاريع، وبذلك يتعرضون للابتزاز".

الإقليم الحل؟

 
وبخصوص مشروع إقليم البصرة الذي نادت به قوى سياسية في وقت سابق لإقامته، قال عبد اللطيف إنه "لا يزال مشروع إقليم البصرة قائما، وأنا في اللجنة المركزية له، لكننا بحاجة إلى تأييد نصف سكان البصرة على الأقل، وحتى اليوم لا توجد إحصاءات دقيقة عن سكان البصرة".

لكن ما يعيق إقامة الإقليم، بحسب محافظ البصرة الأسبق، أن "هناك إرادات من محافظات في جنوب العراق استوطن أبناؤهم في البصرة، ويقفون حاليا حجر عثرة أمام إقامة الإقليم، لأنهم يعتقدون أنهم سيُطردون من المحافظة، ومن وظائفهم التي حصلوا عليها في البصرة".

من جهته، قال الناشط البصري: "نحن نخشى أن البصرة إذا تحولت إلى إقليم، فإن ذات الأحزاب المتنفذة هي التي ستسيطر على مقاليد الحكم فيه فستحوله إلى جحيم وليس إلى إقليم للتنمية".

وأضاف البصري، قائلا: "الأحزاب النافذة لن تترك البصرة إذا تحولت إلى إقليم، فهي تمتلك المال، وتتوقى بذلك من خلال فرض الإتاوات على الشركات، والسطوة على منشآت البصرة الحيوية".

تبريرات حكومية

 
أما بشأن موقف الجهات المسؤولة في المحافظة عما تشهدت البصرة من تردي في البنى التحتية، فقد قال مدير قسم العلاقات والإعلام في مديرية بلدية محافظة البصرة، علاء العلي، لوكالة الأنباء العراقية، الأحد، إن "أمطارا كثيفةً سقطت في المحافظة وتسببت بسيول في معظم شوارع المدينة".

وأضاف العلي أن "المديرية ستكون جهة ساندة لمديرية مجاري محافظة البصرة في حال حصول أي طارئ للسيطرة على السيول المحتملة".

من جهته، علل المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، عون ذياب، في تصريحات، الاثنين، غرق بعض الأحياء بـ"سوء شبكة المجاري في المدينة"، مشيرا إلى أن "الطبيعة الجغرافية للبصرة منبسطة ولا يمكن إنشاء سد خزني".

ولفت إلى أن "السيول في شوارع المدينة تعتمد على شبكة المجاري، وهي غير مخدومة بشبكة مجارٍ فعالة، وكان يجب إكمال المجاري أولا ومن ثم بقية الأمور الأخرى لاحقا من أجل سلامة المدينة".

وتابع ذياب، قائلا: "هناك احتمال أن تكون بعض السيول في منطقة حفر الباطن التي تتجه نحو جبل سنام وصفوان، وهذه السيول يجب الاحتياط منها"، مشيرا إلى أن "هذه المياه ستتجه إلى شط العرب، لا سيما أن المنسوب فيه منخفض جدا".

ولفت إلى أنه "كان هناك خطان سابقا، أحدهما لمياه الأمطار والثاني للمجاري، وهي مسلطة بشكل فعّال، إلا أنه بسبب المياه الثقيلة تم استخدام خط مياه المجاري".

وأكد ذياب أن "المناطق المخدومة جيدا بالمجاري وضعها سليم، وأما المناطق غير المخدومة فتضررت، ونتوقع توقف الأمطار خلال ساعات، وستتجاوز البصرة هذه الأزمة".

التعليقات (0)