مقالات مختارة

الصراعات الأهلية العربية فوضى غير خلاقة

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

أخط لكم مقالي وأنا معكم في دوامة أخبار الحرب الأوروبية الروسية في قلب أوكرانيا بعد أن كانت أخبارنا نحن العرب تملأ الشاشات وتنفرد بالمصائب، ولكن هل انتهت مصائبنا نحن لتنتقل إلى أوروبا الآمنة؟ لا طبعا لأن حالة العالم العربي تستمر في الانقسامات وتصارع الشعوب داخليا من أجل السلطة أوالثروة أوالاثنين معا.

 

أفتح جهاز التلفزيون على أخبار أوطان العرب فأسمع بأن الجمهورية المصرية تتعافى بعسر من محطات صعبة، وفي العراق تفجير في بعقوبة بمحافظة ديالي يخلف من بين الضحايا خمسة أفراد من عائلة واحدة، وهجومات مسلحة على مواقع حكومية ومصرع من تسميهم الحكومة بالإرهابيين، وفي سوريا يسقط قتلى وجرحى كل يوم جراء قصف بـ “براميل متفجرة” على أحياء الصالحين ومساكن هنانو والميسر والشيخ نجار بحلب في وقت دارت اشتباكات في حي القدم والعسالي بدمشق، كما طال قصف مدينة داريا بريفها، وفي جنوب السودان تسقط معاقل جديدة في أيدي ميليشيات غير حكومية ويتواصل القتال غير معترف بقرار وقف إطلاق النار رغم أن مفاوضات أديس أبابا بمباركة أممية وجهد أمريكي اعتقدت أنها حسمت الأمور! وتتواصل أزمات الشد والجذب بين المعارضين لحكم العسكر وبين عبدالفتاح البرهان المتمسك ببقاء الدولة غير مجزأة!


وفي ليبيا نسمع أنباء غير مطمئنة تقول بأن ثلاثة أرباع الأرض الليبية تخضع لجيوش قبلية وميليشيات مرتزقة غير منضبطة وبأن ربعها تحت سيطرة ميليشيات قذافية وأن الدولة لم تلم شتاتها لتفرض القانون وتجبر المسلحين على تسليم السلاح، وفي تونس منطلق شرارة الربيع يسود هدوء مدني وتعلو أصوات النخب السياسية على أصوات تفاسير مختلف لبنود الدستور، فنشعرأحيانا ببعض صلاح البال وسكينة الروح ونتلوالفاتحة كدعاء منبثق من القلوب، قبل الحناجر بأن يحمي الله سبحانه هذا البلد الأمين من هزات الجيران والأشقاء، بعد أن تم في تونس تحرير نص الدستور التونسي للجمهورية الثانية ليتضمن المبادئ والقيم التي فقدناها على مدى خمسين عاما من شخصنة النظام وإذلال الشعب.

 

ورغم ما جاء في بنود الدستور من تضاربات ونتائج تنازلات وصفقات حزبية، فالأهم هوأن يصدر وعلى الأجيال التونسية القادمة أن تعدل أو تحور حسب تغير أوضاع البلاد. ونحن نتوسل إليه تعالى بأن يهدي المتقاتلين العرب خارج حدود تونس سواء السبيل حقنا للدماء وبحثا عن أقوم المسالك.


استعرضت في هذه المقدمة بعض أحداث وأحوال العرب والباب مشرع على مصراعيه هنا وهناك لتفاقم العنف في حروب أهلية محدودة، لكنها قاتلة وفي صراعات مسلحة تبدأ من السلاح الشخصي الخفيف إلى السلاح الميداني الثقيل وتتسع رقعتها الجغرافية رويدا رويدا لتبلغ الأبرياء والعزل والأطفال والنساء والشيوخ وحتى المرضى في المشافي، كما وقع في العراق وسوريا واليمن.

 

إننا بإزاء منعرج خطير بسبب إلغاء الحوار السلمي بين أصحاب قضية ليتحول إلى حرب مفتوحة بين القبائل والطوائف والأحزاب في غفلة من رشاد المفكرين ووساطة العقلاء وبعيدا عن طاولات المفاوضات.

 

ونحن إذ نعرض لأشد المحطات العربية حرارة وتهديدا للأمن القومي وللسلام العالمي، يجب ألا ننسى بؤرا خطيرة تشكل مخاطر مستقبلية تنذر بالعنف وتوسع الحروب الأهلية، كأنها قنابل موقوتة مبرمجة للانفجار بعد حين أو أحيان من ذلك وضع اليمن بين داعين للانقسام ومنادين بالوحدة، ومن ذلك الخلاف القائم بين الشقيقتين المغاربيتين: الجزائر والمملكة المغربية حول مصير ومفهوم الصحراء ومنظمة البوليزاريو، وكذلك طموح الأكراد لإعادة تأسيس دولة كردستان ولانزال نحن في بلدان المغرب الإسلامي نعاني من مصائب جنوب الصحراء في مالي وإفريقيا الوسطى وجنوب الصحراء، وفي هاتين الدولتين انسحبت القوات الفرنسية بترخيص أممي كانت تقاتل تحت غطاء “مقاومة الإرهاب” وإنقاذ المدنيين.

 

ويجب الاعتراف بأن العالم العربي يمر بمحنة تاريخية لعلها أصعب امتحان في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين، ومن أيسر التفاسير وأكثرها سذاجة أن نرمي الأمم الأخرى بإرادة تخريب البيت العربي وتقويض دار الإسلام، لكن الأسباب أعمق وهي تديننا نحن قبل أن تقنعنا بنظرية المؤامرات ضدنا فنحن أخطأنا اختيار طريق الاستقلال واستبد بنا من صلبنا طغاة غيبوا الدولة القوية العادلة رغم الأنظمة الجمهورية وحكمونا كرعايا لا كمواطنين، وأشاعوا بيننا منطق فرعون (لا أريكم إلا ما أرى)، ثم إننا اعتبرنا أن منظومة الفيدرالية منظومة تقسم الشعب بينما هي منظومة حق وتعايش.

 

فانظر إلى سويسرا وإلى بلجيكا تجد أنهما نظامان كونفيدراليان تضمان مقاطعات مستقلة آمنة تتكلم لغات مختلفة وتنتمي لأصول ثقافية متباينة، لكن تجمع بينهم جميعا راية سويسرية أو بلجيكية واحدة فهل تعلم أيها القارئ الكريم أن برلمانات هذين الشعبين تحتاج إلى طواقم من المترجمين لنقل أفكار النواب من اللغة الفرنسية الى الالمانية إلى الفالونية إلى الهولندية أوالإيطالية، لكن الجامع بين الناس هناك هو مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون.

 

هل اخترنا نحن العرب لأنفسنا الأوهام والشعارات والظاهرة الصوتية لنحقق عقيدة المحافظين الجدد في عهد بوش الابن القائلة بضرورة انتشار الفوضى الخلاقة؟ (وهومصطلح كانت كوندليزا رايس أول من استعمله). الأكيد أننا دخلنا منطقة الزوابع والمخاطر أي انخرطنا في الفوضى، ولكننا أردناها لا خلاقة ولا واعدة بل مدمرة، وآخر دعوانا: ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. ولا ننسى أن هذه الآية الكريمة من قول الله تعالى على لسان أهل الكهف إذ أوى الفتية إلى الكهف. ونحن أشبه بأهل الكهف في سباتهم العميق والطويل لكن دون تقواهم!

 

(الشرق القطرية)

 

0
التعليقات (0)