ملفات وتقارير

في ظل غياب "قحت" ما هي فرص نجاح الحوار بالسودان؟

الحرية والتغيير رفضت الجلوس على الطاولة- جيتي
الحرية والتغيير رفضت الجلوس على الطاولة- جيتي

شهدت أولى جلسات الحوار السياسي في السودان، التي انطلقت الأربعاء برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد)، غياب أطراف مهمة، منها الشريك المدني في الحكم قوى الحرية والتغيير- اللجنة المركزية "قحت"، والحزب الشيوعي.

وشارك في الحوار العسكريون عبر لجنة تمثلهم، ومجلس السيادة ومؤيدو قراراته، وقوى الحرية والتغيير- الميثاق الوطني، وأحزاب وحركات شاركت في حكم البشير، وأحزاب صغيرة كانت لها مناصب حكومية في زمن البشير، إضافة إلى الجبهة الثورية الممثلة للحركات المسلحة.

كذلك أشارت مواقع سودانية إلى أن قوى الحرية والتغيير- اللجنة المركزية، التي رفضت الجلوس على طاولة الحوار السياسي الشامل، عقدت اجتماعا مساء الخميس مع أعضاء من المجلس العسكري برعاية سعودية أمريكية، ولم يرشح شيء عن هذا الاجتماع حتى ساعة كتابة هذا التقرير.

فرص نجاح الحوار

وتزامنا مع انطلاق جلسات الحوار، انطلقت تظاهرات شعبية رافضة للانقلاب العسكري الذي وقع في 25 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وفي ظل هذه التظاهرات وغياب المكون السياسي "قحت" عن جلسات الحوار، يتساءل الشارع السوداني عن جدية هذا الحوار، وما هي فرص نجاحه.

اعتبر الدبلوماسي الأمريكي السابق في السودان، كاميرون هدسون، أنه "من المبكر التنبؤ بنتيجة هذا الحوار، ومن السابق لأوانه تحديد فرص النجاح، لكن يمكننا القول إنها ليست بداية جيدة".

وتابع هدسون في حديث لـ"عربي21": "حتى قبل اليوم، كان هناك افتقار كبير للثقة في كل من منظمي وراعي الحوار والعملية السياسية كلها والجيش، ومحادثات اليوم فقط جعلت الوضع أسوأ، ما لم تبدأ الظروف في الشارع في التحسن، لا أرى كيف سيتم إحراز تقدم داخل غرفة الاجتماعات".

وأضاف: "يجب أن يعتقد الناس أن كل ما يتم الاتفاق عليه مع الجيش سيتم تنفيذه في الواقع، فلقد دخلت المعارضة في اتفاق مع الجيش مرة من قبل في عام 2019، وتعرضت للخيانة، لذا يجب على الجيش أن يثبت بطريقة ما أن هذه المرة ستكون مختلفة، وللقيام بذلك، يجب أن يتخلوا عن قدر من القوة والسلطة بطريقة لا رجعة فيها".

من جهتها، قالت مديرة مركز الأبحاث "Confluence Advisor"، خلود خير، إن "الآلية الثلاثية الراعية للحوار السياسي أمامها مهمة صعبة للغاية، حيث يجب أن تجعل عملية الحوار السياسي ذات صلة بشعب السوداني".

وأوضحت الباحثة السودانية خير، خلال حديثها لـ"عربي21"، أن "العملية السياسية لطالما كانت عرضة للسيطرة من قبل العسكريين والإسلاميين لسببين، الأول، أن النظام الإسلامي العسكري عاد إلى حد كبير إلى أعلى مستويات السلطة، ولديه عقود من الخبرة في السيطرة على مثل هذه العمليات".

وأضافت: "وثانيا، لأن العملية لم تحدد هدفًا بديلاً بخلاف استعادة حكومة انتقالية تحافظ على الوجود العسكري في الحكومة وتسهله، ولذلك السبب الأول يجعل الجماعات المؤيدة للديمقراطية موضع شك، والثاني يجعل العملية غير ذات صلة بهذه الجماعات المؤيدة للديمقراطية التي تسعى إلى حكومة مدنية حقًا بما يتماشى مع المطالب الثورية".

المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، يرى أنه " لا يوجد فرص كبيرة لنجاح هذا الحوار، وأن الذي سيحدث هو تعنت الفريقين المدني والعسكري، بحيث بعد الحوار يكون المجلس العسكري حكومة من الذين تحاوروا معه لكن يقاطعها الإسلاميون، وتثور عليها قوى الحرية والتغيير- اللجنة المركزية، والحزب الشيوعي وكل واجهاته، ولجان المقاومة".

وتابع أبو فداية خلال حديثه لـ"عربي21": "الحوار انطلق من المكونات التي وافقت على الحوار برعاية من ممثلين الآلية الثلاثية الذين قبلوا أن يكونوا مسهلين للحوار لا وسطاء، باعتبار أنهم ليس لديهم أطروحة ثابتة يطرحونها للناس، لكنهم فقط يسهلون اجتماع الأطراف السودانية الذين جلسوا وتحاوروا معهم هم ومقاطعو الحوار".

نجاح على مراحل

بالمقابل، يرى المحلل السياسي السودان، محمود جحا، أن "الحوار سينجح، ولكن على مراحل وليس من الوهلة الأولى".

وحول كيف سينجح الحوار في ظل غياب قوى الحرية والتغيير، قال جحا لـ"عربي21": "القوى التقليدية في السودان هي حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي، وهما أهم حزبين في الأحزاب التي تعتمد عليها القوى والتغيير، وهما موافقان على التعاون مع المكون العسكري ومتفاهمان معه، وعلاقة الحزبين والمكون العسكري قوية بالرياض وأبو ظبي".

وأشار إلى أن "هناك تفاهما يجري مع حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي من خلال السعودية والإمارات، والمكون العسكري من خلال علاقاته بالرياض وأبو ظبي قادر أن يخلق علاقات مع الحزبين المذكورين، وبالتالي الخطوط سالكة بين المكون العسكري وبينهم، لكن هذا الغياب نوع من المزايدة والمناورة لتحقيق المزيد من المكاسب، إضافة إلى أن هناك ضغوطا أمريكية وأوربية، بالتالي هم لا يستطيعون الخروج عن الخط بأي حال من الأحوال".

 وأوضح أنه "من الناحية الشكلية والإجرائية من يرعى الحوار هو الآلية الثلاثية، ولكن من الناحية العملية فالمسؤولون هم أمريكا والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات، وهؤلاء هم من يدفع الأموال، ولديهم وسائل ضغط على هذه الأحزاب التي تناور على الرأي العام والشارع، ليس أكثر من ذلك".

 

 

اقرأ أيضا: انطلاق الحوار الوطني بالسودان.. وفولكر يتحدث عن الوساطة


وأكد أنه "بالنهاية سينضم الرافضون إلى الحوار السياسي الشامل"، مضيفا: "اليوم الخميس عُقد اجتماع في منزل نائب الرئيس حميدتي، الذي كان من المفترض عقده في منزل السفير السعودي، ولكن لأسباب أمنية عُقد في منزل حميدتي، والتفاهم جار معهم خلاله".

وتابع: "بالتالي يمكن اعتبار اجتماع اليوم في منزل حميدتي هو بداية لدخول قوى الحرية والتغيير في الحوار السياسي الشامل، بدليل أنهم كانوا يرفضون مجرد الجلوس مع المكون العسكري، حيث كانوا يقولون إنه لا تفاوض ولا شراكة مع المكون العسكري، مفترضين تراجع المكون العسكري عن ما يسمونه الانقلاب العسكري، ولكن كل هذه اللاءات أصبحت نسيا منسيا، وجلسوا فعلا معهم، وفي الواقع كانوا يجلسون مع العسكريين سرا، لكن الاجتماع الذي تم مساء الخميس هو المعلن".

المعيقات

ولكن على الرغم من قبول بعض الأحزاب والمجموعات والحركات السودانية الجلوس على طاولة الحوار مع المكون العسكري، يبقى السؤال: ما هي المعيقات التي قد تمنع وصول المتحاورين لاتفاق يفضي لعملية سياسية ناجحة؟

يؤكد أبو فداية أنه "إذا كان هناك اتفاق سيكون ناقصا، وذلك لأن هناك قوى غير مشاركة بالحوار، وعدم مشاركة هذه القوى هو أصلا معيق للحوار، وكذلك يشكل عائقا في طريق الوصول إلى اتفاق، لأن المتحاورين الآن قريبون جدا من بعضهم ومن العسكر، ومن الممكن خلال فترة قريبة أن يصلوا إلى اتفاق سياسي، ولكنه سيكون ناقصا، لعدم مشاركة الشركاء الآخرين".

وأضاف: "وبغض النظر عن قوة وفاعلية المشاركين في الحوار، لكن هو حوار، والأصل فيه أن يكون شاملا يشمل الجميع وشاملا لكل القضايا، لكن عندما يكون هناك أحزاب أو مجموعات خارج هذا الحوار، فهذا الأمر يشكل أكبر معيق أمام الوصول لتسوية وعملية سياسية شاملة تفضي إلى الاستقرار السياسي".

ولفت إلى أن "رافضي الحوار سيسعون لإثبات أن الحوار من دونهم لن يؤسس لاستقرار سياسي، وسيعملون على إشعال الشارع السياسي وعمل المظاهرات".

وتابع: "كذلك من المعيقات التجاوزات التي تحدث في الشارع ضد المظاهرات والمتظاهرين، نعم هناك بعض التجاوزات من قبل بعض المتظاهرين، ولكن كان هناك رد فعل كبير ومتجاوز من قبل بعض الأجهزة الأمنية، أدى إلى استشهاد مئة ثائر منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، آخرهم كان يوم الاثنين".

عوامل سلبية

وأوضح أن "هناك عوامل سلبية أخرى تعيق الحوار، منها ضعف الحكومة كلها، كذلك ضعف الأداء الاقتصادي والأمني، وغياب الحكومة في كثير من المجالات، الأمر الذي أشعر المواطن السوداني بضعف الحكومة وغيابها في كثير من المشاكل، وهذا كله يؤدي لعدم الاستقرار السياسي، وعدم دفع وتشجيع الرافضين للحوار للالتحاق بالعملية السياسية".

وأضاف: "الأمر الآخر، لا بد من الحوار حتى تصل الناس إلى عملية سياسية يمكن أن ترضي الغالبية، صحيح من الصعوبة بمكان وجود عملية سياسية ترضي الجميع، ولكن لا بد من وجود إرادة سياسية خاصة من السلطة الحاكمة؛ لأنها هي من يمكنه تقديم مبادرات وتنازلات، بالتالي لا بد من بذل جهد أكبر لإلحاق الفئات الرافضة للحوار والغائبة عنه".

من ناحيتها، أشارت خلود خير إلى أن "من أهم المعيقات المناخ السياسي الحالي والدائم، ومن ضمنه الصراع في أبو جبيهة ودارفور ومناطق أخرى، كذلك قمع النظام في مدن مختلفة، والذي يستهدف الجماعات المؤيدة للديمقراطية، وانهيار الدولة والاقتصاد".

وأضافت: "أيضا هناك المجاعة، والتي أصبحت قريبة من الحدوث، كذلك وعدم الاستعداد للفيضانات السنوية (بالإضافة إلى الكوليرا والقضايا ذات الصلة) لا تخلق المناخ المناسب لمثل هذه العملية المحدودة والمقيدة".

لافتة إلى أن "غياب بعض الفاعلين السياسيين الأكثر تأثيرًا -لا سيما لجان المقاومة كمحركات للتغيير وقوى الحرية والتغيير المكونة من الأطراف المنفذة لأي اتفاق- يعني أنه حتى لو وصلت العملية إلى تسوية، فمن المحتمل أن نرى نتيجة هشة وغير قابلة للتنفيذ".

وأكدت أنه "من نواح كثيرة، هذا الأمر يعيد إنتاج ديناميكية اتفاق جوبا للسلام، حيث أدت المشاركة المحدودة ورفض الأطراف ذات الأهمية للمشاركة بشكل كبير إلى إعاقة تنفيذه، وقد نرى تكرارًا لهذه الديناميكية، حيث رأينا أن هذا الاتفاق أصبح محركًا للصراع، لذا فقد نرى أي اتفاقية سياسية هشة مشابهة تصبح محركًا لعدم الاستقرار السياسي".

وترى أن "الرد على اجتماعات اليوم الأول من الحوار هو وصفها بأنها مهزلة، ولفت الانتباه إلى حقيقة أن كل من حول تلك الطاولة كانوا طرفًا في الانقلاب، وانضموا إلى جولة من المحادثات حول أزمة سببها ذلك الانقلاب بالذات".

تأثير غياب "قحت"

واعتبر المحللون غياب قوى الحرية والتغيير عن المشاركة في الحوار السياسي مشكلة رئيسية قد تعيق تقدمه، حيث قال أبو فداية: "غيابها يمثل مشكلة رئيسية، خاصة أنها تعتبر طرفا أساسيا في الوثيقة الدستورية التي وقعت بين الشق المدني والشق العسكري برعاية الترويكا، وبالتالي غيابها يؤثر على العملية السياسية كلها، وليس فقط الحوار السياسي الجاري حاليا".

بدوره، قال هدسون: "سيكون السؤال الأفضل هو: لماذا توقعنا أن تشارك قوى الحرية والتغيير في عملية من الواضح أن الجيش ليس ملتزماً بها ويحاول تقويضها؟".

وأضاف: "في الوقت ذاته الذي يقول العسكريون فيه إنهم رفعوا حالة الطوارئ، يواصلون اعتقال وقتل المتظاهرين السلميين، كذلك في الوقت نفسه، يقولون إنهم منفتحون على إعادة تأسيس الحكم المدني في البلاد، لكنهم يعيدون تعيين الإسلاميين الذين كانوا في عهد البشير مرة أخرى في الوظائف الحكومية".

وخلص بالقول: "نعم، يمكن للعسكريين أن يقولوا إنهم ملتزمون بالحوار، لكن أفعالهم تناقض أقوالهم، وإلى أن يتغير ذلك، أعتقد أنه سيكون من غير المعقول توقع أن يستثمر القادة المدنيون بشكل كبير جدًا في هذه العملية وهم أصلا يتوقعون احترام أي اتفاق".

 
التعليقات (1)
Eltayeb
السبت، 11-06-2022 04:27 ص
اي حاجة فيها مركزية مرتبطة بالحزب الشيوعى فهو حزب مركزي شمولى لا يبحث عن مصالح الشعب ولا يتورع من العمالة ويسعى إلى الحكم باي شكل وان مات كل الثوار الذين لن يكونوا معهم لحظة الموت فطيلة هذا الحراك من تقدم من قيادات الحزب العجوز وارتقي شهيدا