قضايا وآراء

هل تنقذ المليارات الخليجية النظام المصري؟

قطب العربي
1300x600
1300x600

لم تقتصر صافرات الإنذار حول خطورة وضع الاقتصاد المصري على النظرة السلبية المستقبلية لوكالة موديز العالمية التي أعلنتها في أيار/ مايو الماضي، ولكنها وصلت إلى حد الصراخ بالصوت العالي كما فعل أحد كتاب النظام، عماد الدين أديب، الذي هدد دول الخليج صراحة بمصير أسود إن لم تتحرك لدعم مصر سريعا، وحدد مبلغ 25 مليار كاحتياج عاجل. بل إن النظام نفسه لجأ لسلاحه الأسهل، وهو التخلص من أصول استراتيجية بقيمة 40 مليار دولار على مدى أربع سنوات، عبر بيعها لمستثمرين استراتيجيين.

ومن المؤكد أن اتصالات علنية وخفية جرت مع العديد من الدول الخليجية لحثها على التحرك لإنقاذ النظام المصري قبل انفجار ثورة شعبية تطيح به، وتنتقل عدواها إلى تلك الدول، التي يبدو أنها اقتنعت بالتحذيرات بالفعل، فسارعت لضخ مليارات جديدة في دماء الاقتصاد المصري، كان أحدثها الاتفاقيات الاستثمارية التي وقعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة لمصر، بقيمة 7,7 مليار دولار، وكذا التي وقعتها قطر ومن قبلهما المليارات التي ضختها الإمارات، الحليف الأبرز للنظام المصري.

أزمة النظام المصري متعددة الوجوه، وإن كان الوجه الاقتصادي أبرزها حاليا، لكن هناك أزمة سياسية لا ينكرها عاقل، وأزمة اجتماعية تتزايد مؤشراتها، وأحدثها جريمة قتل فتاة المنصورة، وإقدام أكثر من شاب مصري على الانتحار بشكل علني. والحقيقة أن الأزمة السياسية هي أم كل الأزمات، وعلاجها هو المدخل الطبيعي لعلاج باقي الأزمات. وفي كل الأحوال فإن التوصيف الصحيح للمرض هو نصف العلاج، وهو يسهل الوصول إلى النصف الآخر للعلاج.

أزمة النظام المصري متعددة الوجوه، وإن كان الوجه الاقتصادي أبرزها حاليا، لكن هناك أزمة سياسية لا ينكرها عاقل، وأزمة اجتماعية تتزايد مؤشراتها

يصدر النظام الأزمة الاقتصادية بحسبانها نتيجة ظروف خارجة عن إرادته متمثلة في جائحة كورونا والحرب الأوكرانية؛ التي أثرت بشدة على توريد الغذاء والطاقة، ويتجاهل أن هذين السببين ينعكسان على كل الاقتصادات العالمية، وليس مصر فقط، كما يتجاهل -وهذا هو الأهم- مسئوليته الذاتية عن الأزمة التي وصل إليها عبر مشروعات كبرى لم تقم على دراسة جدوى، وليست ضمن أولويات التنمية في الوقت الحالي، ومنها تفريعة قناة السويس التي تكلفت ثمانية مليارات دولار بينما لم تضف أي جديد لحركة الملاحة في القناة، أو عائداتها، والعاصمة الإدارية الجديدة التي تقدر تكلفتها بـ58 مليار دولار وفقا لرويترز.

وقد اضطر السيسي مؤخرا لإصدار قرار بتوسعة حدود العاصمة الحالية القاهرة لتضم أراضي تلك العاصمة الجديدة، ما يعني انتهاء صفة العاصمة الجديدة عنها، واعتبارها حيا في القاهرة، تلافيا للنص الدستوري الذي يفرض وجود مقر الحكومة والبرلمان والرئاسة داخل القاهرة، بينما بنى النظام مقرات حديثة لأجهزته في تلك العاصمة الإدارية!! ناهيك عن عديد المشروعات الأخرى غير الضرورية في الوقت الحالي وفي ظل الإمكانات الحالية، مثل المونوريل، والقصور الرئاسية، وأكبر مسجد وكنيسة، وأعلى برج في أفريقيا، وصفقات طائرات بعشرات المليارات من فرنسا وألمانيا وإيطاليا.. إلخ.

هذه المشاريع الضخمة وغير الضرورية كان هدفها الرئيسي ليس التنمية، ولكن تحقيق ما يسمى شرعية الإنجاز، ورفع الروح المعنوية للشعب بتعبير رجال النظام!! أي أنها نتيجة أزمة سياسية، ونتيجة شعور بفقدان الشرعية، يسعى النظام لتعويضه بهذه المشروعات وبتلك الصفقات الخارجية التي هي ثمن لدعم سياسي دولي أيضا.
هذه المشاريع الضخمة وغير الضرورية كان هدفها الرئيسي ليس التنمية، ولكن تحقيق ما يسمى شرعية الإنجاز، ورفع الروح المعنوية للشعب بتعبير رجال النظام!! أي أنها نتيجة أزمة سياسية، ونتيجة شعور بفقدان الشرعية، يسعى النظام لتعويضه بهذه المشروعات

وهذه المشاريع هي التي أصابت الاقتصاد المصري بما يشبه سرطان الدم، الذي لا تفلح مع مريضه كل كميات الدم التي تنقل له، فيبتلعها دون تحسن، وهذا يعني أنه مهما قدمت دول الخليج أو غيرها من جهات مالية دولية من مليارات لإنقاذ الاقتصاد المصري فإنها لن تفلح، وستظل مجرد مسكنات وقتية، بينما يستمر المرض ويتضاعف مع الوقت.

يبحث النظام عن حلول في كل مكان، ولا يتورع عن بيع الوطن، أو رهن أصوله ثمنا لاستمراره، ولكنه لا يريد الاقتراب من العلاج الحقيقي، والذي لو نظر تحت قدميه لأبصره، ولن يكلف الوطن غاليا، وذلك عبر إعلان النظام فشله سياسيا، وتنحيه عن السلطة طوعا، مع الدعوة لانتخابات عامة جديدة، رئاسية وبرلمانية، تأتي بمن هم قادرون على حل أزمة الوطن والمواطن.

لكنه بدلا من هذا الحل الحقيقي يلجأ إلى تمثيليات عبثية عبر ما يسمى بالحوار الوطني، الذي ادعى أنه سيكون شاملا، ولا يستثني أحدا، فإذ به يستبعد من يمثلون أكثر من نصف الشعب المصري، كما أنه يستبعد أشخاصا كانوا ملتصقين به، مثل النائب السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، وآخرين غيره. والأهم أن هذا الحوار الذي يفترض أن يبدأ مطلع تموز/ يوليو المقبل حسب المعلن (وقد يتم تأجيله) لن يتطرق لقضايا الإصلاح السياسي الحقيقية التي يمكن أن تنقذ مصر، لكنه سيكون مجرد "سوق عكاظ" يدلي فيه المدعوون بآرائهم التي لن ينبني عليها عمل، بل ستكون مخرجات الحوار جاهزة قبل بدايته، ليكون المشاركون هم فقط ورقة التوت التي تسترها.
الحوار الحقيقي الذي يمكن أن ينتج حلولا حقيقية تخرج مصر من كبوتها هو الحوار الذي لا يستثني أحدا، ولا يستبعد موضوعا من المناقشة، والذي تسبقه خطوات عملية لبناء الثقة؛ مثل الإفراج عن المعتقلين ووقف الإعدامات، والذي يلتزم الجميع مسبقا بتنفيذ مقرراته عاجلا غير آجل

وسيكون الحوار ومخرجاته الهزلية والاحتفالات الصاخبة المواكبة له؛ هي مجرد أداء شكلي يتم تسويقه للخارج قبل قمة المناخ المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل في شرم الشيخ، بهدف ضمان حضور أكبر عدد من قادة العالم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ما سيعتبره النظام نوعا من الدعم السياسي له.

الحوار الحقيقي الذي يمكن أن ينتج حلولا حقيقية تخرج مصر من كبوتها هو الحوار الذي لا يستثني أحدا، ولا يستبعد موضوعا من المناقشة، والذي تسبقه خطوات عملية لبناء الثقة؛ مثل الإفراج عن المعتقلين ووقف الإعدامات، والذي يلتزم الجميع مسبقا بتنفيذ مقرراته عاجلا غير آجل.. في هذه الحالة سينتج الحوار خارطة طريق سياسية واقتصادية واجتماعية قابلة للتطبيق، وحينئذ سيبذل كل مصري كل ما في وسعه لإنقاذ بلده، وقد لا نحتاج لمعونات خليجية أو غير خليجية.

 

twitter.com/kotbelaraby
1
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 26-06-2022 01:53 م
*** خطورة الوضع الاقتصادي الحالي للاقتصاد المصري، لم نعلمه من ابن أديب ولا من أخيه ولا من زوجته وباقي الأبواق الإعلامية للانقلاب، ولا حتى من وكالة موديز، فتقارير أمثال تلك الوكالات بل وتقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تعكس المصالح والأغراض الخبيثة للمسيطرين عليها، والساعية للإغراق المتعمد لبلدان مستهدفة في الديون كما تكرر لبلدان أخرى من قبل، وامتصاص فوائد ربوية منها تبلغ أضعاف معدل الفوائد في اسواق المال الدولارية، فالسيسي خلال سنوات حكمه التي طالت قد اهدر تلك الديون الأجنبية على صفقات سلاح مليارية بأثمان بأضعاف تكلفتها، ومشتريات السلاح من أكثر ما يسبب إفلاس الدول ثم احتلالها، في ظل غياب كامل للتحذير من تلك المخاطر في تقارير الصندوق، حيث أنها تحقق ارباحاُ مليارية لشركات انتاج السلاح ودولها المسيطرة على قرارات الصندوق، كما أن شبكة مدن الأشباح والطرق وخطوط المواصلات التي تخدمها، والتي ينفذها بعقود بمليارات اخرى يهدرها بالأمر المباشر بتكاليف مضاعفة لشركات أجنبية ومحلية تابعة، مقابل عمولات وإتاوات تستولى عليها العصابة الانقلابية، وهي لا تقتصر على سراب عاصمة جمهوريته الجديدة، فيضاف اإليها العلمين والجلالة والمنصورة الجديدة وغيرها، رغم أن العشرات من مدن الأجيال الأولى الأقدم مازالت لم تستغل إلا نسبة ضئيلة منها، وصندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الأئتماني يعلمون يقيناُ أن أقصر طريق لإفلاس الدول هو اهدار الأموال على الفقاعات العقارية، وهي السبب الرئيسي لأكبر أزمتين اقتصاديتين عالميتين في 1996 وفي 2008، التي استغرقت الدول المتقدمة الغنية الكبرى سنوات طويلة للتعافي منها بعد تسببها في خسائر فادحة لاقتصادياتها، وكل الحلول المطروحة من العصابة الانقلابية ستزيد الوضع انهياراُ، ولا تهدف إلا لتأجيل إعلان عجز الاقتصاد المصري الكامل لشهور قليلة قادمة، وسيدفع الذين هللوا ورقصوا للانقلاب على النظام الديمقراطي المدني المنتخب في 30 يونيو هم وأبناءهم من بعدهم ثمناُ فادحاُ لغفلتهم وانتهازيتهم وسكوتهم على ما ارتكبه الانقلابيون من جرائم، والله أعلم.

خبر عاجل