هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع اشتداد الأزمة السياسية في العراق، تصاعدت وتيرة التسريبات الصوتية المنسوبة لجهات سياسية، والتي طالت هذه المرة قيادات متقدمة في التيار الصدري، بعد سلسلة تسجيلات نسبت إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس حزب الجماهير القيادي السني أحمد الجبوري (أبو مازن).
التسريبات هذه استعدت القوى السياسية التي حضرت جلسة الحوار الوطني، التي عقدت برعاية رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الاثنين، إعلان رفضهم لها كونها "تسبب ضررا بالعلاقات الأخوية التاريخية، وأن معالجتها يكون من خلال السبل القانونية المتاحة".
"تسريبات الحنانة"
الجديد في التسريبات التي ظهرت خلال اليومين الماضيين، تحت مسمى "تسريبات الحنانة"، في إشارة إلى مقر إقامة مقتدى الصدر بالنجف، بأنها كانت مكالمات هاتفية لأمين عام مجلس الوزراء الحالي حمد الغزي، والقيادي مصطفى اليعقوبي، والأخرى للنائبين أمجد العقابي، وعلي سعدون اللامي.
وظهر في التسجيل الصوتي- الذي لم يعرف مصدره- وتداولته مواقع التواصل، الأحد، امتعاض اليعقوبي من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وطريقة إدارته للتيار، وعدم تصرفه بشكل سليم، بحسبه، ويطرح ذلك على الغزي، الذي بدا متفاجئا من الحديث ويبحث عن حل مع اليعقوبي.
اقرأ أيضا: علي فاضل يتوعد بتدويل قضية تسريبات المالكي
وقال اليعقوبي في التسجيل، إن "الصدر غير مستقر حاليا، وحينما لا يكون مستقرا يتخذ قرارات غير مدروسة، منها ترشيحه ابن عمه جعفر الصدر، نجل المرجع الديني محمد باقر الصدر، لرئاسة الحكومة، عندما كان يطمح لتشكيل حكومة أغلبية".
ورأى المقرب من الصدر أن "ترشيح جعفر الصدر غير مدروس، لأنه إن فشل في قيادته للحكومة سينعكس سلبا على سمعة عائلة الصدر الدينية لدى الجمهور والناس، وبالتالي ليس من الصحيح ترشيح أي شخصية من عائلة آل الصدر لرئاسة الحكومة".
في التسجيل المسرب، يطلب اليعقوبي من حميد الغزي الاتصال بجعفر الصدر -سفير العراق لدى بريطانيا حاليا- ليخبره بالقدوم إلى النجف، كي يجلس مع الصدر ويخبره بخطورة قراره على عائلة آل الصدر، وعدم اتخاذ قرارات مستعجلة.
وفي المقابل، أعلن الناشط علي فاضل المعروف بـ"مفجر تسريبات المالكي"، الاثنين، أنه لا يزال يتلقى العديد من التسريبات التي تخص قيادات عراقية بارزة في العلمية السياسية، وأنه سيستمر في نشر ما يصله، باستثناء ما يتعلق بالحياة الشخصية لهذه الجهات.
محاولات للتغطية
وبخصوص تطور موضوع التسريبات، قال أستاذ الإعلام في العراق الدكتور غالب الدعمي لـ"عربي21"، إن "الحكومة العراقية لديها أجهزة ممكن أن تلتقط المكالمات وتسجلها، وكذلك شركات الاتصال، إضافة إلى جهات دولية يمكن لها أن تخترق المكالمات الهاتفية بالعراق، لأنها غير محمية".
وأضاف الدعمي: "لكن أعتقد أن هناك طريقتين للتسجيل حاليا، الأولى عبر أحد أطراف التسريب، والذي ربما يسجل المحادثات ثم يبثها كما حصل مع تسجيلات المالكي، الأمر الآخر أن تتم عبر اختراق المكالمة الهاتفية باستخدام التقنيات. أما بعض تلك التسريبات، فقد كانت تقليد أصوات لا أكثر".
اقرأ أيضا: توافق على انتخابات مبكرة في العراق.. ولا موقف من الصدر
وأوضح أن "ما نسب للتيار الصدري، والذي ادعى صاحب التسريب أنه يخص حميد الغزي، ومصطفى اليعقوبي، فإني على يقين بأنه مزور بالكامل، لأن الأخير أنا على معرفة شخصية به، ولديه لثغة في الراء، وعندما يتحدث تظهر عليه بشكل واضح".
ورأى الدعمي أن "موجة التسريبات الثانية التي طالت التيار الصدري، الغرض منها خلق رأي عام في العراق، بأن كل التسريبات التي ستصدر لاحقا هي مزورة ومفبركة حتى تغطي على تسجيلات أخرى ربما تطلق من جديد، وبذلك يجري تكذيبها مسبقا".
واستبعد الأكاديمي العراقي "تورط أجهزة أمنية محلية في التسريبات، كما يتحدث البعض على شاشات الفضائيات، لأن شركات الاتصال ممكن أن تتسرب منها لمكالمات، وحتى التقنيات الحديثة تؤدي الغرض نفسه، أو تسجيل المكالمة من أحد طرفي الاتصال الهاتفي".
ولفت إلى أن "هذه التسريبات ستعزز الرأي العام، الذي يعتقد أن هذه الحكومات غير فاعلة، والأحزاب السياسية تستحق الرحيل والمعاقبة، وأن هذه الرؤية هي التي ستنتج في المجتمع العراقي نتيجة التسريبات المستمرة".
وأشار الدعمي إلى "وجود شركات مستفيدة تقوم بالتجسس والتسريبات لاستخدامها لاحقا بالضغط على أطراف محددة، خصوصا أن بعض التسريبات تخص شخصيات جرى تصوريها في فنادق وأماكن مخلة في لندن، والتي لو ظهرت ستسبب إحراجا كبيرا".
جهات دولية
من جهته، قال حيدر البرزنجي رئيس مركز "ألوان" للدراسات الإستراتيجية في العراق لـ"عربي21" إن "حرب التسريبات والسجالات التي تشكل خطورة على المجتمع العراقي تقف وراءها جهات دولية وشبكات معينة، تحاول اقتناص التوقيت المناسب من أجل بث هكذا تسريبات".
وأعرب البرزنجي عن اعتقاده بأن "التسريبات ستطال جميع القوى السياسية، ولن تقف عند التيار الصدري، وإنما ستذهب باتجاه الأكراد والسنة، وقبل أيام خرجت تسريبات لبعض القادة السنة، ويوم أمس ظهر تسريب لرئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (بافل الطالباني)".
ووصف الخبير في الشأن العراقي التسريبات بأنها "سابقة خطيرة ومثيرة للجدل"، لذلك على الحكومة أن تفعل دورها، ولا سيما جهاز المخابرات الوطني، لمعرفة من يمتلك هذه التقنية، ويقينا أنهم ليسوا أفرادا ممكن أن يمتلكوا هكذا تقنية عالمية مخابراتية.
ورأى البرزنجي أن "تصاعد وتيرة التسريبات تنذر بخروج تسريبات أخطر تتعلق بقادة سياسيين كبار، لأن كل دولة في العالم لديها خصوصيات، ولها أسرار، وكذلك الأحزاب، وعندما يجري تسريب هذه الخصوصيات إلى الجمهور وعوام الناس، لا شك ستكون لها تداعيات، وربما تشعل فتيل أزمة وفتنة".
ولا يستبعد البرزنجي أن "يكون الكيان الصهيوني وراء هذه الاختراقات عن طريق برنامج بيغاسوس، أو مخابرات دولية أخرى بتكليف من الكيان نفسه، وممكن أن نرى في قابل الأيام بلاوي كثيرة وكبيرة لا يتحملها الشارع العراقي، وذلك يمكن أن يحدث فوضى بالبلد، وربما هذا الهدف الأساسي من التسريبات، وفي هذا التوقيت تحديدا".
وفي 21 تموز/ يوليو 2021، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في تقرير لها أن هاتف الرئيس العراقي برهم صالح كان على قائمة تضم 50 ألف رقم اختيرت من أجل احتمال استهداف أصحابها بالمراقبة ببرنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسس.