تتجدد
أخبار العالم بشكل مستمر، وتتغير الأحداث في كل ساعة، ومتابعة القنوات الإخبارية ومشاهدة ما توفره مواقع التواصل الاجتماعيّ من فيديوهات وصور بشكلٍ مستمر ولوقت طويل، قد تؤثر على مشاعر الفرد سلبا أو إيجابا، وقد تفتح ملفات للتفكير المستمر والقلق الدائم.
والرغبة الشديدة في مشاهدة الأخبار السلبيّة بالذات، هو أن معرفة ما يحصل يُشعر المرء أحيانا بنوع من الراحة، فيعتبر البعض أن الخوف من المجهول أصعب بكثير من أن تخاف ما تعرف.
وقد يعجز البعض فعلا عن كبح نفسه وفضوله تجاه ما يحصل، حتى عند معرفته أن تحديقه الشديد والمستمر في مصادر الأخبار قد يؤثر على صحته النفسيّة، أو قد يُعيقه عن إكمال يومه كما خطط له.
والإعلام حول العالم يسلّط الآن أضواءه نحو
الزلازل والهزات الأرضية التي تتعرض لها الدول، خاصة تركيا وسوريا، فكيف تؤثر متابعة هذه الأخبار على
الصحة النفسية للأفراد؟
بيّنت أخصائية الإرشاد التربوي والنفسي أنسام سلعوس خلال حوارها مع "عربي 21": "أنه عندما تشاهد العين صورا مزعجة متعلقة بالزلازل وتخزنها الذاكرة، ستنبعث الأفكار السلبية، وسيشعر الإنسان بالخوف من أن يعايش إحدى الهزات الارتدادية، خاصة في المناطق القريبة من موقع حدوث الزلزال، وقد يخاف على نفسه، وعلى أسرته ووظيفته، نتيجة توقعاته المُسبقة ومشاعره السلبيّة".
إظهار أخبار متعلقة
وهذا يتوافق مع مقال نشرته صحيفة
الغارديان البريطانية للكاتب رولف دوبلي في عام 2013 بعنوان "الأخبار ضارّة بك والتخلي عن قراءتها سيجعلك أكثر سعادة".
صوّر فيها الكاتب الأخبار كأنها مواد غذائية سهلة الهضم، ومن ثَمّ لا يشبع الإنسان من تناولها. وهذا قد يفسّر التردد المستمر على الأخبار لمشاهدتها، دون الشعور بأن هذا القدر من الاطلاع قد يُعد كافيا.
إن المشاعر التي تعترينا إثر ما نشاهده من الأخبار السلبيّة قد تختلف من شخص إلى آخر، حتى القلق قد تختلف درجة الشعور به من إنسان إلى آخر، وفق معايير معيّنة معروفة لدى الأخصائيين.
وأكدت الأخصائية سلعوس "أن درجات القلق تختلف من البسيط الذي قد يصيب معظم الأشخاص المطلعين على أحداث الزلزال، ويكون الفرد فيه قادرا على ضبط مشاعره وأفكاره والتحكم بها، وقد يصل إلى القلق الشديد أو نوبات الهلع، وهذا قد يصيب الشخصيات القلقة، التي تمتلك اضطرابات نفسية سابقة، وتتابع الأحداث الحاليّة بشكل مبالغ فيه ولوقت طويل، وقد يؤثر ذلك على عمليّاتهم الحيويّة جميعها".
تجارب سابقة
كما أردفت الأخصائية "بأن الأخبار الحزينة تساعد على إنعاش التجارب والخبرات السلبيّة السابقة، كبعض اللاجئين السوريين الذين عاشوا الحرب والتهجير في السابق، فهم يمتلكون أصلا تجارب سيئة تحمل معها من المشاعر السلبيّة ما تحمل، فمن ثَمّ ستُساعدهم مشاهد الزلزال على إنعاش معظم مشاهد الدمار المخزنة في ذاكرتهم، وسيشعر الإنسان بالإحباط والقلق مما يؤثر على سلوكه اليوميّ، وقد يؤدي أحيانا إلى العزلة، أو الاكتئاب، أو الهلع، وعدم القدرة على النوم، وتحوّل الأحلام إلى كوابيس، وقد يحصل تبوّل لا إرادي عند صغار السن أحيانا".
الأعراض
تؤثر نوبات الهلع على جودة الحياة، ولها أعراضها وعلاماتها، وأوضح الطبيب النفسيّ علاء الفروخ في حديثه لـ"عربي 21"، أن "القلق أو نوبات الهلع لها أعراضها التي تختلف من شخص إلى آخر، وقد تختلف مدة الشعور بهذه الأعراض حسب نفسيّة المصاب وقربه من موقع حدوث الزلزال، وأن أعراض الهلع الشديد أو الرهاب تجاه الزلازل كأعراض أي رهاب آخر، وتتضمن عادة:
التوتر الدائم، القلق، التعرّق الشديد، صعوبة التنفس، آلام متفرقة في الجسد، الصداع، الأرق وعدم القدرة على النوم، وغيرها من الأعراض الأخرى".
إظهار أخبار متعلقة
وعلى الفرد أن يحاول الموازنة بين فضوله تجاه ما يحصل حول العالم، وبين حفاظه على صحته النفسية، ومن جهتها قالت سلعوس؛ "إن الصحة النفسية يجب أن تكون الأولوية الأولى للفرد، حتى يكون قادرا على ضبط وتوجيه أفكاره على النحو الصحيح، وإن لاحظ أحدهم أنه غير قادر على كبح فضوله الشديد تجاه الأخبار، فعليه أن يحاول تأجيل مشاهدتها، وأن يعمل على إلهاء ذاته في أمور حياته الأخرى، حتى يكون قادرا على السيطرة على رغبته في سبيل حفاظه على صحته النفسية".
وهذا بالتأكيد لا يتعارض مع فكرة المتابعة اليومية التي لفت لها الفروخ حين قال؛ "إن من النصائح المفيدة في تقليل احتمالية إصابة الإنسان بهذا القلق النفسيّ، هو عدم متابعة الأخبار الحاليّة بشكل حثيث، حتى لا يبقى ذهن الإنسان مشغولا في نفس المشاهد المؤلمة التي يراها، بل على الأفراد المتابعة بشكل عام، من باب الشعور مع إخواننا الذين عاشوا هذا الزلزال، ومن باب الإحاطة بما يحصل، مع ممارسة الرياضة بانتظام، والابتعاد عن المنبهات قدر المستطاع".
الأطفال
إن كان تأثير الأخبار والمشاهد المتعلقة بالزلازل بهذا السوء على البالغين، فكيف قد تؤثر رؤية الدمار ومشاهد الفقد والركام على الأطفال؟
أظهر استطلاع أجرته جمعية أصدقاء الصحة النفسية في قطر "وياك" على منصة التواصل الاجتماعي "تويتر"، تحت عنوان " الجهة الأكثر تأثيرا في سلوك الطفل"، أظهرت النتائج أنَّ وسائل الإعلام سجلت النسبة الأعلى بين الجهات المؤثرة على سلوك الأطفال.
كما أشادت سلعوس بخطورة هذه الأخبار على الأطفال، وترى بأنه "لا يجوز تعريضهم لها، ويجب أن يكون الوالدان هما المصدر الأول لطفلهم في نقل الأخبار، بحيث يتعرّف الطفل على معنى الزلزال بأسلوب مريح، وعلى الأهل محاولة بث الطمأنينة في قلب طفلهم، من خلال الخطاب البسيط الذي يؤكد له أن عائلته بجانبه دوما، وأنهم سيحمونه تحت أي ظرف".