جملة من التساؤلات أثارتها نتائج
الانتخابات المحلية في
العراق، ولا سيما بعد تصدّر قوى سياسية ناشئة في العديد من المدن، التي تمثل مختلف المكونات (السنية والشيعية)، وتفوقت على الأحزاب والتيارات التقليدية، التي سيطرت على أغلب مقاعد مجالس المحافظات.
وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أجريت انتخابات مجالس المحافظات، التي شاركت فيها معظم القوى السياسية التقليدية، باستثناء
التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي قرر مقاطعتها، ووصفها بأنها "فاسدة"، إضافة إلى بعض كيانات "حراك تشرين 2019" مثل حركتي "امتداد" و"وعي".
ورغم تصدر قوائم الإطار التنسيقي، لكن محافظات "البصرة وكربلاء وواسط" خرجت عن سيطرتها وقدمت فيها قوائم شكلها محافظو هذه المدن، فيما شهدت المدن ذات الغالبية السنية الشيء ذاته، وخصوصا في محافظتي نينوى وكركوك، اللتين تصدرت فيهما قائمتان ناشئتان.
اظهار أخبار متعلقة
تأثير نسبي
وبخصوص مدى انعكاس نتائج الانتخابات المحلية على مستقبل خارطة القوى السياسية، قال المحلل السياسي العراقي أياد العنبر، إن "تأثير القوائم الجديدة التي فازت سيكون نسبيا، وربما سيكون مقتصرا على المحافظات التي تصدرت فيها قوائم المحافظين، لكن في المجمل فإنه لا يوجد هناك الكثير من التغيير".
ولفت العنبر في حديث لـ"عربي21" إلى أن "الاستثمار في الفوز في انتخابات مجالس المحافظات ربما لن يكون نفسه في معادلة الانتخابات البرلمانية المقبلة"، وأن "تفوق قوائم المحافظين قد يكون بالفعل تجربة جديدة بعدما تنافسوا فيها مع القوى التقليدية المعروفة".
وأردف: "لكن هذا لا يمكن اعتباره مؤشرا على التغيير، إلا إذا افترضنا أن هذه القوى الجديدة تتحالف مع آخرين مثل التيار الصدري، وبالتالي يمكن أن يشكلوا معادلة مهمة في الانتخابات البرلمانية المقبلة".
لكن العنبر أكد أنه "ربما تكون النتائج الجديدة لها دور في تقاسم السلطة لإدارة المحافظات خصوصا في غرب وشمل البلاد"، وأن "التأثير الأساسي هو سيكون في حسم منصب رئيس البرلمان، وبالتالي ستدخل الصفقات في التوصل إلى اتفاق بخصوص حسمه بين القوى السياسية".
ولا يزال منصب رئيس البرلمان المخصص للمكون السني، خاليا بعدما أقالت المحكمة الاتحادية في الـ14 من الشهر الماضي، رئيسه السابق محمد الحلبوسي، على خلفية دعوى رفعها ضده أحد النواب، واتهمه فيها بتزوير طلب استقالة وإقالته من عضوية البرلمان بناء عليه.
ورغم محاولة القوى السياسية حسم البديل قبل انتخابات مجلس النواب، فإنها أخفقت في ثلاث محاولات، آخرها كان في الـ12 من الشهر الجاري، وقد أعلنت الدائرة الإعلامية للبرلمان أن القوى السياسية قررت إرجاء جلسة اختيار الرئيس إلى إشعار آخر.
وبناء على ذلك، فقد علق السياسي والنائب العراقي السابق مشعان الجبوري، على منصة "إكس"، قائلا: "انقسام الإطار، وألاعيب شخصية كردية، وسذاجة رئيس كتلة سنية، هو الذي أدى إلى تأجيل الجلسة الاستثنائية المقررة لانتخاب رئيس مجلس النواب إلى إشعار آخر، أي إلى ما بعد انتخابات مجالس المحافظات وربما إلى الجلسة الأولى الاعتيادية بعد انتهاء العطلة البرلمانية".
اظهار أخبار متعلقة
سيطرة إطارية
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، جبار المشهداني، إن "نتائج الانتخابات المحلية، كانت واقعية تماما ولم يحصل شيء عكس التوقعات باستثناء ما أشيع من احتمالية تقدم بعض القوى السياسية، مثل "ائتلاف الأساس"، وتحالف "حسم الوطني"، لكنهما حصلا على مقاعد أقل مما روّجا".
وأوضح المشهداني في حديث لـ"عربي21" أن "القوى التقليدية حصلت على العدد المتوقع من المقاعد، وبالتالي فلن يكون هناك تغيير في الخارطة السياسية، ففي كل محافظة يستطيع الإطار التنسيقي (الشيعي) أن يشكل كتلة موحدة وبالتالي سيعيد هيمنته، وامتلاكه للأغلبية العديدة".
وحول تصدّر قوائم المحافظين، رأى المشهداني أن "هؤلاء المتصدرين لم يأتوا من خارج هذه القوى التقليدية ولم يكونوا لاعبين جددا على الساحة السياسية، وإنما جميعهم سواء في كركوك أو البصرة أو نينوى وكربلاء جاءوا من هذه المنظومة السياسية".
وأردف: "بالتالي فلا يمكن الحديث عن صعود قوى جديدة، إلا إذا تحدثنا عن قوائم تشرين ومنها تحالف "قيم" الذي حاول جمع أصحاب التوجه اليساري والقوى الديمقراطية العراقية، لكنه لم يأت بنتائج".
وأشار المشهداني إلى أنه "ما دمنا نعتمد التصويت الخاص (مشاركة القوات الأمنية) في العملية الانتخابية، فلا يمكن أن نعوّل كثيرا على التغيير إلا إذا أبعدنا قوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي والأمنيين، لأنهم يجب أن يكونوا بعيدا عن العمل السياسي حتى يبقوا مهنيين".
ولفت إلى أن "الإطار التنسيقي لم يعد بحاجة إلى دعم من القوى السنية (العزم، الحسم، السيادة، تقدم) حتى يحصل على أي منصب، وبالتالي فستبقى قناعات الإطار باختيار رئيس البرلمان قائمة كما كانت قبل الانتخابات المحلية وسيمضي في مشروعه، وأعتقد أن محمد المشهداني هو رئيسه المقبل".
وعزا ذلك، إلى "عدم حصول خرق عال في الانتخابات من قوى سنية، من شأنه أن يجبر الإطار التنسيقي على تغيير موقفه تجاه كتلة ما، لأن خارطة القوى السنية تقريبا بقيت كما هي، فالأنبار ذهبت إلى قدم، وديالى تصدرت فيها السيادة، وصلاح الدين توزعت بين باقي القوى".
وبيّن المشهداني أن "عدد المقاعد التي حصلت عليها الأطراف السنية عكست القوة الحقيقة لهم في الشارع، وبالتالي فالكل حافظ على وزنه الانتخابي في المدن والمحافظات، لذلك فإنه ليس هناك فارق كبير أو مفاجآت تجبر أي طرف على تغيير موقفه من الثاني".
وبعد انقضاء الانتخابات المحلية، قررت قوى الإطار التنسيقي، إعادة لحمتها في مجالس المحافظات وتشكيل كتلة واحدة، وذلك بعدما شاركت بثلاثة قوائم (ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، ائتلاف قوى الدولة بقيادة عمار الحكيم، وتحالف نبني برئاسة هادي العامري).
أما على صعيد القوى السنية والكردية، فلم تعلن الأطراف الممثلة لهم عن اتخاذهم أي خطوة حيال تشكيل تحالفات في مجالس المحافظات ذات الغالبية السنية أو المختلطة، من أجل انتخاب المحافظين الجدد، وتحديدا في: نينوى، ديالى، الأنبار، كركوك، صلاح الدين، وبغداد.