قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم "إن
قاضيا تونسيا أمر بحبس سهام بن سدرين،
الناشطة البارزة والرئيسة السابقة لـ
"هيئة الحقيقة والكرامة"، انتقاما على ما يبدو من عملها في المساءلة عن
عقود من الانتهاكات
الحقوقية، وينبغي للسلطات
التونسية إطلاق سراحها فورا".
وقال بسام خواجا، نائب مديرة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "يجب ألا تكون سهام بن سدرين
في
السجن، وكذلك التونسيون الآخرون الكثر الذين تحتجزهم حكومة الرئيس قيس سعيد
ظلما، بمن فيهم الصحفيون والمحامون والناشطون. هذه حالة انتقام واضحة، وينبغي
للسلطات الإفراج فورا عن بن سدرين وإسقاط التهم والتوقف عن استهداف المدافعين عن
حقوق الإنسان".
وأضاف: "بعد تقويض عملية العدالة
الانتقالية في تونس لسنوات، تُوجه حكومة الرئيس سعيد الضربة القاضية باحتجاز سهام
بن سدرين. على شركاء تونس الدوليين، الذين دعموا عملية العدالة الانتقالية، الدعوة
إلى إطلاق سراح بن سدرين وضمان إزالة العقبات التي تعترض عملية العدالة الانتقالية".
وأكدت "هيومن رايتس ووتش"، أن احتجاز
بن سدرين جاء على خلفية القمع المتزايد من جانب حكومة الرئيس سعيّد قبيل
الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 6 أكتوبر/تشرين الأول. ومع ترشح سعيد لولاية
ثانية، استبعدت السلطات المنافسين المحتملين واعتقلتهم، وسجنت النشطاء، واستهدفت
وسائل الإعلام ومجموعات المجتمع المدني المستقلة التي تراقب العملية الانتخابية.
يُحتجز أكثر من 170 شخصا في تونس لأسباب سياسية أو لممارسة حقوقهم الأساسية.
وفي 1 آب / أغسطس 2024، أمر قاضي التحقيق في محكمة في تونس العاصمة باحتجاز
بن سدرين بعد جلسة استماع حول عملها رئيسةً لـ هيئة الحقيقة والكرامة بين 2014
و2018. رفض القاضي في 20 سبتمبر/أيلول طلبا للإفراج عنها. بن سدرين (73 عاما)
حاليا محتجزة على ذمة المحاكمة في سجن منوبة، وتواجه المحاكمة في أربع قضايا أخرى
تتعلق بعملها رئيسةً للهيئة.
وقدّم أحد أعضاء الهيئة السابقين شكوى في أيار / مايو 2020، يزعم فيها
تزوير بن سدرين تقرير الهيئة الرسمي بشأن الفساد المزعوم في النظام المصرفي فيما
يتعلق بـ "البنك الفرنسي التونسي". وزعم المشتكي أن التقرير النهائي
المنشور في "الرائد الرسمي" (الجريدة الرسمية التونسية) يتعارض مع
النسخة المقدمة إلى الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في 31 ديسمبر/كانون الأول
2018. لكن بحسب محاضر الهيئة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، لم تكن مسودة العام
2018 نهائية، حيث كان من المتوقع أن يعدل أعضاء الهيئة المسودة في يناير/كانون
الثاني 2019.
وقال محامو بن سدرين لـ "هيومن رايتس
ووتش": إن احتجازها يستند فقط إلى هذه الشكوى. فتح وكيل الجمهورية في
"المحكمة الابتدائية بتونس" تحقيقا معها في فبراير/شباط 2023، ومنعها من
السفر في 2 مارس/آذار 2024. وفي 7 مارس/آذار، اتهمها قاضي التحقيق الأول باستغلال
منصبها لتحقيق منفعة غير جائزة لنفسها أو للغير، والاحتيال، والتزوير.
في 8 أغسطس/آب، قال ثلاثة خبراء من الأمم
المتحدة في
بيان إن اعتقال بن سدرين "قد يرقى إلى مستوى المضايقة القضائية...
على العمل الذي قامت به" كرئيسة للهيئة، وإنه "يبدو أنه يهدف إلى المس
بمصداقية" تقرير الهيئة.
وتأسست هيئة الحقيقة والكرامة في
ديسمبر/كانون الأول 2013، وأُنيط بها كشف الحقيقة حول الانتهاكات المرتكبة منذ يوليو/تموز 1955 - قبل وقت قصير من استقلال تونس عن فرنسا - واقتراح تدابير
المحاسبة، وجبر الضرر، وإعادة التأهيل.
وتلقت الهيئة أكثر من 62 ألف شكوى، وأحالت
205 حالات انتهاكات حقوقية جسيمة إلى مجالس متخصصة، ما أدى إلى ملاحقات قضائية
شملت وزراء سابقين ومسؤولين أمنيين ورجال أعمال. لكن لم يصدر أي حكم قضائي حتى
الآن بعد أكثر من ست سنوات على بدء المحاكمة الأولى في مايو/أيار 2018، بحسب
"الائتلاف المدني المدافع عن العدالة الانتقالية". كذلك، لم يتحرك
البرلمان بناء على توصيات الهيئة.
منذ إنشائها، واجهت الهيئة انتقادات في
وسائل الإعلام ومعارضة من الأحزاب السياسية وعقبات أمام تنفيذ المهام المكلفة بها،
من جهات شملت السلطات الأمنية والقضائية التي أعاقت عملها، ومنعت وصولها إلى
الأدلة الأرشيفية وهويات المسؤولين المتورطين.
عملت بن سدرين 40 عاما تقريبا على فضح
الانتهاكات الحقوقية في تونس. شاركت في تأسيس "المجلس الوطني للحريات"
في تونس عام 1998، و"المرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع" عام
2001، وموقع وراديو "كلمة" الإخباري المستقل الذي أغلقته السلطات عام
2009.
سُجنت أول مرة لمدة أسبوعين عام 1987 في عهد
الرئيس الحبيب بورقيبة، ومجددا لمدة شهرين تقريبا عام 2001 في ظل الحكم الاستبدادي
للرئيس زين العابدين بن علي، بعد تنديدها بالتعذيب والفساد وانعدام استقلال
القضاء. عاشت بن سدرين في المنفى من العام 2010 حتى ثورة 2011. وقد انتقدت بشدة
سعيّد، ونددت "باعتداءاته المتواصلة على الديمقراطية".
وقالت هيومن رايتس ووتش: إن اعتقال بن سدرين
يوجه ضربة أخرى للعدالة الانتقالية في تونس. كانت تونس الدولة الوحيدة في الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا التي أنشأت هيئة وطنية للحقيقة في أعقاب انتفاضات عام 2011.
لكن أوقف الرئيس سعيّد العملية بعد استيلائه على السلطة عام 2021. في مارس/آذار 2022،
أصدر بمرسوم قانونا ينص على العفو عن رجال الأعمال الذين تتم ملاحقتهم بتهمة
الجرائم المالية إذا سددوا المبالغ المتنازع عليها أو استثمروها في التنمية
الجهوية. ثم اعتمد دستورا جديدا في عام 2022 أسقط ضمانات العدالة الانتقالية
الواردة في دستور 2014.
منذ عام 2022، قوّض سعيّد أيضا منهجيا
استقلال القضاء، وسيطر على "المجلس
الأعلى المؤقت للقضاء"، وفصل القضاة ووكلاء الجمهورية تعسفيا، واستخدم القضاء
لخدمة غاياته السياسية.
وأشارت إلى أن "العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية" (العهد الدولي)، وتونس طرف فيه، يحمي الحق في
حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. وجدت "اللجنة المعنية بحقوق
الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، التي تفسر العهد بصفة رسمية، أن الحبس
السابق للمحاكمة يجب ألا يكون "ممارسة سائدة" وأنه لا يكون معقولا
وضروريا إلا بعد تحديد فردي. كما أن تونس ملزمة بموجب العهد الدولي و"الميثاق
الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" باحترام الحق في محاكمة عادلة.
إقرأ أيضا: قرار قضائي بحبس رئيسة هيئة "الحقيقة والكرامة" السابقة في تونس