كعادتي في تناول القضايا والمسائل الفقهية والسياسية ومحاولة مني مسك طرفي الخيط الفكري لأية قضية لاستيعابها ومحاولة فهمها واقتداءا بمنهج وطريقة شيخنا
القرضاوي _حفظه الله_في تأصيله وتقعيده للمنهج الوسطي في تناول القضايا السياسية والفقهية بسرد أطراف الإفراط والتفريط قبل الولوج فى اقرار الرأي وتبنيه..
وعملا بقول الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي (الوسطية الاعتدال فى العقيدة والموقف والسلوك والمعاملة والاخلاق فالإسلام لا يعرف الإفراط أو التفريط ولا يعرف الغلو والجنوح اليه ولا التساهل ولا الركون عليه) ..
وكما جاء في لسان العرب لابن منظور (أوسط الشيء أعدله وأصوبه)..
وكما يقول الدكتور العوا (الوسطية في المفهوم السياسي الإسلامي المعاصر منهج ينطلق من القواعد السياسية الأصيلة، ويتعايش مع الوقائع السياسية الراهنة بلا إفراط أو تفريط، وهو بذلك فرع من أصل كبير هو الوسطية، لكنه يختص بأكثر الجوانب تعرضاً لمتغيرات الزمان، ألا وهي السياسة التي باتت محكومة بواقع جديد مختلف تماما عما كان عليه في السابق).
فقضية تنظيم "أنصار
بيت المقدس" بين من ينكرها تماما ولا يعترف بوجودها ويعتبرها لعبة مخابراتية مؤامراتية بامتيازلأسباب من بينها:
(1)- استقراءا لتاريخ الثورات العالمية والعربية واستيعاب دور الثورة المضادة في اجهاض الثورات الشعبية وتشويهها والانقلاب عليها وليس مافعله عبد الناصر من تفجيرات انتقامية وما فعله النظام العسكري بالجزائر وأجهزة مخابراته بالمدنيين واختراقه للتنظيمات الجهادية والتكفيرية منا ببعيد.
(2)- اختيارات التنظيم وأهدافه والتي لا تتمتع بإجماع شعبي وثوري ولا توصف بالأهداف الحيوية الموجعة والمؤلمة للنظام الإنقلابي كما أنها تستخدم في تأليب الرأي العام ضد الثورة والثوار عامة والإسلاميين خاصة.
(3)-التغيير الاستراتيجي في سياسة التنظيم ونهجه ووسائله فبعد أن كان ينغص حياة الكيان الصهيوني ويوجعه ويؤلمه (سواء رغبة أيديولوجية وفكرية منه أو كأداة للعب المخابراتي العالمي فى الساحة السيناوية النشطة) كتفجير خط الغاز الذى يذهب للكيان الصهيوني عدة مرات وكان يعرف وقتها حتى عام 2012 بالملثم وكذا عمليات إيلات والنقب واعلان المسؤلية عنها من قبل التنظيم
وبين من يعترف بوجودها ويبرهن عليها وعلى صلتها بالتيار الإسلامي:
(1)- ليس كل التيار الإسلامي شريحة واحدة لكن فيه من يجنح للغلو والتطرف الفكري والمنهجي وينتهج العنف وينقم على المجتمع كله_حتى إسلامييه_ ويكفره كالتكفيريين والمفجرين والتكفيريين منهم الذي يحمل السلاح في مواجهة المجتمع كله ومنهم من لا يحمله.
(2)-كما أن تاريخنا الإسلامي ليس ناصع البياض لكنه يحمل تلال من قطع الرؤوس وذبح الرجال وشنقها وتعليقها فى الشوارع والمياديين تارة للعبرة والتصوير وللتشويه تارة أخرى بستار وغلاف زائفيين من الدين.
(4)-الجنازة المهيبة لأربعة من أعضاء التنظيم في منطقة العجرا والذين قتلوا بصواريخ الصهاينة أرض _أرض ثالث أيام عيد الفطر الماضي والتي حضرها عدد كبير جدا من المجتمع المحلي السيناوي من قبيلتي السواركة والتياها اللتان ينتميان إليها مع رضا شعبي سيناوي الذي يناهض معاهدة السلام مع الصهاينة.
(5)- اختراق الموساد للأراضي والأجواء
المصرية في سيناء، وتوغله مرتين بعمق 15 كيلومتر حتى قرية "خريزة" لاغتيال إبراهيم عويضة، القيادي في "أنصار بيت المقدس" في أغسطس 2012، والتعتيم الإعلامي الذي صاحب هذا العمل منعا من إحراج الجيش نتيجة هذا الاختراق.
(6)- الجنود السبعة واختطافهم في فترة حكم د. مرسي والإفراج عنهم وبث فيديو لبعض الجنود وهو يشكر التنظيم وحسن معاملتهم.
وبين هذا وذاك تكمتل الصورة ويتضح لنا ما يلي:
(1)- تنظيم أنصار بيت المقدس موجود فعلا وله أفكاره ومنهجه ووسائلة ويعتبر ذراع تنظيم القاعدة في مصر_الفكري دون التنظيمي_ ويتقاطع ويتواصل مع السلفية الجهادية في قطاع غزة حيث أنه أحد أوجه التنظير الميداني للسلفية الجهادية.
(2)- لصعوبة الاتصال والتواصل بين أفراده وأعضائه نتيجة التنسيق المخابراتي والأمني بين الكيان الصهيوني والنظام الانقلابي في مصر يتيح للأعضاء حرية الحركة الميدانية دون مراجعة الأهداف والاختيارات الميدانية والتواصل مع القيادات وأخذ رأيها كما يسهل اختراق بعض أعضاء التنظيم وكوادره بل حتى قادته من قبل الأجهزة المخابراتية عبر توجيه بوصلة الحراك الميداني عن طريق تغيير في لهجة الخطاب الشرعي المنظر للعمل الميداني كما حدث في العراق ويحدث الآن في سوريا من خلال داعش السورية.
(3)- تصعيد الانقلابىن لضرباتهم الموجعة للثورة والثوار ونسف المسار الديمقراطي والحالمين به من خلال الانقلاب والتعامل العنيف مع المتظاهرين السلميين والمجازر التي ارتكبت في حق المعتصمين وخاصة بعد فض رابعة والنهضة أتاح الفرصة لخلق بيئة قوية وحاضنة ملائمة لانتشار الفكر التكفيري والتفجيري.. إلى جانب اختلاط المفاهيم بين الجهادي الرسالي واستحضاره واستدعائه وبين تكفير المجتمع وأفراد الجيش والشرطة نتيجة أفعال قادتهم وكوادرهم مع النساء والأطفال والمتظاهرين السلميين حتى بين أبناء التيار الإسلام السياسي السلمي.