قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن "
الديمقراطية التي وُعد الليبيون بها بعد سقوط نظام معمر
القذافي عام 2011 ما هي إلا مثل سراب يتلاشى في الصحراء".
وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها قائلة، إن الديمقراطية الليبية "تومض عن البعد. وبدت وكأنها قريبة بعد انتخابات البرلمان وإنشاء الحكومات وعقد الاجتماعات، ولكن البلد لم يصل إليها لسبب أو لآخر".
وهذا يفسر على ما يبدو، وحسب عدة تقارير قلة الإقبال الشعبي على انتخابات الهيئة المكونة من ستين شخصا، والتي ستكلف بصياغة دستور البلاد، فالرجال والنساء في
ليبيا "في مزاج أقل حماسة"، كما تقول الصحيفة.
وتضيف أنه "من المفترض أن يؤدي
الدستور إلى تقديم أساس قوي لمستقبل البلاد، يحدد الحقوق والواجبات للمواطنين ويحمي الأقليات، ويعرِّف النظام القانوني ويقرر شكل الحكومة". ولكن المشكلة تنبع في أنه في كل تطور مؤسساتي شهدته البلاد منذ عام 2011 كان يرافقه أمل في تغير الأمور وعودة الحياة الطبيعية، وفوق كل ذلك حياة سياسية وطنية حقيقية، لكن أيا من ذلك لم يتحقق.
والسبب كما تراه الصحيفة يتعلق بسطوة الميليشيات المسلحة "فليبيا، وهذه هي الحقيقة، سيطرت عليها الجماعات المسلحة، وهناك أجنحة عسكرية لأحزاب سياسية لم تحقق نتائج جيدة في الانتخابات، ولكنها تصر، وتحت فوهة البندقية على أن يكون لها رأي في كل القرارات. وهي (الأحزاب) لا تحكم ولا تدير بمعنى الكلمة، وهو عمل لا ترغب في القيام به أو ليست لديها القدرة على ممارسته، وهي تتوقع قيام الآخرين بإضاءة الشوارع وتوفير مياه الشرب، ومع ذلك تحتفظ بحق التدخل بطريقة عشوائية ووحشية كلما رغبت بذلك".
وتشير الصحيفة هنا إلى ما قامت به تلك الميليشيات من ممارسات وخنق وتعطيل لمؤسسات الدولة، "فقد عوقت تصدير النفط، واختطفت السياسيين بمن فيهم رئيس الوزراء، وداهمت اجتماعات المجلس التأسيسي مطالبة الأعضاء بالتصويت بالطريقة التي تريدها، وطالبت اثنتان من أكبر الميليشيات بحل البرلمان، ما وضعهما في مواجهة مع الجماعات المسلحة التي تدعم رئيس الوزراء علي زيدان".
وتقول الصحيفة إن قوة الميليشيات جاءت من غياب هيبة الجيش فهو "صغير الحجم ومنقسم وليس في موقع فاعل لمواجهة قوتها".
هذه التطورات المشؤومة في ليبيا أكملتها مسلسلات هزلية "مثل ذلك الذي حدث قبل أيام، عندما أعلن جنرال متقاعد عن انقلاب عسكري يجري في البلاد، وتحدث بشكل رائع عن خارطة طريق لليبيا ستوضع موضع التنفيذ مباشرة، ولم يحدث أي شيء بعد ذلك. ولا تزال القضية غامضة، وسيكون الليبيون متفائلين بقدر مفرط بشأن تبدد التهديدات لوضع دولتهم الهشة وبسرعة".
فالخطر الحقيقي الذي تراه الصحيفة نابع من فراغ السلطة الذي سمح للجماعات الإسلامية، خاصة أنصار الشريعة، ببناء حضور لها، ما أدى إلى لفت أنظار الأمريكيين وحلف الناتو الذين قاموا بإجراءات لمراقبة تحركات تلك الجماعة والجماعات الأخرى. وفي النهاية "تحتاج ليبيا لأكثر من دستور جديد كي يتم التغلب على هذا الإرث الخطير".