مدونات

المخرج عايز كدا !

حمدي فؤاد
حمدي فؤاد
نظر إليها، واقترب منها، وتشابكت الأعين والحواس، قبلة صغيرة على جبينها، وأخرى جعلت الشفاه متداخلة بشكل يجعل فكرة انفصالهما في وقت قريب صعبة المنال، والتف ذراعه حول خصرها جاذباً أياه نحوه ليشعر بفحيح ساخن، وليعتصر نهدين ثائرين قد وقفا تحية لذلك العامل بجد؛ نهدان ثائران يأبيان إلا أن يشحذا انتباه حتى من انعدمت رؤيته من الغربال، حمى الوطيس بتسارع الحركات، وتوالى رد الفعل وفعله…حين صرخ أحدهم "كت" ثم أردف "هنعيد تانى" كان ذلك كافياً إلى أن يتراجع الاثنان متخذين موضعهما الأول ناظراً إليها، ومتحفذاً، وشاحذاً الهمة، ومنتظراً الأمر بالبداية، الأمر بالسوء؛  الأمر بالمنكر (أكشن). 

مشهد يتكرر في أفلامنا موسمياً. مشهد كان من الممكن تقنينه منذ البداية، أو الاستعاضة عنه بما يوحى بمحتواه؛  ولن يؤثر الحذف على القصة أو يعرقل عملها. هذا على سبيل حسن الظن إن كان للفيلم أو المسلسل رسالة، أو هدف لتوصيلهما للمشاهد الحائر في دنياه. مشهد آخر في استديو برنامج حوارى حين يسأل المحاور عن المشهد الجنسي الفاضح؛ يسأل على استحياء مصطنع ظاناً أن ضيفه قد وقع في شرك السؤال وفخه حين تلحق الإجابة سؤالها سريعاً؛  والمعدة مسبقاً بأن القصة والدور يتطلبان ذلك، وبأنه أو أنها لن تؤدى أي دور جنسي إلا لخدمة العمل الفني لتوصيل الرسالة المزعومة، وفى أغلب الأحيان يعلل "المخرج عاوز كدا...” قائلاً ومردفاً "أنا بعمل زي ما المخرج يطلب...". قالاها وقد ظنا أنهما بذلك قد استراحا مما فعلاه، وأنهم قد رميا بحملهم الثقيل على أعناق المخرج من أعطى الأمر بالمنكر، وليتولى هو بدوره الدفاع عن القصة العظيمة وعلته في ذلك استلهامها من الواقع و أنها تحدث في أحسن العائلات.

غزو ثقافي ينتشر كانتشار النار في الهشيم، أو كتكالب الجراد على فريسة لا حول لها ولا قوة، ولينهش في عظام الأمة مخمداً همتها، ونابشاً التراب عن شهواتها، وناخراً حتى تنخار قواها .

يذكرني هذا بصديق لي يصاحب فتاة يعلم وتعلم أن ما بينهما ليس إلا للتسلية، ولتفريغ المخزون العاطفي رغم أنه وكما أحب أن أقول دائماً "عفن شعوري"، وحين تسأله مستنكراً فعله؛  فإنه إن لم يدعى الحب فيقول "مش هي اللي عايزا كدا ..."، أو يقول "هو أنا ضربتها على أيدها..." . قد ظن أن غسل يديه بعد وجبة دسمة من الإثم مستريحاً من وزره، أو تعلم ياعزيزى القارئ ؟! أنك لو صارحته بأنه قد صار عبداً لها وخادماً ؛ ينفذ ما أملته عليه كل صباح ومساء، وبأنه لا إرادة له ولا رأى ولا هوية؛ لصرخ في وجهك مستنكراً ومستأسداً لمقدار ذكورة يظنها بقايا رجولة عنده؛  أطاعها منفذاً رغباتها متناسياً ما يريده هو بل والأعظم والأدهى و الأمر أن كلاهما قد تناسيا ما يريده الله منهم "هو ربنا عايز كدا...".

المشهد الأخير هو مشهد المحاكمة وقول الحق وتطاير الصحف حين يسألهم الله عما قدمت أيديهم صاغرين وبصوت خافت نادم يوم لا ينفع الندم يجيبون "وقالوا ربنا أطعنا ساداتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل "(الأحزاب:67)، ومستغيثين بسادتهم " إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار " (غافر:47)، الآن لن يجدوا من يدافع عنهم أو عن رسالتهم المزعومة تتخلى عنهم حتى أعضائهم، ويصرخ فيهم شيطانهم الأكبر وآمرهم بالسوء "وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم "(إبراهيم :22)، ويستمر الجدال بينهم في النار إلى ما شاء الله، والسلام على من اتبع الهدى. 
0
التعليقات (0)