مع بداية الخريف وبحلول فصل
الشتاء، تبحث الأجساد الباردة عن الدفء في المشرب كما في المأكل والملبس.
وفي
المغرب، يعد
الشاي من أهم المشروبات التقليدية، وأكثرها استهلاكا طوال السنة، ويصبح في موسم الطقس البارد الشاي بـ "
الشيبة"، الشراب الذي يمد الجسم بالدفء والطاقة والهدوء.
ولا يكاد يخلو سوق شعبي بالعاصمة المغربية الرباط من تلك اللوحة الفنية التي يرسمها بائعو الشيبة والنعناع وباقي أعشاب الشاي، وهم يفترشون الأرض أو دكاكين صغيرة، حيث يتدرج اللون الأخضر من الفاتح إلى الغامق، بحسب كل نبتة.
ويطلق المغاربة اسم "الشيبة" على الأجزاء العليا، والأوراق المزهرة، لما يعرف بـ"الأفسنتين" أو "شجر مريم".
وتعوض هذه النبتة العشبية النعناع المنعش مع بداية انخفاض درجات الحرارة وتراجع جودة النعناع خلال فصل الشتاء.
وقال عبد الرحيم بن علي، أحد أشهر بائعي أعشاب ولوازم الشاي بالرباط "تعرف هذه النبتة إقبالا متزايدا في فصل الشتاء يضاهي الإقبال على النعناع والأعشاب المنسمة".
وأرجع ابن علي، الإقبال على عشبة الشيبة خاصة في فصل الشتاء، إلى أن الشيبة من الأعشاب التي ترفع من حرارة الجسم أثناء شربها مع الشاي الأخضر المجفف بالإضافة إلى مفعولها المهدئ للأعصاب.
وأضاف ابن علي "يبدأ ظهور الشيبة من شهر أكتوبر/ تشرين الأول إلى غاية شهر أبريل/ نيسان، وتزداد جودتها كلما ارتوت بالماء أكثر، لذلك توجد بوفرة بمناطق وسط المغرب، وتوجد أنواع كثيرة منها، أجودها ما يعرف باسم (المسكية) ذات الرائحة الفواحة والمذاق الحلو وتظهر في نهاية موسم الشيبة".
وتتردد السيدة، رحمة الشياظمي، بانتظام على متجر ابن علي لشراء لوازم الشاي ومنها الشيبة والتي لا يتجاوز ثمن الباقة منها درهما واحدا (الدولار الأمريكي يساوي 8 دراهم).
وقال الشياظمي "الشيبة دافئة وهي أحسن معطر للشاي في الشتاء عكس النعناع المعروف بتأثيره المبرد والمنعش للجسم وهي أذواق تعودنا عليها منذ زمن".
ويزداد الإقبال على الشيبة في المقاهي أيضا، التي تضيف إلى قائمتها "الشاي بالشيبة" لإرضاء زبائنها الباحثين عن الدفء والهدوء.
وفي هذا الصدد يقول، محمد العلودي، صاحب مقهى بأحد أحياء الرباط "يكثر الطلب على الشاي بالشيبة في هذا الوقت لأنها عشبة فصل الشتاء بامتياز".
ويتابع العلودي أن "الشيبة معروفة بتأثيرها الدافئ على الجسم لذلك نحن نوفرها لزبنائننا في هذا الفصل، بالإضافة إلى النعناع الذي يتواجد طوال السنة وهي تقدم جانبا في كأس الشاي دون طبخها مع الشاي المجفف، ويضيفها الزبون بنفسه. وتقول عدد من الدراسات أن "الشيبة"، مطهرة للأمعاء وطاردة للديدان والطفيليات والفطريات، إضافة إلى أنها مدفئة للجسم فهي تضبط درجة الحرارة وتخفض الحمى ومضادة للزكام وللالتهابات.
ومع أنها دائمة الأوراق طوال السنة، إلا أن مذاقها المر يعتدل في فصل الشتاء والربيع. ويحتوي نبات الشيبة على مركب بمذاق مر جدا وهو "الأبسنتين" الذي يتحول إلى مادة مرتفعة الخطورة في مستخلص زيت الشيبة التي تستعمل لأغراض طبية وبجرعات مضبوطة.
وأثبتت
دراسة قدرة هذه العشبة على محاربة الخلايا السرطانية الموجودة في جسم الإنسان والغنية بعنصر الحديد، وذلك من خلال استخدام الطريقة المشابهة التي تم استخدامها في القضاء على الطفيليات، فضلا عن علاج العديد من الأمراض الأخرى.
وتساعدك الكريمات المصنعة من عشبة الشيبة على تخفيف الألم وتحسين الحركة في موضع الاستخدام، لاحتوائها على مواد مضادة للالتهابات.
كما تحتوي عشبة الشيبة على مادة "الكامازولين" المضادة للأكسدة، ما قد يساعد جسمك على مقاومة السرطان وأمراض القلب والزهايمر.
وتعمل الشيبة على تحسين أعراض مرض اعتلال الكلى المناعي.
ويعتبر المغرب الدولة الوحيدة التي تستخدم الشيبة لتنكيه الشاي أو حتى الحليب، عكس الشائع في بعض دول العالم حيث تستخدم النبتة لأغراض علاجية أو لتنسيم المشروبات الكحولية كما الحال في أمريكا الشمالية.