شارك أكثر من مليون شخص الأحد في مسيرة "الجمهورية" التاريخية ضد الإرهاب بحضور مسؤولين، بينهم عرب، في باريس بعد الاعتداءات التي أودت بحياة 17 شخصا سقطوا ضحايا ثلاثة مسلحين.
وسارت أسر الضحايا في طليعة المسيرة التي ستجري وسط إجراءات أمنية مشددة بوجود قناصة على طول الطريق في العاصمة الفرنسية التي انتشرت فيها قوات الأمن.
وحمل المشاركون في المسيرة، أعلام دول مختلفة، فضلًا عن لافتات منددة بالإرهاب، ومطالبة بالدفاع عن حرية الفكر والتعبير، دون أي تنازل.
وحضر المسيرة شخصيات سياسية فرنسية بارزة، ونواب، ورؤساء بلديات، وممثلو الديانات المسيحية، والإسلامية، واليهودية، ومنظمات المجتمع المدني، كما شهدت مدن فرنسية عديدة، مسيرات مماثلة بالتزامن مع مسيرة "الجمهورية" في العاصمة باريس.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فانس إنها "ستكون مسيرة صامتة قوية وتظهر قوة وكرامة الشعب الفرنسي الذي سيعلن بصوت عال حبه للحرية والتسامح"، مضيفا أنها ستكون مظاهرة لا سابق لها سيحكى عنها في كتب التاريخ".
إجراءات مسبقة
ووعد فالس بإجراءات أمنية مشددة بمستوى الحدث؛ إذ سيتم نشر 2200 رجل، وإغلاق عشر محطات لقطار الأنفاق، ومنع توقف السيارات.
ويأتي هذا التجمع الكبير بينما وضعت خطة فيجيبيرات الأمنية في أعلى مستوى، أي "الإنذار باعتداء" في المنطقة الباريسية، وفي هذا الإطار سيقوم ألفا شرطي و1350 عسكريا آخرين بحماية المواقع الحساسة في العاصمة الفرنسية ومحيطها من مقار لوسائل الإعلام إلى أماكن العبادة ومدارس ومبان عامة وممثليات دبلوماسية.
واستقبل هولاند قبل التظاهرة رؤساء نحو خمسين دولة أو حكومة في قصر الإليزيه للتعازي، كما استقبل صياح اليوم ممثلي المجموعة اليهودية في فرنسا للبحث معهم في ما وصفه الجمعة بأنه "عمل مروع معاد للسامية"، في إشارة إلى احتجاز الرهائن في محل بيع الأطعمة لليهود، كما سيزور بعد ظهر الأحد الكنيس الكبير في وسط العاصمة.
واستقبل هولاند الحكومة الفرنسية بكامل أعضائها، ثم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي قبل دعوة رفض تلبيتها الرئيسان الأسبقان البالغان الثمانين من العمر فاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك. وبعد ذلك سيستقبل رؤساء الحكومات السابقين ميشال روكار وجان مارك آيرلوت وآلان جوبيه، كما استقبل في الأليزيه القادة الأجانب وشخصيات فرنسية قبل أن يتوجه معهم إلى التظاهرة،
أما وزير الداخلية فسيكون عليه، إلى جانب ضمان أمن التظاهرة، حضور اجتماع دولي حول الإرهاب بحضور وزراء الداخلية في 11 بلدا ووزير العدل الأمريكي إيريك هولدر القريب من الرئيس باراك أوباما، وستتمثل في هذا الاجتماع لاتفيا وألمانيا والنمسا وبلجيكا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا والسويد وبريطانيا.
تمثيل لأكثر من 50 دولة
وقبيل المسيرة، استقبل الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند"، الزعماء الضيوف، في قصر الإليزيه، وتقبل التعازي في ضحايا الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها باريس، وأودت بحياة 17 شخصًا.
وانضم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع نحو خمسين من قادة الدول الأحد إلى المسيرة ضد الإرهاب في باريس.
وشارك في المسيرة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني برفقة زوجته الملكة رانيا، بالإضافة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كما سيحضر رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو.
وظهر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المسيرة على بعد أمتار من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتقدم القادة بصفوف متراصة ممسكين بأيدي بعضهم البعض.
كما أعلنت كل من المغرب والجزائر ومصر مشاركة وزراء خارجيتهم: صلاح الدين مزوار، ورمطان لعمامرة، وسامح شكري، على التوالي، ممثلين بلادهم في المسيرة.
وأكد بلاغ صادر عن الخارجية المغربية مساء السبت، أنه لا يمكن أن يشارك وزير الشؤون الخارجية والتعاون أو أي مسؤول رسمي مغربي، في هذه المسيرة، في حال رفع رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام.
في المقابل لن يشارك الرئيس الأمريكي باراك أوباما ولا وزير الخارجية جون كيري في المسيرة التي سيحضرها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إذ تتمثل الولايات المتحدة في "المسيرة الجمهورية" بوزير العدل إريك هولدر.
ومن أبرز الزعماء المشاركين في المسيرة، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ونظيراه الإيطالي ماتيو رينزي، والإسباني ماريانو راخوي، ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي جان كلود يانكر، والرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، فضلًا عن رئيس مالي إبراهيم أبو بكر كيتا، ورئيس النيجر محمد يوسف، وغيرهم.
الملكة رانيا: نقف مع فرنسا في ساعات حزنها الأشد
من جانبها، قالت الملكة رانيا زوجة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن وجودهما في باريس هو من أجل الوقوف مع شعب فرنسا في "ساعات حزنه الأشد" ومن أجل الوقوف "ضد التطرف بكل أشكاله".
وكتبت الملكة في صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، باللغتين العربية والإنجليزية، الأربعاء "كنت إلى جانب جلالة الملك عبدالله الثاني للوقوف مع شعب فرنسا في ساعات حزنه الأشد... للوقوف ضد التطرف بكل أشكاله، والوقوف من أجل ديننا الحنيف، من أجل الإسلام... وليبقى الانطباع الأخير لصورة هذه الأحداث المروعة هو هذا التدفق الفريد من مشاعر التعاطف والدعم بين الناس من جميع الأديان والثقافات".
وأضافت "تؤلمني الإساءة للإسلام ولمعتقداتي الدينية، كما تؤلمني الإساءة للأديان الأخرى والمعتقدات الدينية للآخرين، ولكن ما يسيء لي أكثر بكثير، هو تجرؤ مجموعة على استخدام الإسلام لتبرير قتل مدنيين بدم بارد"، موضحة أن "الأمر لا يتعلق بالإسلام أو الشعور بالانزعاج أو الإساءة من مجلة
شارلي إيبدو، بل بمجموعة من المتطرفين الذين أرادوا القتل لأي سبب، وبأي ثمن".
وخلصت الملكة رانيا إلى أن "الإسلام دين سلام، دين تسامح ورحمة، هو مصدر طمأنينة وقوة لأكثر من 1,6 مليار مسلم، هم ذاتهم مصدومون، ويشعرون بالحزن والفزع مما حدث في باريس هذا الأسبوع".
350 ألف متظاهر خارج باريس
وأفادت الشرطة الفرنسية أنه إضافة إلى التظاهرة الضخمة في باريس، جمعت التظاهرات المنددة بالإرهاب أكثر من 350 ألف شخص في بقية المدن الفرنسية نصفهم في مدينة ليون، ثالث المدن الفرنسية.
وأوضحت الشرطة أن تظاهرة ليون ضمت ما لا يقل عن 150 ألف شخص وأكثر من 60 ألفا في رين، وعشرات الآلاف في سانت أتيان وبربينيان، دفاعا عن حرية التعبير، وتضامنا مع ضحايا العمليات الإرهابية الأخيرة في فرنسا.
وقتل 17 شخصا بينهم صحفيون وأفراد شرطة خلال ثلاثة أيام من العنف الذي بدأ بهجوم بالأسلحة النارية على صحيفة شارلي إبدو الساخرة يوم الأربعاء وانتهى بخطف رهائن في متجر للأطعمة اليهودية يوم الجمعة. وقتل أيضا المسلحون الثلاثة الذين نفذوا الهجمات.