في وقت تشهد فيه
مصر تنظيم حفل أسطوري بمناسبة افتتاح تفريعة
قناة السويس الجديدة، الخميس، شكا عدد من أسر
العمال الذين لقوا حتفهم خلال أعمال الحفر، من إهمال السلطات لهم، وعدم إشارة رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي إليهم في أي خطاب له، وعدم تقديم مساعدات كافية تعين أسرهم على مواجهة فقد عوائلهم.
ويبلغ العدد الذي صرحت به السلطات المصرية لضحايا الحفر 15 عاملا، لكن تقديرات غير رسمية تقول إن العدد أكبر من هذا، وإن هيئة القناة تضرب ستارا من التعتيم على حقيقة عدد هؤلاء الضحايا، وظروف مصرع كل منهم، على الرغم من أنهم لجأوا للعمل في المشروع كي يوفروا نفقات العيش الكريم لأسرهم.
وقد لجأت السلطات في اللحظات الأخيرة، إلى إجراءات وُصفت بأنها شكلية، لتلافي اتهامها بإهمال شأن هؤلاء الضحايا من البسطاء، فشيدت لوحة تذكارية بجوار المنصة الرئيسة في حفل الافتتاح، مدون عليها أسماء هؤلاء العاملين، بجانب أسماء الشركات العاملة في المشروع، سواء بالحفر الجاف أو بالتكريك المائي، وأسماء القادة وكبار المهندسين من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة قناة السويس.
وتبارت الصحف في نشر أسماء ضحايا الحفر الخمسة عشر، وقصصهم، ومعاناة أسرهم، لا سيما أنهم ينتمون إلى فئات عمرية ومحافظات مختلفة، وأنهم قضوا نحبهم على إثر سقوط صخور عليهم، أو سقوطهم من فوق المعدات، كما أن منهم من مات دهسا أسفل لوادر الحفر.
شكاوى أسر الضحايا
- "ربيع ربيع سليم"، 47 عاما، أول العمال الذين لقوا مصرعهم، إذ إنه توفي في 9 أيلول/ سبتمبر 2014، بعد بداية الحفر بشهرين، وبعد عمله في المشروع بـ12 يوما فقط، مات أسفل عجلات "اللودر"، وهو يعود للخلف أثناء تزويده بالوقود.
تقول زوجته: "زوجي كان يعمل باليومية، عشان يصرف علينا، لأن ظروفنا صعبة، وبنحتاج مصاريف كتيرة عشان بنتي هناء عينيها تعباها".
المشرف على مشروع حفر قناة السويس، كامل الوزير، قال عن وفاة ربيع: "أثناء عملية تزويد البلدوزر بالبنزين سقط على رأسه من الخلف بسبب اختلال توازنه، وتم نقله للمستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك".
وتقول زوجة العامل إنها تعيش ظروفا صعبة بسبب وفاته، ما اضطرها للخروج إلى العمل، وتقول: "أشتغل باليومية عشان أصرف على الأولاد وباخد 30 أو 40 جنيها في اليوم، ولا لينا أرض ولا بيت، ومش عايزة غير بيت يلمني أنا وعيالي".
ويقول إسماعيل حسين، أحد أقارب ربيع: "الحكومة بعد ما مات عملوا له شهادة استثمار في هيئة قناة السويس لأولاده بـ 20 ألف جنيه فقط، وما فيش معاش، ولا أي تعويض".
ويتساءل إسماعيل: "هل ده التعامل الصحيح مع أول شهيد في مشروع حفر القناة؟".
- وتوفي أحمد موسى محمد، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وبعد وفاته قامت الشركة التي كان يعمل معها في المشروع، بصرف 60 ألف جنيه تم وضعها في البنك باسم أولاده، لكن الأجهزة الرسمية للدولة لم تصرف مكافأة أو معاشا لأسرته.
وقد تقدمت زوجته لوزارة التضامن الاجتماعي للحصول على معاش الأرامل، فصرفت الوزارة لها معاشا شهريا بقيمة 450 جنيها، لكنه مبلغ زهيد لا يكفي زوجته وأولاده الأربعة، بحسب زوجته.
- وتوفي محمد فايز، قبل أن يرى طفله، الذي وُلد بعد أن توفي بثلاثة أشهر، ولم يبق من سيرته سوى
مشهد النهاية في حياة شاب لم يتعد الـ25 عاما، حين دهسته سيارة نقل بمشروع حفر القناة أثناء عمله في المشروع "مشرف كارتة".
وبعد وفاته صرفت الشركة التي التحق بها للعمل في المشروع 40 ألف جنيه لطفله، لكن أسرته ما زالت تحتاج إلى أكثر من ذلك، إذ إنه لم يُصرف لهم معاش شهري حتى الآن يؤمن مستقبل الأسرة، لذا فقد قدمت زوجته طلب الحصول على معاش الأرامل الذي تقول إنه لا يتعدى الـ360 جنيها شهريا، وهو مبلغ لا يكفي احتياجات الأسرة، خصوصا أن الطفل مصاب بضمور في المخ، ويحتاج إلى متابعة طبية.
- باسم محمود، البالغ من العمر 30 عاما، الحاصل على دبلوم فني صناعي من منطقة الطالبية بمحافظة الجيزة، لقي مصرعه يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2014 أثناء عمله في حفر المشروع.
وتقول خالة باسم: "كان باسم يقضي يومه في العمل في عد الجرارات واللوادر التي تشارك في الحفر حيث إنه كان يعمل "عدادا"، وبعد 10 أيام من وجوده انهار عليه التل الترابي، ما أدى إلى ردمه بالكامل، واضطرت الشركة إلى الاستعانة بالكراكات، والحفر للوصول إليه، وانتشاله".
وبعد وفاة باسم قام المقاول الذي كان يعمل معه بصرف 10 آلاف جنيه، ولم تقم أي جهة أخرى بصرف أي مبالغ للأسرة.
وتقول والدته باكية: "إلى الآن لم نصرف أي معاش، قالوا لنا ما فيش حاجة تثبت إنه اشتغل، وماخدناش منه ورق".
- أما "كيرلس"، فهو أصغر ضحية في مشروع الحفر، وتقول والدته: "نفسي يفتكروه ويكرموه، ويذكروا اسم كيرلس في حفل افتتاح القناة".
دعوات إعلامية لتكريمهم
والأمر هكذا، قال الكاتب الصحفي، المقرب من السيسي، حمدي رزق: "لا تكفي لوحة تذكارية دائرية جنب منصة حفل الافتتاح لتخليد أسماء شهداء حفر القناة.. لا بد من دعوة أبنائهم إلى يخت "المحروسة"، مع الرئيس، وأن يدعوهم إلى المنصة الرئيسة للاحتفال، وليقرأ أسماءهم، ويعزف سلام الشهيد، ويقف الحضور، زعماء ورؤساء، دقيقة حداد على أرواح طاهرة فاضت في حفر القناة".
وأضاف رزق: "لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، ومن الفضل أن يستثنى أولاد الشهداء من مصروفات التعليم مجانا مدى الحياة، وتأمينهم مدى الحياة، وأن تتكفل برعايتهم هيئة قناة السويس، وأن تكون هناك أولوية في التعيين لذويهم في وظائف وأعمال القناة".