نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي ديفيد كيركباتريك يقول فيه إن السجين الأمريكي
المصري الأصل
محمد سلطان عرف أن الأمر الوحيد الذي سيكون في صالحه، عندما جاءت الشرطة المصرية لاعتقاله، أنه كان يحمل الجنسية الأمريكية، ونشأ في ولاية أوهايو.
ويبين التقرير أنه في تلك اللحظة لم يكن ذلك يعني الكثير، فقد حضر الأمن المصري لاعتقال والده صلاح سلطان، الذي كان عضوا بارزا في جماعة الإخوان المسلمين، وعندما لم يعثروا عليه في البيت، ووجدوا نجله محمد وثلاتة من أصدقائه اعتقلوهم وضموهم إلى عشرات الآلاف ممن اعتقلوا أثناء حملة الجيش المصري وسيطرته على السلطة قبل عامين.
ويشير الكاتب إلى أن الجنسية الأمريكية، التي يحملها سلطان، أعطته الجرأة للتصدي والإضراب عن الطعام لمدة 16 شهرا من أصل 21 شهرا قضاها في
المعتقل، ما جعله يخسر نصف وزنه، الأمر
الذي هدد بإصابته بفشل في أجهزته. وقد جازف بذلك على أمل أن تسارع الولايات المتحدة إلى التدخل لنجدته.
وترى الصحيفة أن جنسية سلطان (25 عاما) مثلت معضلة لسجانيه، الذين حاولوا كسر إرادته، حيث أنهم رموه في غرفة كان فيها معتقل يموت من الألم، وترك مع جثة السجين الميت طوال اليوم التالي.
ويلفت التقرير إلى أنه بعد أشهر من السجن قررت السلطات المصرية ترحيله في 30 أيار/ مايو إلى الولايات المتحدة، ويعود الفضل في ذلك إلى أنه يحمل الجنسية الأمريكية، موضحا أن حكومة عبد الفتاح السيسي لم تقرر ترحيله بناء على رغبة منها، ولكن بسبب الضغط الذي مارسه البيت الأبيض عليها، كما يقول سلطان ودبلوماسيون أمريكيون.
وتبين الصحيفة أنه بعد الإفراج عن سلطان واستعادته عافيته، فإنه يحاول استثمار ما تعرض له من معاناة من خلال أداء دور المحامي والمدافع عن قضايا عشرات الآلاف من السجناء الإسلاميين واليساريين والليبرالين، الذين يقبعون الآن في السجون المصرية.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه في لقاءات لسلطان مع مسؤولين في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، أشار إلى طفولته ونشأته في الغرب الأمريكي، وكونه سجينا سياسيا في القاهرة، ويقول إن عمليات الاعتقال الجماعية التي تقوم بها السلطات المصرية تؤثر على المصالح الأمريكية، وتعمل على دفع الشبان السلميين نحو طريق التشدد ومعاداة أمريكا.
وينقل كيركباتريك عنه قوله: "كنت محظوظا بما فيه الكفاية لأن أجرب الديمقراطية والحرية في الولايات المتحدة، وهذا ما ساعدني على ترجمة غضبي إلى إضراب عن الطعام". وأضاف في مكالمة هاتفية من واشنطن أن عشرات الآلاف ممن يقبعون في السجن لا حظ لهم بالقيام بما قام به.
ويتابع سلطان للصحيفة بأن الناشطين من تنظيم الدولة الجهادي يتجولون في زنازين السجن بحس من الثقة، ويقولون للمعتقلين إن "الكفار لن يحترموا أبدا أي شيء غير العنف، ولا يفهمون لغة سوى لغة السلاح".
ويورد التقرير قول سلطان "الشيء الوحيد الذي يشترك فيه جميع من في السجن من أفراد تنظيم الدولة والإخوان المسلمين واليساريين والليبراليين وضباط السجن هو كراهية أمريكا. ففي بلد مثل مصر معظم أبنائه من الشباب، فإن مصالحنا على المحك؛ بسبب تزايد المشاعر المعادية للولايات المتحدة داخل الدوائر الأيديولوجية في مصر، وهو أمر ليس جيدا لأحد".
ويعلق الكاتب بأنه يبدو أن المسؤولين يصغون لكلام سلطان، فبعد اجتماعه بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، كرر الوزير الكلام ذاته في خطاب له أمام الصحافيين لم يكن معدا سلفا، وقال إنه نقل للمصريين قلقه حول "التشدد" الذي قد يحدث أثناء فترة السجن، وما يتبع ذلك من عنف.
وتذكر الصحيفة أن سلطان، الذي يتحدث الإنجليزية بلهجة أهل الغرب الأمريكي، أصبح الوجه العام لضحايا القمع في مصر، ومعظمهم مثل والده من الإسلاميين. وقد كان في بعض الأوقات يبدو كما لو كان يفضل الحديث عن فريق كرة القدم الأمريكي التابع لولاية أوهايو، وعن أخبار الرياضة هناك بدلا من التحدث عن السياسة وعن السجون.
وتنقل "نيويورك تايمز" عن سلطان قوله إنه لم يدعم أبدا الرئيس المعزول محمد مرسي، ويضبف: "كنت ليبراليا في نظر الإسلاميين، وإسلاميا في نظر الليبراليين". مشيرا إلى أنه قرر الانضمام إلى الاحتجاجات الإسلامية ضد الجهة التي أطاحت بمرسي؛ وذلك انطلاقا من الدفاع عن القيم الديمقراطية، حيث أنه عمل مترجما للصحافيين الأجانب، وكان حاضرا يوم 14 آب/ أغسطس، عندما اقتحمت قوات الأمن اعتصام رابعة، وقتلت ما يقرب من ألف متظاهر في عملية إطلاق للنار. وأصيب سلطان في ذراعه، واضطر الأطباء لزرع حديدة فيه لحماية العظام. واعتقل بعد أيام عندما كان يتعافى من الضربة.
ويفيد التقرير بأن سلطان تحدث عن تجربته في السجن، موضحا أنه تم "الترحيب" به في السجن، من خلال طقوس معروفة بـ"حفل الاستقبال"، وجرد من ملابسه إلا سرواله الداخلي، وأجبر على الجري بين صفين من الحراس الذين ضربوه وزملاءه المعتقلين بالهراوات والسياط والأحزمة. وقال إن زميلا له ساعده على التغيير عن الجرح باستخدام قطن ملوث، فيما قام طبيب معتقل معه باستخدام شفرة لاستخراج الحديد من ذراعه.
وتنوه الصحيفة إلى أنه اعتقل في زنزانة تحت الأرض، لا تزيد مساحتها على 23 مترا مربعا، مع 25 سجينا، وهم خليط من الإخوان المسلمين وجهاديين متطرفين ونشطاء يساريين وعلمانيين في معتقل طرة، وفيها فكر ببدء الإضراب عن الطعام، كونه البديل عن الدعوات التي كان يتلقاها من الجهاديين للعمل معهم. وقال: "يجردك السجانون من حريتك، ويمرغون كرامتك بالأرض، ويتأكدون من نزع كل ما لديك من إرادة، ولكن الإضراب عن الطعام يعطل هذا كله".
ويضيف سلطان للصحيفة أن شقيقه تلقى النصح من عائلات المعتقلين الفلسطينيين، الذين يقومون بالإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وبناء على نصائحها توقف سلطان عن تناول الوجبات الغذائية، وبعد ذلك المواد التي تحتوي على الكربوهيدرات، ومن ثم اللبن والأجبان، وذلك على مدار أشهر قبل آن يعلن إضرابه عن الطعام في 26 كانون الثاني/ يناير 2014.
ويكشف التقرير عن أن سلطان لم يتناول سوى الماء، الذي كان يضيف له الملح في بعض الأحيان، وتناول الفيتامينات التي زودته بها عائلته. وبعد 15 يوما بدأ، كما يقول، يفقد الوعي، واستمر لفترة طويلة منذ 23 آذار/ مارس. وكانت سلطات السجن تنقله إلى المستشفى لتزويده بالجلوكوز والأملاح عبر الشرايين لإعادة الوعي له.
وتذكر الصحيفة أن عددا من السجناء حاولوا الإضراب عن الطعام في ذلك العام، لكن سلطان أعلن عن إضرابه في رسالة مفتوحة، تحدث فيها عن طفولته في ولاية أوهايو، وقد نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز".
ويوضح التقرير أن سلطات السجن وضعت سلطان في سجن انفرادي بالمستشفى، وفي غرفة لا نوافذ لها. وبعد أيام انهار وأخذ يضرب رأسه بالباب الحديدي، حتى نزف الدم واحتاج إلى عناية طبية. وبدأت سلطات السجن بتشجيعه على قتل نفسه، بحسب قوله. وكان الحراس يدخلون الشفرات من تحت الباب، أو يتركون الأسلاك الكهربائية عارية. ويقول إن مسؤولا في السجن يدعى محمد علي قد قال له: "خلصنا منك ومن وجع الدماغ". ويقول الكاتب إنه قد طلب من الناطق باسم وزارة الداخلية التعليق على ذلك، إلا أنه لم يستجب.
وتردف الصحيفة أنه بعد ذلك بدأت السلطات بحرمان سلطان من النوم، فقد ظل مستيقظا طوال الليل بسبب الصرخات التي كانت تنطلق خارج غرفته. وبعد ذلك عرضوه للضوء المباشر على مدار 24 ساعة، وأخيرا وضع الحراس في غرفته مصباحا وميض إضاءاته متقطعة تشبه تلك المنبعثة من الصواعق لم يتمكن بسببه من النوم لمدة ثلاثة أيام، وردا على ذلك رفض هو السماح لأطباء السجن بقياس ضغطه ودرجة حرارته ونبض قلبه ومعدل تنفسه، ويقول إن الحرس قيدوه للكرسي وضربوه حتى يستسلم.
ويورد الكاتب أنه في شهر كانون الثاني/ يناير، وبعد أحد عشر شهرا من بدء إضرابه عن الطعام، أقنعته شقيقته هناء بأن الدبلوماسية الأمريكية بدأت في إنجاز شيء ما، فانتقل من لحظتها إلى "الإضراب المبلول"، الذي يتضمن تناول اللبن ومشتقاته من الزبادي.
ويتطرق التقرير إلى أن سلطان يتذكر كيف قام حرس السجن وممرض بنقل سجين من المستشفى اسمه رضا، ورموه في الغرفة وطلبوا منه العناية به، وبعد ذلك بدأ رضا بالصراخ من الألم، وبدأ سلطان بقرع الباب طلبا للمساعدة ولكن السجين مات، ولم يفتح الحرس الباب إلا في منتصف اليوم التالي. وبرر الحراس عدم فتحهم الباب بالقول: "لم تقرع الباب بقوة"، ولاموه على وفاة السجين بقولهم له: "تركته يموت، لماذا فعلت هذا كله"، مع أن رضا كان يعاني من السرطان وفي مراحله الأخيرة، كما أخبره الطبيب لاحقا. ويقول سلطان: “ما أزال أعاني من الكوابيس بسبب تلك الحادثة حتى الآن".
وتبين الصحيفة أن أصدقاءه الثلاثة الذين اعتقلوا معه ما يزالون يقضون حكما بالسجن مدى
الحياة. أما أبوه فصدر بحقه حكم بالإعدام وينتظر التنفيذ.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن سلطان يقول إن الإضراب عن الطعام ليس الوسيلة المنطقية للاحتجاج، ولكن في السجن، وفي ومصر بالتحديد، فإن كل شيء يحكم بالقوة، ويضيف: "يستطيعون فعل ما يريدون، وهم ليسوا بحاجة للقيام بأعمال عقلانية".