حذر الإعلامي
المصري، إبراهيم عيسى، مما اعتبره "خصخصة
العنف"، مشيرا إلى أنه "بدلا من أن تحتكر الدولة العنف لفرض النظام، وتطبيق القانون، إذ بها تخصخص هذا العنف، وتمنح حقه لجهات وجماعات مجلوبة منها، لاستخدامها ضد المعارضين، كي يبدو (هؤلاء والمعارضون) في صراع أهلي"، مؤكدا أن ذلك "لعب وضيع بالنار".
وجذب عيسى الانتباه إلى أن المذيعين واللجان الإلكترونية والبلطجية والمسجلين خطرا، كانوا هم سلاح نظام (الرئيس المخلوع) حسني مبارك في الأيام العشرة الأخيرة لحكمه، مؤكدا أن هذه الظاهرة، والاستعانة بها، كسلاح ضد المعارضين، "تنطق حضورا وفجورا منذ اقتحام نقابة الصحفيين، وحصارها".
ويذكر أن النقابة تتعرض منذ مظاهرات 15 نيسان/ أبريل الماضي، لحصار شديد من قبل قوات الأمن، ويساعدها في ذلك من يطلق عليهم في مصر لقب "المواطنون الشرفاء"، وهم جماعة من البلطجية والمسجلين خطرا والنساء "السريحة"، والباعة الجائلين، ممن تستعين بهم وزارة الداخلية في حصار النقابة، والاعتداء على الداخلين إليها، والخارجين منها.
ولم ينج من تلك الاعتداءات مؤسس "التيار الشعبي" حمدين صباحي، ورئيس مجلسي تحرير وإدارة "الأخبار"، ياسر رزق، والمتحدث السابق باسم جبهة الإنقاذ خالد داود، وغيرهم من الصحفيين، فضلا عن أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان (هيئة حكومية) لدى زيارتهم للنقابة، والتقائهم بأعضاء مجلس نقابتها.
وأشار عيسى - في مقاله بجريدة "المقال"، التي يرأس تحريرها، الأحد، تحت عنوان: "خصخصة العنف"، إلى أنه "كان المذيعون واللجان الإلكترونية والبلطجية والمسجلون خطرا هم سلاح نظام مبارك في الأيام العشرة الأخيرة لحكمه".
وأضاف: "المسجلون خطرا والبلطجية تم تسريحهم وإطلاقهم في الشوارع بعد ساعات من جمعة الغضب في 28 يناير 2011، وأمر وزير الإعلام قنواته ونشراته ومحطات رجال الأعمال ومقدمي برامجهم الذين أخلصوا حتى العته في تنفيذ التعليمات، برفع درجة الفزع وتضخيم الفوضى واختراع الحوادث وتلقي المكالمات الهاتفية المفبركة واستحضار بعض الفنانين ولاعبي الكرة ومشاهير الغوغاء التليفزيونيين من أنصاف المتعلمين ومن عتاة الجهل ومحترفي النفاق، للتهجم على المتظاهرين وبث الأكاذيب على معتصمي ميدان التحرير، ولعن الأجانب واتهام كل أجنبي في مصر بأنه يحيك مؤامرة في البلد ويمول ويدفع ويخطط للمتظاهرين من أجل إسقاط النظام".
وتابع عيسى: "هذا العبث الهرائي الذي كان مرميا على عقول وأسماع المصريين أفلح في جانب كبير منه وقتها في استنفار ما أطلق عليه لجان الحماية الشعبية، وكان - ولعله يزال - الكثيرون يتحدثون عن هذا الاختراع باعتباره فخرا وعلامة بطولة شعب، بينما في الحقيقة الظاهرة التي تفشت وانتشرت في أيام الثورة كانت واحدة من علامات انهيار الدولة، ومن المخاطر الجمة التي ظهرت نتائجها السلبية بعدها وحتى الآن، حيث قيم العنف والعدوان والنزوع لأخذ الحقوق بالبلطجة وبالخلاص الفردي وبالاستخفاف بأمان الناس والاعتداء على الخصوصية".
وأردف الكاتب: "كانت لجان الحماية الشعبية مجموعات من سكان كل شارع أو منطقة، خصوصا شبابها ورجالها، يتجمعون معا مزودين بأسلحة خفيفة، تبدأ بالعصي والشوم وتنتهي بالسكاكين والسيوف والمسدسات في زوايا ومداخل المنطقة السكنية، ويصنعون متاريس من الحجارة أو الخشب والبراميل وإطارات السيارات أو بأجسادهم، ويستوقفون أية سيارة عابرة أو أي عابر سبيل لاستجوابه والتأكد من شخصيته حتى يسمحوا له بالمرور".
واستطرد: "الغريب أن هذه اللجان التي تشكلت بدعوات تليفزيونية تحولت إلى حدث يومي عشوائي وعدواني وعصبي، وجعلت من مئات بل آلاف المواطنين يتمثلون أدوار الشرطة، فاستحضروا كل عدوانية الشرطة وبطشها وأساليب الاستجوابات الخشنة والمعاملات الفظة، ودعت كل واحد فيهم لتصور نفسه قائدا حاميا وحارسا مانعا، مع افتقاد هؤلاء إلى كل المقومات اللازمة لهذه المهمة ما عدا النوايا والتبجح".
وشدد عيسى على أن "الثابت أن هذه اللجان التي انتشرت في شتى أنحاء مصر، وتكثفت بهوس مبالغ فيه في القاهرة والإسكندرية، منحت كل فتوة أو شبيح أو عدواني، فرصة للادعاء بأهميته وممارسة ساديته شرعيا، وقد تطورت هذه الظاهرة أيام حكم المجلس العسكري إلى جموع المواطنين "الشرفاء"، حيث مظاهرات العباسية والاعتداء على الإعلاميين والسياسيين قولا وفعلا (في ما بعد قال المشير طنطاوي عقب أحداث استاد بورسعيد: هي الناس ساكته عنهم ليه؟ وكان السؤال وقتها: أي ناس كان يقصد وساكته عن مين؟)، ثم تراجعت هذه الظاهرة أمام توحش السلفيين والإخوان، فلما تراجعت قوة التيار الإسلامي مؤخرا عادت إلى عنفوانها، وظلت محمية، ومحصنة، ومدارة من الأجهزة الأمنية".
ووصف عيسى ذلك قائلا: "هي ولا شك خصخصة العنف، بدلا من أن تحتكر الدولة العنف باعتبارها الكيان المخول له استخدام القوة لفرض النظام وتطبيق القانون، إذ بها تخصخص هذا العنف وتمنح حقه لجهات وجماعات مجلوبة منها ومصنوعة على يديها لاستخدامها واستغلالها ضد المعارضين، فلا تبدو هي المعتدية، بل هم المواطنون أنفسهم في صراع أهلي، إنه لعب وضيع بالنار".
واستدرك عيسى بالقول: "لكن النظام وقتها (وحتى الآن كما هو واضح) أراد من هذه الظاهرة ثلاثة أهداف: الأول: تضخيم وتعميم الإحساس بالفوضى، والانفلات الأمني، والثاني: الإلهاء عن المشاركة في المظاهرات، ودفع الناس للاستغراق في حماية أنفسهم من اللصوص بدلا من توجيه غضبهم إلى النظام".
وأضاف أن الهدف الثالث هو "تحميل مسؤولية الفوضى وأسبابها وذرائعها على المتظاهرين لتصب في ما يتمناه، ويأمله النظام، وهو أن يربط الناس بين الثورة والفوضى من جهة، وبين الاستقرار والرئيس من جهة أخرى".
وتابع: "ربما خال (ويخيل) هذا بالفعل على المواطنين، وتحقق (ويتحقق) شيء من كل هدف عند قطاعات من الناس، لكن تصميم ملايين المصريين الآخرين الذين حافظوا على وعيهم من التلوث والتضليل أجهض نجاح الخطة".
وشدّد عيسى، في إشارة واضحة إلى نظام حكم السيسي، على أنه "من الواضح جدا أن هذه الخطة هي الوحيدة التي يملكها أي نظام يحكم مصر، ويلجأ إليها بتفاصيل أكثر أو أقل كلما استشعر خطرا".
واختتم مقاله: "ها هي (الخطة) تنطق حضورا وفجورا منذ اقتحام نقابة الصحفيين، وحصارها".
يذكر أن الإعلامي إبراهيم عيسى موال لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ويرى محللون أنه كان حتى وقت قريب الذراع الإعلامي الأول لنظامه، لكنه دأب في الفترة الأخيرة على توجيه النقد اللاذع إلى هذا النظام، ووقف إلى جانب مجلس النقابة في موقفه المطالب باعتذار السيسي، وإقالة وزير داخليته، على خلفية اقتحام النقابة من قبل قوات أمنية يوم الأحد 1 أيار/ مايو الحالي، والقبض على الزميلين عمرو بدر، ومحمود السقا، من داخلها.