لم تصبح قضية تيران وصنافير مجرد قضية أرض يريد النظام أن يفرط أو يتنازل عنها لآل سعود، ولكنها امتدت لأبعاد مختلفة أرى أن كل منها أخطر من الآخر. بعد خطير يتعلق بالضرب بعرض الحائط بأحكام القضاء وعدم الاعتداد بها من قبل السلطة التنفيذية والتشريعية في آن واحد، وأخطرها تصريحات رئيس المجلس الخطيرة عن الإعلان عن عدم الاعتداد بأي حكم يصدر بخصوص هذه الاتفاقية لا بحكم القضاء الإداري ولا بالحكم المنتظر من المحكمة الدستورية ويعتبر هذا تهديد خطير للنظام السياسي وقواعده. وأن عدم تنفيذ الأحكام خطيئة كبرى وانتهاك للشرعية الدستورية تنشر الإحساس أنه لا قيمة للدستور وتكون بمثابة مقدمة حتمية للفوضى.
البعد الخطير الآخر يتعلق بالبرلمان نفسه فقد أدار جلسات النقاش بطريقة عشوائية جدا متسرعة غير منظمة، فبين نواب يعلنون أن التصويت مزور وأن ما نشر على مواقع التواصل غير حقيقي وبين نواب لم يحضروا الجلسة من الأساس وظهر تصويتهم في محاضر الجلسات وبين خبراء يتم إهانتهم من قبل الأعضاء وتوجيه التهم لهم؛ لأنهم لديهم رأي مخالف عنهم، وبين أعضاء ينتقدون الجلسة ويصرحون على مواقع التواصل أن «هناك أوراق عديدة أمام رئيس المجلس وطلبات للتحدث ولكنه بشكل مفاجئ أنهى الجلسة وأعلن موافقة المجلس على الاتفاقية». هكذا تدار السلطة التشريعية في قضية من أهم القضايا التي ممكن أن تناقش في أي برلمان لأي دولة وهي «قضية أرض الوطن»! والأخطر من ذلك أن أعضاء البرلمان لم يطلعوا أصلا على فحوى هذه الاتفاقية!
***
بعد خطير يتعلق بأن الاعتراض على الاتفاقية لم يقتصر على الشباب أو الأحزاب المعارضة بل امتد إلى أن يصل لرجال الدولة السابقين ومنهم العسكريين والذين أصبحوا غير قادرين على تحمل مسلسل الصمت فاعربوا عن رفضهم للاتفاقية وكل إجراءات النظام المصاحبة بهذه الاتفاقية، ولم تحميهم عسكريتهم السابقة من التخوين فقد أطلق بعض المطبلاتية في الصحف الأمنية سهامهم تجاههم وواصفوهم بالطامعين في السلطة، فقد عمت مصالح المؤيدين لبيع الأرض أعينهم. فأصبح من أبرز الأمور وأخطرها في هذه القضية تهم التخوين لكل من يخالف الرأي.
من جهة أخرى استقال النائب محمد فؤاد اعتراضا على الطريقة التي أديرت بها مناقشة الاتفاقية داخل البرلمان وعلى الموافقة على الاتفاقية. ويدرس أعضاء تكتل ( 25 – 30 ) الاستقالة في حالة توقيع رئيس الجمهورية على الاتفاقية. وأنا أنصح أن لا يستقيل الأعضاء خاصة هؤلاء الذين يعبرون عن الصوت المختلف داخل المجلس.
فنحن بصدد أزمة كبرى تهدد وجود السلطة التشريعية بجانب الخلاف الواضح بين موقف السلطة القضائية والتشريعية. مع تطور الحراك الشعبي الرافض لهذه الاتفاقية والتفريط في الأرض ليشمل بيانات مختلفة صادرة من النقابات مثل نقابة الأطباء والمهندسين والسينمائيين، مع دعوة الأحزاب السياسية الرافضة لهذه الاتفاقية إلى بعض الوقفات والاعتصامات السلمية للتعبير عن رأيهم وقد قبلت مثل هذه الدعوات باعتداء أمني وحشي سواء كان على سلالم نقابة الصحفيين أو أمام مقرات الأحزاب، بالإضافة إلى اعتقال مئات الشباب من شباب الأحزاب لدرجة أن أحد المحبوسين هو أمين التنظيم بالحزب المصري الاجتماعي الديمقراطي، وهذا مؤشر خطير عن دور الأحزاب والتهديد الذي سيواجههم في المرحلة القادمة، وهذا الاعتقال لم يكن من الشارع ولكن تطور تطورا خطيرا ليرجع الزمن بنا لزوار الفجر وأخذ العاطل مع الباطل؛ فالشباب الذين تركوا السياسة نهائيا منذ سنوات لم يعفهم هذا من وقعوهم في القبضة الأمنية الشرسة المسعورة الذي نشهدها الآن.
***
لدينا على الجانب الآخر ظاهرة ما يسمى «بحجب المواقع الإخبارية» وحصر الحجب على المواقع الإخبارية التي تنشر وبشكل واسع كل الأدلة والمستندات التي تثبت مصرية الأرض، ووقف طباعة عدد من جريدة الصباح لمجرد أن الغلاف يقول «الأرض مصرية».
فهل هذا يمثل رد فعل من نظام خائف من أن تصل معلومة مخالفة لما يريد ترويجه لجموع الشعب من خلال قنواته الإعلامية التي تدار بالأذرع الأمنية!
وأثناء هذه الحملة الأمنية القمعية لكل من يرفع صوته بمصرية الأرض نفاجئ بقرار مفوضي الدستورية بعد أن وافق البرلمان على الاتفاقية جاء فيه
:
«أوصت هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار طارق شبل بعدم قبول منازعتي التنفيذ المقامتين من هيئة قضايا الدولة الخاصتين بالأحكام الصادرة من مجلس الدولة والأمور المستعجلة حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية
الخاصة بجزيرتي تيران وصنافير.
وقالت هيئة المفوضين إن الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، وأيدته المحكمة الإدارية العليا لا يخالف 8 أحكام صادرة من المحكمة الدستورية العليا تتعلق بأعمال السيادة.
وأوضحت «الهيئة» أن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية مختلفة «لأنها فصلت في نصوص قانونية وحكم تيران وصنافير لم يتعرض لها نهائيا، وبالتالي فأحكام مجلس الدولة صحيحة ونافذة وغير متعارضة مع أحكام الدستورية».
وحددت المحكمة الدستورية جلسة 30 يوليو المقبل، لنظر القضية.
فتتعقد القضية مرة أخرى بين مسارات قضائية رافضة للاتفاقية ومسارات أمنية موافقة وقامعة لكل من رأى مصرية الجزر.
فماذا لو تم تسليم الجزر للسعودية قبل جلسة 30 يوليو التي حددتها الدستورية؟ وماذا لو حكمت الدستورية برفض الاتفاقية بعدم التسليم؟
***
أرى أن هذا الموضوع بأكمله يقع في صالح إسرائيل والذي يؤكد ذلك تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي حيث إنه اعتبر تسليم الجزيرتين للسعودية انتصارا لإسرائيل يستحق تهنئة جيشه عليه. ونريد أن نتساءل أيضا لماذا ناقشت هذه القضية بسرية واستئنافها أواخر 2015!! إلى جانب 11 % فقط من المصريين يرون أن الجزر سعودية حسب استطلاع مركز بصيرة.
فلم يشهد التاريخ أن دولة تنازلت عن أرضها، واستماتت بهذا الشكل في تسليمها للآخر والتنازل عن قيمتها الاستراتيجية والعسكرية بهذا الشكل!.
وفي آخر الأمر نردد ما قاله مصطفى كامل «أن من يفرط في حقوق بلاده ولو مرة واحدة يبقى أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان».
صحيفة الشروق