نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على
دراسة أجراها خبير أمريكي في الجرائم، تعنى بالنظر في ظاهرة
الشهادات الخاطئة في ما يتعلق ببعض الجرائم. فقد تبين أن 70 بالمائة من
المحكومين يقبعون في
السجون بناء على شهادات غير موثوق في صحتها.
وتطرقت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إلى حادثة تلميذة، تدعى إيريكا، وتبلغ من العمر 16 سنة، تعرضت لمحاولة اغتصاب سنة 2004، عندما كانت في طريقها إلى بيت صديقتها من قبل شاب. وبعد اقتيادها إلى غابة بمدينة سان دييغو الأمريكية، تمكنت إيريكا من الإفلات من قبضة هذا الشاب، لتتلقى فيما بعد يد المساعدة من قبل سائق سيارة.
وأكدت أن شهادة إيريكا وسائق السيارة بشأن أوصاف المتهم على غرار طوله وعمره، فضلا عن لحيته، كانت متطابقة مع البنّاء، أورياه كارتني. وللتعرف على الجاني، قدم المحققون لإيريكا وسائق السيارة صورا لستة رجال من بينها صورة كارتني، الذي تعرف عليه الشاهدان منذ الوهلة الأولى. وفي هذا الصدد، قالت إيريكا أثناء مثولها أمام المحكمة: "لن أنسى ملامح الجاني". في المقابل، تشبث كارتني ببراءته. وفي نهاية المطاف، أصدرت المحكمة حكما يقضي بسجن المتهم مدى الحياة.
والجدير بالذكر أن نتائج التحليل الجيني قد أثبتت بعد ثمانية سنوات أن آثار الحمض النووي المتبقية على ملابس التلميذة تعود إلى شخص آخر يقطن بالقرب من مسرح الجريمة. وتبعا لذلك، أطلق سراح كارتني بعد أن قضى ثماني سنوات في السجن.
وأوضحت الصحيفة أن معظم الشهود في الغالب يكونون واثقين من معلوماتهم بشأن هوية الجناة حتى وإن كانت خاطئة. وفي هذا السياق، أجرت لجنة من الخبراء مختصة في الجرائم دراسة حول أسباب الشهادات الخاطئة وكيفية تفادي ذلك.
وفي سياق متصل، أفاد رئيس لجنة الخبراء لدى جامعة سالك في ضاحية لاهويا بولاية كاليفورنيا، توماس أولبرايت، في لقاء مع مجلة "بروسيدنغز" التابعة للأكاديمية الأمريكية للعلوم بأن 350 شخصا أدينوا على الرغم من براءتهم. وأردف أولبرايت بأن "مئات الأبرياء قضوا العديد من السنوات خلف القضبان، بينما ينعم الجناة الحقيقيون بالحرية في الخارج ويواصلون ارتكاب الجرائم".
وأوردت الصحيفة أن التقرير الذي أصدرته لجنة الخبراء قد أثبت أن أغلب الشهادات الخاطئة تُعزى بالأساس إلى طريقة تفكير الدماغ البشري، فضلا عن عوامل خارجية على غرار عدم وضوح الرؤية نتيجة الضباب أو الظلام. علاوة على ذلك، يمكن أن تعيق تحركات الجاني عملية التعرف عليه.
وبينت أن هذا الأمر انطبق على إيريكا التي لم تتمكن من رؤية الجاني بشكل واضح نظرا لأنه كان يمسكها من الخلف. وفي هذا الصدد، أورد أولبرايت أنه على المحكمة أن تأخذ هذه العوامل الخارجية بعين الاعتبار للتثبت من مدى صحة روايات شهود العيان.
وذكرت الصحيفة أن العقل البشري يميل إلى تعبئة الفراغات التي قد تتولد داخله على خلفية تعرضه لصدمة أو اضطراب ما من خلال انطباعاته الخاصة، وذلك عن طريق اللجوء إلى الافتراضات والتجارب السابقة والأحكام المسبقة. وينطبق هذا الأمر على الشهود خلال عملية سطو على بنك، على سبيل المثال، حيث يؤكد أغلب الشهود أن الجاني يحمل سلاحا حتى وإن كان ذلك منافيا للحقيقة.
وفي هذا السياق، أفاد توماس أولبرايت بأن "هناك قناعة راسخة لدى الإنسان تحيل إلى أن أغلب سارقي البنوك يحملون سلاحا". وتجدر الإشارة إلى أن المحققين قد عرضوا على إيريكا وعلى سائق السيارة صورا لستة أشخاص من بينهم شخصان ملتحيان، ولكن لحية أورياه كارتني كانت أكثر بروزا.
وأفادت الصحيفة بأن عملية التقييم الذاتي لا يمكن اعتبارها دليلا على صحة
إفادات الشهود، وفقا لما ورد على لسان أولبرايت، حيث إن الشهود يلجأون مع الوقت إلى الإدلاء بمعلومات استقوها من أصدقائهم أو عن طريق الصحافة دون أن يكونوا قد تعرضوا بالفعل لها. وفي هذا السياق، شدد أولبرايت على ضرورة أخذ أول شهادة أمام المحكمة بعين الاعتبار نظرا لأنها الشهادة الأكثر قربا للحقيقة.
وفي الختام، نقلت الصحيفة وجهة نظر توماس أولبرايت الذي أكد على أهمية الانتباه إلى الأدلة العلمية عند الإدلاء بأي شهادة أمام المحكمة نظرا لأن ذلك يتيح للمسؤولين إمكانية تقييم مدى صدق الشاهد وصحة ما يقوله. وبالتالي، فإنه يمكن تجنب الوقوع في أخطاء قضائية.