البعض يرى فيه رجلا ثريا مترفا أكثر منه زعيما، ويقارن الكاريزما التي يملكها مع من سبقوه من زعماء الطائفة السنية في لبنان، أمثال، رشيد وعمر كرامي وسليم الحص ورياض الصلح ورفيق الحريري وحتى فؤاد السنيورة، منتقدين أنه لا يتساوى معهم.
وتقول معظم التقارير بأنه رجل "شبه مفلس"، ويعيش مأزقا ماليا لا يترك أمامه سوى خيارات سياسية ومالية ضيقة جدا، قد تنتهي بتنحيته رسميا من زعامة الطائفة السنية في لبنان، وخروجه نهائيا من المشهد السياسي.
سعى دائما، دون جدوى، ليقنع الجميع أنه ابن أبيه، ولم تسمح له السياسة بذلك، ولا حتى الاقتصاد والمال.
ولد وكبر في عالم الأعمال والاستثمار، ولم يشتغل بالسياسة في حياته، لكن اغتيال والده رفيق الحريري في تفجير موكبه ببيروت في شباط/ فبراير عام 2005 وضعه في مركز القيادة، ليصبح أحد أهم أقطاب السياسة اللبنانية، وممثلا للطائفة السنية، ربما بالضرورة، وليس بالاختيار، وفق ما يراه كثيرون.
سعد الدين رفيق الحريري، المولود في السعودية عام 1970 حيث كان يعمل والده، وحصل على الجنسية السعودية عام 1978، حاصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة "جورج تاون" في واشنطن.
وشغل في الفترة ما بين عامي 1994 و1998 منصب المدير التنفيذي "لشركة سعودي أوجيه"، كما أنه يرأس اللجنة التنفيذية لشركة " أوجيه- تلكوم"، وهو كذلك رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة "أمنية هولدنغز"، ومساهم كبير في شركات "أوجيه الدولية" و"مؤسسة الأعمال الدولية" و"بنك الاستثمار السعودي" و"مجموعة الأبحاث والتسويق السعودية" و"تلفزيون المستقبل".
دخل إلى السياسة بعد اغتيال والده، وشكل ما يعرف باسم تحالف "14 آذار"، وهو التحالف الذي قاد ما عرف باسم "ثورة الأرز" التي كان من نتائجها خروج الجيش السوري من لبنان.
وتلا ذلك انتخابه نائبا في البرلمان في عام 2005 عن دائرة بيروت الأولى الذي كان يشغله والده في الدورات السابقة، واستطاع أن يحصل على أكبر كتلة نيابية في هذه الدورة.
وأعيد انتخابه لدورة البرلمان لعام 2009 عن دائرة بيروت الثالثة، واستطاع مع حلفائه في تحالف "14 آذار" الحصول على الأكثرية النيابية لدورة نيابية جديدة.
كلفه الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان بتشكيل الحكومة، وبعد شهرين ونصف من تكليفة بتشكيل الحكومة، قدم إلى الرئيس ميشال سليمان تصورا للحكومة، إلا أن المعارضة رفضت هذه التشكيلة، فأعلن اعتذاره عن مواصلة مشاوراته.
لكن رئيس الجمهورية عاد وكلفه بتشكيل الحكومة من جديد، واجهت حكومته صعوبات عديدة، خصوصا بعدما بدأ يقترب صدور "القرار الظني" بجريمة اغتيال رفيق الحريري، وإصرار وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" على طرح موضوع "شهود الزور" بالقضية وطلب إحالتهم للمجلس العدلي.
وأدى كل ذلك إلى إعلان وزراء "تكتل الإصلاح والتغيير" و"حركة أمل" و"حزب الله" في كانون الثاني/ يناير عام 2011، استقالتهم من الحكومة بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري إلى طريق مسدود.
وأدت استقالة الـ11 وزيرا إلى فقدان الحكومة لنصابها الدستوري، وبالتالي اعتبارها مستقيلة.
بعد سقوط حكومته، غادر سعد الحريري لبنان عام 2011، ليعيش في المنفى الاختياري متنقلا بين فرنسا والسعودية.
ورغم أن لبنان في ظل حكومة نجيب ميقاتي، الحكومة التي أعقبت حكومة الحريري، اتخذت موقف النأي بالنفس بشأن "الثورة السورية" التي اندلعت عام 2011، فقد كان سعد الحريري مساندا لها إعلاميا وسياسيا.
ومع مغادرته بيروت، ترك الحريري كرسي الزعامة السنية فارغا، مسهلا استهداف الطائفة من سوريا وحلفائها في لبنان، ومتيحا الفرصة لقوى سنية أخرى أن تملأ الفراغ والجلوس على كرسي الزعامة الخالي.
الحريري (الأب) مر بأزمات مالية بعد انتخابات عام 1996، وانتخابات عام 2000، ولم يترك بيروت، وغاب عن الحريري (الابن) أن الحريري ( الأب) في ذروة تعرضه للخطر بعد التمديد للرئيس إميل لحود، وقال لمسؤولين عرب نصحوه بمغادرة لبنان لبعض الوقت: "لست أنا من يبقى في زمن الرخاء ويهرب في زمن الخطر.. الوطن ليس فندقا".
الحريري (الابن) عاد في آب/ أغسطس عام 2015 إلى لبنان بشكل مفاجئ في ظل فراغ موقع رئاسة الجمهورية بعد انتهاء فترة الرئيس ميشيل سليمان، واستقطاب حاد في الساحة اللبنانية.
وفي إطار "صفقة تسوية" أدت إلى انتخاب ميشال عون، المتحالف مع "حزب الله" وسوريا، رئيسا للبنان، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016، كلف الحريري بتشكيل حكومة جديدة بعد تأييد معظم النواب والكتل البرلمانية، وشكّل الحريري حكومته الثانية بعد 40 يوما من التكليف.
في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، توجه الحريري في زيارة مفاجئة إلى السعودية، ليعلن من الرياض استقالة حكومته في كلمة متلفزة، مما سبب صدمة في لبنان على المستويين الشعبي والسياسي.
وهاجم الحريري في كلمته إيران و"حزب الله" مباشرة، معتبرا أن الأجواء في لبنان تشبه الأجواء التي سبقت اغتيال والده رفيق الحريري، واعتبر أن إيران "لم تضع يدها في أي مكان في الوطن العربي إلا وحل فيه الخراب والدمار"، وأن "حزب الله أصبح يوجه سلاحه باتجاه اللبنانيين والسوريين واليمنيين بدل إسرائيل"، وأنه لمس "محاولة لاغتياله وإنهاء حياته".
وكان الحريري قد التقى قبل ذلك بيوم واحد، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، الذي أعلن من بيروت أن إيران "تحمي استقرار لبنان".
إعلان الحريري استقالته من الرياض وبقاؤه فيها، تزامن مع بدء حملة "مكافحة الفساد" التي أطلقتها السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بين سلمان، والتي شملت أوامر توقيف لعدد من كبار الأمراء، فضلا عن عشرات من رجال الأعمال والوزراء السعوديين السابقين، وثارت الشكوك بوضع الحريري قيد الإقامة الجبرية في الرياض.
ورجحت السلطات اللبنانية أن الحريري محتجز في السعودية، وقال مسؤول لبناني لـ"رويترز": "لبنان يتجه إلى الطلب من دول أجنبية وعربية الضغط على السعودية لفك احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري. نحن نعتبر أننا لم نتسلم الاستقالة بعد وسعد الحريري لا يزال رئيس حكومتنا".
من جهة أخرى، نفى وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير ما قيل حول إجبار السعودية للحريري على الاستقالة، وحمَّل "حزب الله" مسؤولية الأزمة السياسية في لبنان.
وقال في حديث لشبكة "سي إن إن" إن "حزب الله" دفع الحريري للاستقالة "بأفعاله وباختطافه العملية السياسية في لبنان، وبتهديده الزعماء السياسيين"، وأن الحريري يمكنه مغادرة المملكة في أي وقت.
لكن صحيفة صحيفة "الأخبار" المقربة من "حزب الله" قالت إن السعودية تريد من عائلة رفيق الحريري، اختيار الشقيق الأكبر بهاء الدين رفيق الحريري، بدلا من أخيه سعد.
ونقل وزير العدل اللبناني السابق اللواء أشرف ريفي قوله إنه تلقى معلومات بأن ولي العهد السعودي استدعى بهاء الحريري إلى الرياض، وأبلغه بأنه سيتزعم "تيار المستقبل" بدلا من شقيقه.
وبحسب "الأخبار"، فإن السفير السعودي في بيروت، وليد اليعقوبي، اتصل بأفراد من عائلة الحريري، وأبلغهم بضرورة الذهاب إلى السعودية لمبايعة بهاء زعيما للتيار.
وذكرت الصحيفة أن سعد الحريري، وافق على مبايعة شقيقه، مقابل إطلاق سراحه من قبل السعودية، والانتقال إلى أوروبا للعيش بعيدا عن السياسة، وتسوية ديون الدولة السعودية على "شركة سعودي أوجيه" المفلسة.
على أن يتوجه سعد الحريري إلى بيروت لإعلان الاستقالة من القصر الجمهوري، ومبايعة شقيقه بهاء في رئاسة "تيار المستقبل"، ومن ثم المغادرة إلى أوروبا، بحسب "الأخبار".
ولا يبدي بهاء أية ممانعة في أخذ مكان شقيقه، فهو الابن الأكبر في العائلة، وولد في عام 1966، وكان يدير قسم من أعمال عائلته المتوزعة في مختلف القطاعات الاستثمارية وفي عدة بلدان حول العالم.
بهاء خريج "جامعة بوسطن"، عمل بعد تخرجه في السعودية في مجال الهندسة والعمارة في "شركة سعودي أوجيه" التابعة للعائلة، ثم تركها لينشئ عمله الخاص لكنه بقي يساهم في الجانب التنفيذي للشركة.
وهو أيضا رئيس "شركة العبدلي" في الأردن لبناء الوسط التجاري في العاصمة عمان. كما أسس "شركة هورايزون للمشاريع الإعمارية" في لبنان. وكان قد عمل في إدارة مصرفين مهمين تساهم فيهما العائلة وهما "البنك العربي" و"بنك البحر المتوسط".
ويعود تأسيس "شركة سعودي أوجيه" إلى عام 1979، حين اشترى رجل الأعمال رفيق الحريري (الأب) شركة "أوجيه الفرنسية" المتعثرة، ودمجها بإحدى الشركات الصغيرة التي كان قد أسسها قبل عام.
وأطلق على الشركتين المدموجتين اسم "سعودي أوجيه"، ومن خلال "الشركة"، نجح الحريري في التقرب من الحكام السعوديين، وكسب ثقتهم، ودخل من خلال "الشركة" المعترك السياسي اللبناني في ثمانينيات القرن الماضي، سواء أكان في فترة التحضير لإتفاق الطائف، أو بعد الإتفاق في مرحلة إعادة الإعمار ورئاسته الحكومة.
بعد اغتيال الحريري (الأب)، ورث سعد الحريري السياسة والشركة، وكانت الأحوال قد تغيرت والثروة قد قسمت، ومرت الشركة في أكثر من مطب وأزمة، وتحولت مع الوقت إلى عبء على السياسي الشاب، وتدهورت الأحوال إلى ما وصلت إليه اليوم، لمجموعة أسباب، منها الفساد الإداري ، حجم الاختلاسات، يضاف إلى ذلك عدم سداد الحكومة السعودية مستحقات هذه الشركة التي تبلغ نحو 8 مليارات دولار، والبعض يعيد عدم الدفع إلى أسباب سياسية.
مع خسارة "سعودي أوجيه" وفقدانه القوة المالية، وحاجته إلى تسوية مالية من الرياض، وضعفه في إدارة ملف العلاقة مع "حزب الله" وضع الحريري (الابن) أمام الاستقالة غير المتوقعة لكنها لم تكن مستبعدة، أمام عودة تبدو مستحيلة.