نشرت مجلة "
جون أفريك" الفرنسية افتتاحية بقلم مدير النشر في المجلة، مروان بن يحمد، تناول فيها موضوع الثروة الحقيقية في
الجزائر، التي تضم موظفي الدولة من ذوي الخبرات والكفاءات المستعدين لخدمة وطنهم.
وقالت المجلة في تقريرها الافتتاحي الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "لكل معسكر من المعسكريْن اللذين يتواجهان اليوم في الجزائر، وهما الشارع والسلطة، أسلحته الخاصة، وهو ما يجعل كثرة عدد وأمل المحتجين في مواجهة قوة وخداع النظام".
لكن المستقبل بين يدي طرف آخر، يتمثل في الكثير من الإطارات من ذوي الكفاءة وغير المُسيسين والصادقين والوطنيين القادرين على لعب دور مهم في الأحداث الحالية وهم موظفو الدولة الحقيقيون".
وأوضح بن يحمد أنه "كان يُعتقد أن الجزائريين سيستسلمون، في انتظار أن يتكفل الزمن بإصلاح الأمور، وأن تفرض الوفاة البيولوجية التغيير على رأس البلد.
لكن، ها هم يستفيقون اليوم فجأة ويحشدون أنفسهم بشكل جماعي لتسريع هذه الحركة. فضلا عن ذلك، كانت هناك خشية من انتشار العنف على نطاق واسع خلال المظاهرات الضخمة التي تعددت منذ أسابيع.
خلافا لذلك، أظهر المحتجون حسا مدنيا حقيقيا، كما تجلى وعيهم التام بمسؤولياتهم بشكل واضح. وهكذا، قدموا للعالم بأسره درسا، إذ لم يُكسر أي زجاج ولم تتدهور الأوضاع ولم يحدث أي اعتداء. نحن بعيدون كل البعد عن حركة "أصحاب السترات الصفراء" الفرنسية".
وأضافت المجلة أنه "بشكل مفاجئ، عبرت الجزائر والجزائريون عن الضغط المتراكم منذ فترة طويلة. وللمرة الثانية على التوالي منذ ظهور الاحتجاج الشعبي في 22 شباط / فبراير، اُجبر عبد العزيز
بوتفليقة ومحيطه الرئاسي على مضاعفة التنازلات.
ففي الثالث من الشهر الجاري، اقتُرحت إعادة انتخابه دون إكمال فترة ولايته الخامسة، ثم تنظيم مؤتمر "شامل"، قبل إجراء انتخابات رئاسية جديدة".
"كان هناك محاولة ثانية لاحتواء الوضع، تعود إلى تاريخ 11 آذار / مارس، تمحورت حول تأجيل الانتخابات الرئاسية والتخلي عن الترشح الجديد وتنظيم مؤتمر وطني لإصلاح النظام السياسي وتبني دستور جديد عقب تنظيم استفتاء.
ومن ناحيتهم، رد أغلب المحتجين بأن "هذا غير كاف. كنا نريد انتخابات دون بوتفليقة، فاقتُرح علينا بوتفليقة دون انتخابات".
اقرأ أيضا : بوتفليقة: الجزائر مقبلة على نظام حكم جديد بمشاركة الجميع
وأردفت المجلة أنه "من وجهة نظر خارجية، قد يبدو حل التسوية المقترح من طرف السلطة معقولا. لكنه يواجه عقبة صعبة تتمثل في غياب ثقة الجزائريين، الذين لا يؤمنون لا بصدق المشروع ولا بإخلاص الرجال المكلفين بتطبيقه.
ويعتبره البعض صفقة مغشوشة، بينما يظنه آخرون محاولة لربح الوقت. لم يعد الجزائريون قادرين على تحمل ما يُطلقون عليه اسم "الحُقرة" مطلقا، وهي المفردة التي تعني الاحتقار والإذلال والظلم معا.
وبالنسبة لهم، لا وجود لاختلاف بين الخطة الرئيسية، أي الولاية الخامسة لبوتفليقة، والخطة البديلة التي يتم الإعداد لها حاليا. ففي كلتا الحالتين، يعتقدون أنه يتم الاستخفاف بهم وبتطلعاتهم".
وتساءلت المجلة عن مآل هذه الأحداث، إذ "كيف ستصبح الجزائر دون بوتفليقة؟ في الواقع، ستكون المسألة متعلقة بإيجاد نوع من التوازن.
وكيف يمكن ضمان الموازنة بين إرضاء مطالب الشارع والحفاظ على مصالح الدولة؟ من جانبه، يفسر الأخضر الإبراهيمي، ذو الخبرة العالية في مجال إدارة أشد الأزمات خطورة، من أفغانستان إلى العراق مرورا بسوريا، أنه "نتفق جميعا على رفض الولاية الخامسة، لكن لا يُمكن أن يحدث التغيير في غضون يوم واحد. لا يُمكننا تحقيق تغيير جذري من خلال إقصاء جميع الإداريين والمسؤولين الحاليين، وإلا فستكون المحطة التالية هي الفوضى"".
"خلافا لذلك، يُطالب عدد من المحتجين اليوم بقلب النظام. وهل يُطالبون بإقصاء كل الذين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في فترة حكم بوتفليقة المطولة؟ في الواقع، يُعد هذا الأمر مبالغا فيه.
هل ينوي النظام إدارة الانتقال المعلن بطريقته الخاصة، تحت إشراف رجال من اختياره؟ في الحقيقة، لن يكون ذلك موفقا.
وبين هاتين الفرضيتين المتناقضين، هناك حل بسيط يحمل وعودا حالمة. ويعرف كل المحيطين علما بالشأن الجزائري أن هناك مجموعة من الأشخاص الأكفاء القادرين على لعب دور هام في الأحداث الحالية، تضم كل الممثلين غير المسيسين للإدارة الوسطى التي نجدها في الشركات والإدارة والجيش والمجتمع المدني والقضاء".
وتطرقت الصحيفة إلى أنه "عادة ما يكون هؤلاء الأشخاص لامعين وذوي تكوين جيد وصادقين ووطنيين يعيشون في منازل متكونة من ثلاث غرف في العاصمة الجزائرية أو في ضاحيتها.
ويتنقلون بواسطة السيارات الشعبية ويدرّسون أبناءهم في مدارس عمومية ويعالجونهم في مستشفيات حكومية أيضا.
ومن خلال إيلاء الأولوية لمصالح دولتهم على حساب مصالحهم الشخصية، لا علاقة لهم باللوبيات والفساد والمناصب العليا والقرارات الاعتباطية".
وفي الختام، بينت المجلة أن "موظفي الدولة يعتبرون الثورة الحقيقية في الجزائر. وللمرء أن يتساءل كيف يمكن أن يكون عددهم كبيرًا وكيف يمكنهم التضحية بأنفسهم في مثل هذا السياق الصعب، وفي ظل توقعات مستقبلية ضئيلة.
وفي الساحة الجزائرية، يتواجه كل من النظام والشارع. لكن، بطريقة عقلانية وفعالة، يمر مستقبل الجزائر عبر حشد مثل هؤلاء المناضلين مجهولي الهوية الذين يديرون شؤون البلاد منذ فترة بعيدة، على أمل ألا يتم نسيانهم".