نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا سلّطت من خلاله الضوء على تحذيرات رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، من احتمال مواجهة الجزائر لفراغ دستوري، معتبرا أنه من غير المعقول أن تدور أطوار المرحلة الانتقالية خارج مؤسسات الدولة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، يستنكر خطط ومحاولات بعض الأطراف الأجنبية، التي تمتلك بعض "السوابق التاريخية" مع الجزائر، لزعزعة استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء البلد الواحد من خلال شعارات بعيدة المنال ستقود البلاد نحو فراغ دستوري وستتسبّب في القضاء على مؤسسات الدولة.
ووفقا للدكتور في الجغرافيا السياسية، عدلان محمدي، تعتبر هذه التهمة في غاية الخطورة نظرا لأنه بينما لم يُحدّد قايد صالح هوية القوة الأجنبية المعنية فإن الإشارة إلى "السوابق التاريخية" لا تترك مجالًا للشك حيث تتجه الأنظار مباشرة نحو فرنسا.
وأفادت المجلة بأن رئيس أركان الجيش ليس الشخص الوحيد الذي يتبنّى ادعاءات مماثلة. وفي هذا الإطار، تؤكّد صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أن "الكرملين قد وجّه رسالة إلى فرنسا يدعو من خلالها باريس إلى عدم التدخل" في عملية تشكيل النظام الجزائري الجديد.
كما ذكر المصدر الإعلامي ذاته، أن فرنسا لن تأخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار لأن "الجزائر تكتسي أهمية كبرى" بالنسبة لها.
ونوّهت المجلة بأن جميع المختصين الذين اتصلت بهم "جون أفريك" يدعمون وجهة نظر قايد صالح، ويرفضون فرضية التدخل الفرنسي إذ يقرّون بأنه "لطالما كانت فرنسا مقربة من السلطة الجزائرية، ما يجعل من الصعب للغاية تخيل أنها ستدعم اليوم شعارات الشعب الجزائري. ومثل أي دولة أجنبية أخرى، لا تملك فرنسا أي مصلحة من تأييد الاحتجاجات الشعبية".
وأوردت المجلة أنه على إثر الإعلان عن تأجيل الانتخابات وتخلّي عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة في الحادي عشر من آذار/ مارس، أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذا القرار داعيًا إلى "مرحلة انتقالية تدوم لفترة زمنية معقولة".
وفي وقت لاحق، أشار ماكرون من خلال تغريدة على تويتر إلى أن قرار الرئيس بوتفليقة "يفتح صفحة جديدة للديمقراطية الجزائرية"، وهو ما أثار غضب الجزائريين.
وأضافت المجلة أن اتهامات قايد صالح تتناقض مع المواقف الرسمية الأخرى. وحيال هذا الشأن، قال عدلان محمدي إن "هذه الاتهامات لا تعكس تبنّي قايد صالح لاستراتيجية معينة بشأن الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، بل هي مجرد حملة دعائية.
بعبارة أخرى، يثير رئيس الأركان مسألة التلاعب الأجنبي من أجل تحريض الجزائريين على الخروج ومواصلة دعم "مطالبهم غير الواقعية".
اقرأ أيضا : الجزائريون يحتشدون بجمعة "لا للعودة إلى نقطة الصفر" (شاهد)
وذكرت المجلة أن التنديد بتدخّل "أطراف أجنبية" يعتبر أمرا مكررا في خطابات السلطة الجزائرية. ففي سنة 2015، وعلى خلفية الاشتباكات بين الأمازيغ والعرب التي أسفرت عن مقتل 22 شخصا في منطقة غرداية، استخدم أحمد أويحيى، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، الحجة ذاتها لتبرير هذا الصراع الدامي.
وفي كانون الثاني/ يناير 2015، خلال النقاش حول تطوير الغاز الصخري في الجزائر، اتهم وزير الطاقة آنذاك، يوسف يوسفي، الأطراف الأجنبية بالتحريض على الاحتجاج.
ونقلت المجلة عن الصحفي أكرم خريّف أن قايد صالح يوجّه أصابع الاتهام نحو فرنسا بالتحديد نظرا لأنها "هدف سهل"، علاوة على التاريخ المشترك بينها وبين الجزائر. في المقابل، تفتقر الخطابات التي تشير إلى التلاعب الفرنسي في الجزائر إلى الأدلة القاطعة.
وحسب خريّف: "ليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها مثل هذه الاتهامات فرنسا منذ بداية الاحتجاجات في الجزائر".
وتروّج شائعة لاحتمال مشاركة عملاء تابعين لوكالة الاستخبارات الفرنسية في اجتماع عقده كل من سعيد بوتفليقة، ورئيس جهاز المخابرات السابق محمد مدين، وسلف الرئيس بوتفليقة اليمين زروال.
وأوضحت المجلة نقلا عن الخبير السياسي نوفل الإبراهيمي الميلي أن "الدليل على أن السلطة الجزائرية تستهدف فرنسا بالتحديد يتمثّل في امتناعها عن تجديد تأشيرة مدير وكالة "فرانس برس" للأنباء في الجزائر، إيمريك فنسنو، الذي وجد نفسه مضطرا إلى مغادرة البلاد في التاسع من نيسان/ أبريل، أي موعد انتهاء صلاحية تصريح إقامته.
وحسب الميلي، "يعد قايد صالح قادرا على مواجهة مثل هذا النوع من المكائد لأنه يدرك تماما، بصفته قائدا للجيش، أن العلاقات العسكرية بين البلدين لن تنتهي أبدا".
وقد كان رد فعل السلطة الفرنسية إزاء طرد فنسنو من الجزائر جبانا إلى حد ما. فخلال مؤتمر صحفي، اكتفت وزارة الخارجية الفرنسية بالتذكير بالتزامها "بحرية الصحافة وحماية الصحفيين في جميع أنحاء العالم".
وفي الختام، بيّنت المجلة أن الميلي يعتقد أن مكانة قايد صالح تسمح له بتقييم أهمية تعاون الجيش الجزائري مع فرنسا. وعلى الرغم من أنه لم يجر أي زيارة عمل للأراضي الفرنسية، إلا أنه التقى بجميع الجنرالات الفرنسيين الذين قدموا إلى الجزائر، وهو لا يزال مقرّبا جدا من الضباط الفرنسيين.
إيكونوميست: بعد سقوط البشير وبوتفليقة.. من التالي؟
الموندو: الجنرالات والمواطنون.. هذه سيناريوهات الجزائر
لوب لوغ: هل تحاول الرياض وأبو ظبي إجهاض الثورة الجزائرية؟