حدّث فلا عجب.. قصّتان سيطرتا على اهتمام الأردنيين: الأولى تمثّلت بإيقاف تصوير مسلسل تلفزيوني لأنه يجسّد قيام مختار قرية بسرقة أراضي القرية! والثانية وهي الأهم؛ حول سيدة أردنية ذات 34 عاما صدر حكم بحقها بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ ثلاث سنوات، بتهمة إطالة اللسان على الملك!
يأتي هذا في الأيام الأولى لاحتفال الدولة بمرور مئة عام على تأسيسها.
وتفاصيل قصة
إدانة هذه السيدة الأردنية بإطالة اللسان على الملك أكثر إثارة، فالقصة بدأت بخلاف حول طريقة اصطفاف السيارة مع سيدة أخرى ذات 50 عاما؛ وصفها قرار المحكمة بإعلامية وسفيرة سلام! وما أدراك كيف نجحت سفيرة السلام باستفزاز السيدة الأخرى عندما قالت لها: "أنا بصف سيارتي أحسن منك ومن أبوك"! الأمر الذي أغضب السيدة لأبيها المتوفى منذ عشرين عاما، ثم ذهبت "سفيرة السلام" إلى مقارنة والد السيدة المتوفى بالملك، وقالت من باب الاستفزاز للأخرى بما معناه أن والدك تفصله درجة ويكون بمقام الملك على حد انفعالك، لترد عليها السيدة بالقول: "لا تجيبي سيرة والدي، أنا أبوي أحسن من الملك".. لتطير سفيرة السلام بتلك الجملة وتذهب لتحرير شكوى بحق السيدة التي تصغرها بستة عشر عاما، لتجد نظاما قضائيا جاهزا لاستقبالها ونصوصا تشريعية تسمح لها باتهامها بإطالة اللسان على الملك.
هل المطلوب أن يقول المواطن إن الملك أفضل عنده من أمه وأبيه وأهله وماله ويمكن حياته تحت التهديد بالسجن؟! هل يُبنى الحب والوفاء والولاء بالإكراه؟! هل تكون التضحية للدولة وقادتها بعقوبات إطالة اللسان لمن يتحدث بكلمة ولو بلحظة انفعال؟
الغريب أنك في مجتمع يقع كثيرون به بجرم إطالة اللسان على الذات الإلهية عند الانفعال ولا أحد يعاقب إثر ذلك، رغم وجود نصوص تشريعية بعقوبات التطاول على الذات الإلهية؛ وحدها عقوبات إطالة اللسان على الملك والقدح في مقامات عليا هي الفعّالة.
لا شك أن الشتم والتطاول مرفوض على جميع المقامات، وإنزال الناس منازلهم خلق نبوي بالأصل، ولكن دون المبالغة بتفعيل العقوبات على قصص من هذا النوع، كما جرى لتلك السيدة ذات الـ34 عاما التي تعمل موظفة في شركة الكهرباء؛ مع سيدة أكبر منها ذات مكانة مجتمعية وعرّفتها مواقع إخبارية بالناشطة الحقوقية وعرّفها قرار المحكمة بالإعلامية وسفيرة السلام.
ولو كنت مكان الجهة التي منحتها مثل هذا الوصف لسحبته على الفور، وآخر ما يمكن أن نتخيّل أن من يعمل في مجال
حقوق الإنسان من يوظّف القوانين والتشريعات للنيل من حرية وكرامة أخيه الإنسان.
مواطنة أردنية علّقت على القصة مستذكرة مقولة الكاتب محمد الماغوط: صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لإيواء اللسان والأسنان لا أكثر.
يبدو فعلا أن هذا ما يريده البعض من مواطنيهم.. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.