بدأت دول المنطقة في مرحلة "تصفير الخلافات" فيما بينها بشكل رسمي، مطلع العام الماضي 2021، عقب سنوات من الخلافات والقطيعة التي سببتها الثورات المضادة.
في "قمة العلا" بالسعودية مطلع العام 2021، تصالحت السعودية والإمارات والبحرين مع قطر، وهي القمة التي كانت تمهيدا لعدة مصالحات في المنطقة، إذ تبعتها مصالحة قطرية مصرية، ومن ثم مصالحة تركية مع أبو ظبي والرياض، والمنامة.
وفي استمرار لسياسة "تصفير الخلافات" بعد سنوات عاصفة من التوتر، تصالحت الإمارات والبحرين مع النظام السوري، إذ زار بشار الأسد أبو ظبي، وتزايدت التقارير التي تتحدث عن قرب عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
ففي حين لا تزال السعودية، وقطر، مقاطعتين للنظام السوري بشكل علني، ترجح تقارير أن هذه القطيعة لن تستمر طويلا، لا سيما أن الدول المحيطة بسوريا أعادت علاقتها مع الأسد، بما فيها الأردن.
وفي سياق متصل، وبرغم تعثرها مرارا، إلا أن السعودية وإيران لا تزالان تعملان على تسوية الخلافات فيما بينهما عبر وساطة عراقية.
الصحفي البريطاني هيو مايلز، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، قال لـ"عربي21"، إن بعض الدول لجأت إلى خيار تسوية الخلافات التي افتعلتها، بعد قناعتها أن الوعود بالدعم الأمريكي غير المشروط إبان حقبة دونالد ترامب، لم تعد موجودة.
وأوضح مايلز أن السعودية على سبيل المثال لم تحصل على المضادات التي تحتاجها من الولايات المتحدة لصد الهجمات الحوثية، وهو ما دفعها لإعادة النظر في سياستها الخارجية، والتوقف عن معاداة دول مجاورة لها.
ولفت إلى أن بعض الخلافات الجانبية بين الدول سيتم تسويتها مع الوقت، إذ تصالحت الإمارات وقطر رسميا بعد شهور من اتفاق العلا، فيما لا تزال الدوحة والمنامة في علاقة متوترة.
أحدث مؤشر على اتجاه دول المنطقة نحو "تصفير الخلافات" هو المقاطعة السريعة التي اتخذتها السعودية ودول خليجية للبنان بعد تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي الذي انتقد حرب المملكة في اليمن، إذ لم تدم تلك القطيعة سوى ستة شهور، برغم استخدام الخطاب الحاد حينها من قبل الرياض التي اعتبرت أن لبنان بات أسيرا لحزب الله ومن خلفه إيران، وأنه يشكل خطرا على دول المنطقة بتصديره المخدرات.
واللافت أن سياسة "تصفير الخلافات" بدأت علنا بعد شهور قليلة فقط من تطبيع الإمارات والبحرين، والمغرب مع الاحتلال الإسرائيلي.
اقرأ أيضا: تقارير تكشف تصاعد الزيارات السريّة بين السعودية والاحتلال
مؤشرات متزايدة
تزايدت المؤشرات خلال الأيام الماضية على قرب تطبيع السعودية علاقاتها رسميا مع الاحتلال، إذ ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي أن مسؤولين من واشنطن زارا الرياض مؤخرا لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق ثلاثي محتمل بين القاهرة والرياض وتل أبيب.
الزيارة التي تحدث عنها "أكسيوس" جاءت تمهيدا للجولة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، والتي من المفترض أن تنهي الخلافات مع السعودية بشكل كامل، لا سيما فيما يخص الموقف من زيادة إنتاج النفط، وجريمة اغتيال جمال خاشقجي.
وبحسب "أكسيوس"، فإن إدارة جو بايدن تأمل في صفقة بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي ومصر قبل الزيارة، مشيرا إلى أن نجاح هذه الخطوة قد يكون خطوة نحو التطبيع بين السعودية والاحتلال.
وقال الموقع إن المفاوضات تدور حول نقل سيادة جزيرتي تيران وصنافير على البحر الأحمر من السيادة المصرية إلى السعودية، وذلك بحسب خمسة مصادر إسرائيلية وأمريكية.
وأضاف أنه في حال نجاح المهمة الدبلوماسية هذه، فستكون إنجازا مهما لإدارة بايدن في السياسة الخارجية، فيما قالت المصادر الإسرائيلية والأمريكية إن الاتفاق لم يكتمل بعد والمفاوضات الحساسة مستمرة.
فيما كشفت وسائل الإعلام العبرية، عن تصاعد الاتصالات والزيارات السرية بين الاحتلال والسعودية، إذ قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" إن "مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين زارت السعودية خلال السنوات العشر الأخيرة، من بينهم وزير الأمن الحالي بيني غانتس حين شغل منصب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، ورئيسا "الموساد" السابقان تامير فيردو ويوسي كوهين، ورئيس مجلس الأمن القومي السابق مائير بن شبات".
ونبهت الصحيفة، إلى أن "زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى السعودية حدثت حتى الآن بشكل سري باستثناء زيارة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 والتي رافقه خلالها رئيس الموساد".
"لم يحن الوقت بعد"
المعلق في صحيفة "واشنطن بوست" ديفيد إغناطيوس، ذكر في مقال ترجمته "عربي21"، أن تل أبيب تلحّ على إدارة بايدن بالإسراع في إتمام تطبيعها مع السعودية.
ونقل إغناطيوس عن مسؤول إسرائيلي رفيع، قوله إن تل أبيب ترى الرياض لاعبا مهما في المنطقة وخارجها، مشيرا إلى أنه يؤيد أي تقارب سعودي أمريكي كونه يعني المضي قدما في إقناع المملكة بالتطبيع.
بيد أن إغناطيوس قال إنه برغم كثافة الاتصالات الأمنية بين الاحتلال والسعودية، إلا أن ذلك سيبقى سريا ومن غير المرجح أن يظهر للعلن قريبا.
الدبلوماسي الأمريكي جيرالد فيرستين، اتفق مع إغناطيوس بأن التطبيع الإسرائيلي السعودي "لم يحن وقته بعد".
وقال فيرستين لـ"عربي21" إنه لا يتوقع أي تطبيع رسمي بين السعودية وإسرائيل في الوقت الراهن، برغم رغبة إدارة بايدن في إتمام هذا الأمر.
فيرستين الذي شغل منصب سفير واشنطن لدى صنعاء، وعمل في البعثة الدبلوماسية الأمريكية لدى الرياض، قال: "لا يبدو أن الجانبين مستعدان للتحرك نحو علاقات كاملة على المستوى الدبلوماسي، كما في حالة الإمارات، والبحرين والمغرب".
وتابع فيرستين أنه في الفترة الحالية أو في المستقبل القريب قد نرى اتفاقا رسميا في مجالات محدودة، مثل السماح العلني بتحليق الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء السعودية، وهو ما أشارت إليه صحيفة "جيروازليم بوست" العبرية، والتي قالت إن الطرفين اتفقا على السماح بفتح الأجواء، مقابل سحب القوات الدولية من جزيرتي تيران وصنافير، وتسليمهما بالكامل للرياض.
فيرستين أوضح أنه وبرغم التنازلات السعودية خلال السنوات الماضية تجاه مواقفها المعلنة الصارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه في حال بقي الملك سلمان على العرش، فإن موقف المملكة سيظل متمسكا بالمبادرة العربية للسلام التي وضعها الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي تشترط الوصول إلى حل "عادل" وشامل للقضية الفلسطينية، بناء على مشروع حل الدولتين، وإيجاد حل لقضية اللاجئين، قبل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وبين الاحتلال.
اقرأ أيضا: WP: ابن سلمان قد يأخذ ما يريده من بايدن خلال زيارة السعودية
"تفاهم قديم وتباطؤ إسرائيلي"
المعارض السعودي، ورئيس حركة "الإصلاح"، سعد الفقيه، قال إن هناك تفاهما وتطبيعا قديما بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي على المستويات الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، مضيفا أن "اندفاع محمد بن سلمان أدى لتسريع التطبيع العلني، وهو ما سمح بدخول الإسرائيليين إلى المملكة بسلاسة".
وأشار الفقيه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي نفسه هو من يعارض أو يتباطأ تجاه إتمام اتفاق تطبيع علني مع السعودية، لخشيته من أن تنتقل قيادة العالم الإسلامي إلى باكستان، أو أي دولة إسلامية أخرى، بحكم أنه مستفيد من مكانة السعودية الحالية في المنطقة والعالم.
ورجح الفقيه عدم صحة المعلومات الواردة في تقرير "أكسيوس"، مشيرا إلى أن تيران وصنافير سعودية باعتراف مصر وإقرار من برلمانها، وبالتالي فإن الجزيرتين تتبعان للمملكة لدى الجهات الدولية.
وأردف أن الهدف من نقل تيران وصنافير إلى السعودية، هو جعل المياه بينها وبين ساحل شرم الشيخ، مياها دولية ما يعني عبور سفن الاحتلال منها دون أخذ إذن مسبق من القاهرة كما السابق، إذ كانت المياه حينها مصرية ويشترط لعبور أي سفينة منها موافقة مسبقة.
صفقات تسليح ضخمة لمصر.. هل تريد واشنطن احتواء القاهرة؟
ما هي معالم "النظام العالمي الجديد" الذي يتم الحديث عنه؟
ماذا يمكن أن يقدم الناتو لتركيا لتقبل عضوية السويد وفنلندا؟