مقالات مختارة

شاورما وفلافل ومعاداة السامية

1300x600

يسعى كيان الاحتلال لفرض تعريف لمعاداة السامية، يعدّ أن «إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره ضمن معاداة السامية»، ويجهد كيان الاحتلال من خلال أدواته في الأمم المتحدة لتعميم هذا التعريف عند دول العالم، وطيرت الأخبار أن ما يقرب من 30 دولة في العالم، اعتمدت هذا التعريف وأخذت به.

الخطير فيما يسعى إليه الاحتلال الصهيوني من وراء ذلك، هو منع توجيه أي انتقادات للكيان الصهيوني، ومنع إدانته وتركه كقوة فوق القانون، إذ إن أي نقد سيوجه له ستعمل أدوات الاحتلال لاعتباره معاديا للسامية، الأمر الذي يطلق يد الكيان لزيادة القتل والاستيطان، وغيرهما من ممارسات فاشية عجز عنها هتلر في حربه العالمية الثانية، وفاقت ما يسمى بـ«الهولوكوست»، ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يسعى لنيل حريته وكنس المستعمر عن أرضه، ومقاومته بالشكل الذي قاومت به الولايات المتحدة الاستعمار البريطاني، وفرنسا الهجوم النازي عليها، وجنوب أفريقيا الفصل العنصري ضدها، وكما قاومت به كل شعوب الأرض محتلها وسارق أرضها.

الكيان الصهيوني المستعمر الذي يلاقي دعما غربيا غير محدود، وسكوتا دوليا غير مبرر، وصمتا عربيا تطبيعيا، يريد أن يمنع أي نقد له في أي محفل دولي أو إقليمي أو عالمي، والأنكى أن أدواته الخارجية تعمل بكل قوة في أروقة الأمم المتحدة راهنا لإقناع المؤسسة الدولية بهذا التعريف، وتبيين مضامينه وجعله قرارا أمميا.

التعريف الصهيوني ذاك، يعني أن تطعن الأمم المتحدة نفسها بنفسها، وأن تحكم على كل قراراتها السابقة حول القضية الفلسطينية والاستعمار الصهيوني لفلسطين بالبطلان والتمزيق، إذ ستصبح قرارات الأمم المتحدة وفق هذا التعريف معادية للسامية وباطلة ولا يجوز التعامل معها، وهو أمر أكثر من خطير، ومن شأنه ترفيع الاستعمار الصهيوني لدرجة عدم النقد أو إصدار أي قرار أدانه له، وتركه يستبيح قتل الفلسطينيين تحت يافطة «معاداة السامية»، وإدانة ذاك الفلسطيني الساعي لنيل حريته واستعادة أرضه التي سرقت منه مرتين؛ الأولى عام 1948 والثانية عام 1967.

الاستعمار الصهيوني نشط في الفترة الراهنة لمنع توجيه الانتقادات إليه، بعد أن بدأ العالم بفضل التطور التكنولوجي والتواصل الاجتماعي يعرف حجم جرائمه وأفعاله وتوسعت دائرة النقد له، وبرزت أطراف ودول عالمية ترفض ممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، فكان الحل لديهم أن يتم مقابلة أي تحد للاحتلال بالاتهام بالتعصب ضد اليهود، فحولت المنظمات اليهودية الأمريكية البارزة وحلفاؤها لتعزيز فكرة معاداة السامية؛ بهدف وقف أي نقد للاحتلال الصهيوني تحت تهديد «معادة السامية» لكل من ينتقد تل ابيب.

بموجب تعريف «معاداة السامية» الذي أقره الاحتلال منتصف العام وتبنته اللجنة اليهودية الأمريكية، يصبح الفلسطينيون معادين للسامية عندما يطالبون بحقهم وأرضهم وتنفيذ القرارات الدولية، فالحملة المسعورة التي تمارس اليوم ضد «معاداة السامية»، باتت سيفا يشهر لتبرير ليس فقط انتهاك حقوق الفلسطينيين الإنسانية، وإنما منح كيان الاحتلال رخصة للقتل دون عقاب أو حساب.

لهذا كله، فإن الواقع يفرض علينا كجامعة عربية -التقت قبل أيام بمؤتمر قمة، ودول عربية ما تزال تدّر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية حتى لو على الورق- أن نتنبه لما يحيكه الاستعمار الصهيوني في الأمم المتحدة وما يخطط له، إذ إن ذاك لو حصل، سيكون محرما على الجامعة العربية إصدار أي قرار إدانة للصهاينة لاحقا، وإدارة الوجه عن جرائم الاحتلال الاستعماري في فلسطين.

لم يعد مهما أن نفكر في أصل الفلافل والشاورما، وماذا يحب هذا السفير وماذا يكره ذاك، وإنما بات مهما أكثر وأوجب، أن نتداعى بقوة للوقوف أمام ما يخطط له الاستعمار الصهيوني، قبل أن يصبح إصدار بيانات الإدانة ممنوعا علينا.

 

(الغد الأردنية)

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع