طرحت التطورات السريعة في
سوريا وسقوط نظام بشار
الأسد وفراره إلى
روسيا بعض التساؤلات حول تأثير ذلك على التواجد الروسي العسكري
في المنطقة، وما إذا كانت موسكو ستنقل ثقلها وتواجدها العسكري إلى
ليبيا كبديل لما
خسرته في سوريا.
ولوحظ حالة من الصمت من قبل موسكو تجاه ما يحدث في
سوريا وسقوط نظام الأسد، ولم يصدر عن الكرملين أي بيانات إلا أنه أكد وصول بشار
الأسد وعائلته إلى موسكو، ومنحهم حق اللجوء، ما يعني الموافقة ضمنيا على رحيله.
طمأنة مؤقتة
وأكدت إدارة العمليات العسكرية التابعة لهيئة تحرير
الشام في رسالة طمأنة لها أن القاعدتين الروسيتين في ميناء طرطوس لن يمسهما أي
أضرار وأن دمشق مستمرة في اتفاقاتها مع روسيا، لكن الكثير رأوا أن هذه طمأنة مؤقتة
وأن روسيا نفسها لن تأمن على قواتها وأسلحتها في سوريا الجديدة.
وبخصوص ليبيا، كشفت صحيفة "التليغراف"
البريطانية مؤخرا عن قيام روسيا بتطوير إنشاءاتها العسكرية وزيادة أسلحتها في 3
قواعد جوية في ليبيا خلال 2024 وحده، مؤكدة خلال تقرير تحليل بيانات بصور الأقمار
الصناعية، أن روسيا طورت المرافق في قاعدة براك الشاطئ وجددت مهبط طائرات مكّن
الطائرات العسكرية من الهبوط في القاعدة.
وأكدت الصحيفة البريطانية عبر تقريرها التحليلي أن
"الطائرات العسكرية الروسية تواصل الهبوط والمغادرة من قاعدتي براك الشاطئ
والجفرة في ليبيا، مما يشير إلى أن عمليات تسليم الإمدادات مستمرة، كما أنها أخضعت
قاعدة "القرضابية" الليبية لعمليات تجديد واسعة للمدرجات وعملت على
تحصينها وتعزيز الدفاعات المحيطة.
وأشارت إلى أنه "وفقا لمعهد تحقيقات
"سينتري" الأمريكي العسكري فإن قوات حفتر تحتاج أن تطلب الإذن من روسيا
للوصول إلى هذه القواعد الجوية أو الهبوط فيها أو الإقلاع منها رغم أنها قواعد جوية
على أراض ليبية"، وفق معلوماتها.
تعويض استراتيجي
من جهتها، أكدت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس
النواب الليبي، ربيعة بوراص أن "التطورات في سوريا بلا شك سيكون لها تأثيرات
على التواجد الروسي في ليبيا، خاصة أن موسكو عززت في الآونة الأخيرة من تواجدها
السياسي والدبلوماسي والثقافي في شرق وغرب البلاد عن طريق سفيرها وفريقه
الدبلوماسي".
وأشارت في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" إلى أن
"ليبيا تعد إحدى النقاط الاستراتيجية البديلة لتعزيز النفوذ الروسي في البحر
المتوسط والقارة الأفريقية لموقع ليبيا الجغرافي الذي يتيح لها التأثير على أوروبا
وشمال أفريقيا وصراع الطاقة والغاز والحدود"، وفق قولها.
وأوضحت أن "فقدان المواقع العسكرية
الاستراتيجية مثل الموانئ وغيرها من المواقع في الشرق الأوسط ومنها سوريا هو
أحد دوافع روسيا في التوغل في ليبيا وهذا ما يجعل روسيا تنظر إلى تطوير منشآت
مشابهة في ليبيا كتعويض استراتيجي لها خاصة مع وجود تقارير عن اهتمام روسي بموانئ
ليبية مثل طبرق وبنغازي وسرت".
وتابعت: "قد يتسبب استغلال الأطراف الليبية
للضعف الروسي في هذه المرحلة في تعزيز دعم موسكو لها مقابل تقديم تنازلات أو
تسهيلات استراتيجية، مثل الاتفاقيات حول استغلال الموارد النفطية أو تعزيز التواجد
العسكري الروسي بشكل رسمي، وربما تكون هذه فرصة للأطراف الليبية المناهضة للوجود
الروسي أن تستغل ذلك للضغط على موسكو من خلال المجتمع الدولي أو حشد الدعم لطرد
مرتزقة "فاغنر"، كما رأت.
تعزيز السيطرة
في حين أكد مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية
والعسكرية، شريف عبد الله أنه "في الفترة الأخيرة قواعد روسيا العسكرية في
سوريا كانت خط الإمداد لتوسع نفوذها في أفريقيا، وبعد خسارتها للنظام هناك سيتجه
اهتمامها بالتواجد في ليبيا والتركيز على قواعدها هناك".
وقال في تصريحه لـ"
عربي21": "روسيا
تمتلك أكثر من 20 قاعدة، وأهمها قاعدة أحميم وطرطوس وهما قاعدتان استراتيجيتان
بالنسبة لها، ولذلك روسيا في صراع الآن حول مستقبل القواعد، وقواعدها العسكرية في
ليبيا لا تقل أهمية عن أحميم وطرطوس، فهي مسيطرة الآن على 3 قواعد كبرى استراتيجية
في ظهر الناتو في الجنوب الأطلسي وجنوب أوروبا"، بحسب معلوماته.
وأضاف: "عدة تقارير في الفترة السابقة أكدت أن
روسيا بدأت ترفع مستوى التسليح والتواجد العسكري في ليبيا، وهذا سيلعب نفس الدور
الذي كان يلعبه التواجد الروسي في سوريا، لذلك لن تدخل موسكو في صراع كبير، لأنها
لا تستطيع الآن أن تفتح جبهة ثانية لأن لديها جبهة أوكرانيا، والآن فتحت جبهة
جورجيا، والجبهتان تهددان أمنها الداخلي والحدود، ولكنها ستعزز تواجدها في ليبيا
وأفريقيا"، كما صرح.
الصحفي من الشرق الليبي، محمد الصريط رأى من جانبه
أن "مسألة التواجد الروسي في المنطقة هو محل إعادة نظر من القوى الكبرى
المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل على
التقليل أو الحد من هذا النفوذ في المنطقة كلها وليس في ليبيا فقط".
وأشار إلى أن "روسيا غيرت استراتيجيتها في
سوريا إلى أماكن أعمق منها في أفريقيا، لكن في الحالة الليبية فالوجود الأجنبي يمثل
توازنا للمشكلة الليبية وأيضا عمقا استراتيجيا روسيا لملفات أخرى لا تقل أهمية عن
سوريا وليبيا"، حسب كلامه لـ"
عربي21".
واتفق معه المحلل السياسي الليبي، وسام عبد الكبير
الذي رأى أن "أهمية التواجد العسكري لموسكو في ليبيا يأتي كونها بوابة لدول
الساحل الأفريقي، لكن تختلف أهمية ودور القواعد الروسية في ليبيا عن القواعد
الروسية في سوريا".
وبخصوص استغلال حالة الضعف الروسي من قبل الأطراف
الليبية، قال لـ"
عربي21": "غياب الثقة بين الأطراف الليبية
الرئيسية يشكل عائقا كبيرا أمام إحداث أية نتائج في ملف إخراج المرتزقة والقوات
الأجنبية وفي مقدمتها القوات الروسية، وسيبقى هذا الملف معطلا رغم اجتهادات اللجنة
العسكرية الليبية 5+5".