أثار تأجير
مصر
3 "
وحدات تغويز" عائمة لاستقبال شحنات
الغاز الطبيعي المسال وإعادته إلى
الحالة الغازية، التكهنات حول هدف القاهرة من الخطوة المتتابعة منذ الصيف الماضي،
وما إذا كانت تسعى للاستغناء عن الغاز المستورد من الكيان المحتل، أو إنها فقدت
الآمال في استعادة الإنتاج الوفير السابق حتى عام 2017 من حقولها المحلية.
وفي أيار/ مايو
الماضي، استأجرت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيغاس" وحدة
عائمة للغاز الطبيعي المسال من شركة "هوغ" النرويجية لاستئجار وحدة
"هوغ غاليون" العائمة، ما قابله البعض حينها بالحديث عن تكلفة مالية
عالية.
وفي 24 نيسان/
أبريل الماضي، قال مسؤول مصري لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن بلاده ستدفع نحو 135 مليون دولار
لاستئجار سفينة أسترالية لتغييز الغاز المسال تابعة لشركة "هوغ
النرويجية" بواقع 250 ألف دولار يوميا، لمدة من 18 إلى 20 شهرا، توفر غاز
طبيعي بقدرة 500 مليون قدم مكعبة يوميا.
والجمعة
الماضية، وقعت "إيغاس" اتفاقية مع شركة نيوفورترس الأمريكية، لاستئجار
وحدة تغييز عائمة بسعة تخزينية تصل 160 ألف متر مكعب غاز طبيعي مسال مع قدرة تغييز
تبلغ 750 مليون قدم مكعب يوميا، على أن تبدأ في استقبال وتخزين الغاز الطبيعي
المسال، وإعادته للحالة الغازية، بميناء سوميد في العين السخنة، وتوجيه إلى الشبكة
القومية بالنصف الثاني من 2025، وفق بيان
وزارة البترول المصرية.
الاثنين، أعلن
مصدر حكومي لموقع "
الشرق" عن تأجير مصر وحدة ثالثة.
وكشف المصدر عن
تعاقد مصر على إيجار وحدة تغويز عائمة جديدة لاستقبال شحنات الغاز المسال، مؤكدا
أنها الوحدة الثالثة التي تتعاقد عليها القاهرة، متوقعا وصولها ميناء السخنة،
حزيران/ يونيو المقبل.
ووفق المسؤول
الحكومي، فقد بدأت وزارة البترول المصرية في إنشاء خط أنابيب غاز إضافي بميناء
السخنة وربطه بالشبكة القومية للغازات، وذلك لاستقبال الكميات الإضافية من الغاز
الطبيعي الذي سيتم استقباله عبر وحدات التغويز.
ما معنى "التغويز"؟.. ولماذا التأجير؟
والتغويز أو "
Definition"، عملية كيميائية أو تسخين في درجة حرارة
مرتفعة لتحويل مادة ما إلى غاز، وإنتاج أنواع الوقود الغازي بالتفاعل بين مواد
ساخنة ذات محتوى كربوني وبين الهواء أو البخار أو الأكسجين، ويتسم ناتج التغويز
بأنه مزيج من الغازات القابلة للاشتعال.
وعانت مصر خلال
صيف 2023، من أزمة انقطاع الكهرباء في أغلب أنحاء البلاد وسط توجه حكومي بتخفيف الأحمال،
ما أثار غضب المصريين وتساؤلاتهم عن أسباب تراجع إنتاج الغاز المحلي، وخاصة من حقل
"ظهر" العملاق المكتشف عام 2015.
الأمر الذي
دفعهم أيضا للتساؤل عن وعود رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، بتحويل مصر إلى
مركز
إقليمي لتصدير الطاقة، وقوله في شباط/ فبراير 2018، أن مصر "أحرزت هدفا"
باتفاق استيراد الغاز من إسرائيل في نفس العام.
ورغم توقيع
القاهرة ذلك الاتفاق المثير للجدل والذي رفضه مصريون لاستيراد الغاز من إسرائيل
عام 2018، واتفاقا آخر مع الاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز له عبر محطتي الإسالة
المصرية في "دمياط" و"إدكو" شمال البلاد، أصبحت مصر مستوردة
للغاز الطبيعي خلال النصف الأول من العام الماضي.
ويأتي تأجير مصر
وحدات التغويز تلك في ظل تراجع إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 4.3 مليار قدم مكعب
يوميا، في ظل استهلاك يومي يصل حوالي 6 مليارات قدم، تزيد في فصل الصيف.
كذلك يأتي تأجير
القاهرة لـ3 وحدات تغويز، ضمن اتفاق مع جارتها العربية الأردن، لتزويدها بالوقود،
إثر اتفاق مع عمان موقع في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لاستغلال البنى التحتية
للغاز في مصر مدة عامين.
وانخفض إنتاج
الغاز الطبيعي في مصر عام 2023، بنسبة 11.5 بالمئة على أساس سنوي ليصل إلى حوالي
59.29 مليار متر مكعب، مسجلا أدنى مستوى إنتاج منذ عام 2017، وفقا لأرقام مبادرة
بيانات المنظمات المشتركة "جودي".
"دراسة حديثة.. وتوجه جديد"
وفي قراءته
لدلالات تأجير مصر 3 وحدات تغويز عائمة لاستقبال الغاز المسال بميناء العين السخنة
على البحر الأحمر، تحدث الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب، مؤكدا على
وجود "دراسات متعمقة تم إعدادها خلال العامين الماضيين عن تأثير تخفيف أحمال
الكهرباء على الاقتصاد المصري ككل وعلى قطاع السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية
بشكل خاص".
وكيل وزارة
التجارة الخارجية المصرية للبحوث الاقتصادية سابقا، قال لـ"عربي21"، إنه
"تم تكليف فرق بحثية معنية بإجراء هذه الدراسات، وتم توفير لها الكثير من
البيانات والمعلومات، وقد رفعت هذه الفرق نتائج ما توصلت إليه من دراسات لرئيس
الجمهورية".
وبين أن
"النتائج خلصت إلى أن الخسائر الفعلية للاقتصاد المصري نتيجة تخفيف أحمال
الكهرباء تساوي 4 أضعاف ما يمكن توفيره نتيجة تخفيف هذه الأحمال".
ولذا يعتقد أنه
"رغم أن هذه الفرق لم تتلق أية مؤشرات على تنفيذ نتائج دراستها التي رفعتها
مباشرة إلى الرئاسة وكان في اعتقادها أن القرار سيكون بوقف تخفيف الأحمال من
ناحية، وتوفير الغاز اللازم لعدم تكرار هذا الأمر مستقبلا، فإنه يبدو لي أنه نتيجة
لتلك الدراسة تستأجر مصر وحدة ثالثة للتغويز، وواضح أن الفترة التي تم الاتفاق
عليها 10 سنوات".
"عجز إنتاج ومخاوف الشركات"
وفي رده على السؤال "هل يكشف التوجه المصري نحو تأجير 3 سفن تغويز والذي تبعه تدشين خط أنابيب بميناء
السخنة عن عجز الحكومة المصرية في استعادة إنتاجها السابق من الغاز من حقولها
المكتشفة قبل سنوات؟" قال: "هناك
معلومات يعرفها المختصين في هذا المجال، وهي أن استكشافات شركة (إيني) الإيطالية،
وإلى حد ما (بريتش بتروليوم) البريطانية، أثبتت وجود كميات كبيرة من الغاز في دلتا
مصر وسواحل البحر المتوسط".
واستدرك:
"لكن كانت المشكلة في تخوف هذه الشركات الأجنبية من البدء في الإنتاج الوفير
من الغاز خاصة بعد الاتفاق المصري الإسرائيلي باستيراد الغاز عام 2018، وهنا وجدت
تلك الشركات نفسها أمام معضلة وتخوفات من المستقبل وأنه في ظل توافر الغاز في
السوق المصري قد لا ترحب مصر بدفع مستحقات هذه الشركات أو لا تستورد حصة الشريك
الأجنبي من الغاز، وتدفع مقابلها بشكل فوري".
وأوضح أنه
"من هنا تلكأت هذه الشركات في بدء إنتاج الغاز الطبيعي من المناطق التي بدأت
الاستكشاف فيها سواء الدلتا أو ساحل المتوسط، لحين استكشاف مستقبل المنطقة مع وجود
تخوفات لديهم من استمرار الأزمات الإقليمية من ناحية، ومن ناحية أخرى استقرار
مشروع استيراد مصر للغاز الإسرائيلي وتسييله وإعادة تصديره لأوروبا".
وبين أنها
"كانت تنتظر محطات الإسالة التي تم إنشاؤها في مصر حتى تصل المراحل القصوى،
ودراسة إمكانية إنشاء وحدات أخرى للتسييل وبدء تنفيذ التعاقدات التي تمت بين مصر
والاتحاد الأوروبي في 2022، إلى واقع وتوريد فعلي للغاز من موانئ مصر إلى أوروبا".
وقال عبد المطلب:
"الكل يلاحظ أن مصر لم تتمكن من الحصول على الغاز اللازم لعملية التسييل من
إسرائيل ثم ضخه لأوروبا، أيضا الأزمات الإقليمية وحرب غزة وتراجع الآمال
الإسرائيلية والأوروبية في حدوث استقرار كامل في المنطقة وحل كل المشاكل العالقة
خاصة بعد توقيع اتفاق بين إسرائيل وحزب الله اللبناني على اقتسام حقل غاز (كاريش)
المقدرة احتياطياته بـ1.3 تريليون قدم مكعب".
في اعتقاده يرى
الخبير المصري أن "هذه الأسباب التي جعلت مصر أولا: تستأجر وحدات التغويز
الثلاثة، وجعلها ثانيا: تمد خطوط غاز في العين السخنة، لتأهيل البنية الأساسية
للإنتاج المستقبلي المؤكد، ولكن لم يتم استخراجه بعد".
"هل تغني عن إسرائيل؟"
وعن الأهمية
السياسية والأمنية والاقتصادية لهذا التوجه نحو تأجير وحدات التغويز الثلاثة في
استغناء مصر والأردن سويا عن الغاز الإسرائيلي، قال إنه "أمر سابق لأوانه؛
لأن مصر مرتبطة باتفاق مع إسرائيل، وأيضا لا توجد إمكانية ولا مصدرا آخر لإسرائيل
لتصدير هذا الغاز إلا عبر خط أنابيب شرق المتوسط، الذي تم إنشائه بعهد الرئيس حسني
مبارك، لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل عبر الأردن، ما يعني أن البنية الأساسية
موجودة وتقريبا ويتم استخدامها بأقل التكاليف".
ومضى يوضح أنه
"لو حدث نوع من أنواع الاستغناء المصري عن الغاز الإسرائيلي ففي اعتقادي أن
ذلك يحقق جاذبية لقطاع الاستخراج المصري وليس الاستكشاف فقط".
وختم مبينا أنه
"بالنسبة للأدرن، أيضا؛ فهناك كلام عن احتمال وجود اكتشافات واستخراج للغاز
هناك، وهذا إذا حدث سيكون جيدا خاصة أن الأردن بعدد سكان قليل، لو ظهر بأراضيهم
الغاز أعتقد أنهم لن يكونوا بحاجة له من إسرائيل أو مصر والدول العربية".
"عشوائية في غياب الاستراتيجية"
وفي تقديره قال
الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي: "من خلال متابعة سياسات مصر في
مجال الطاقة يتضح أن ما يتم هي عمليات عشوائية، ولا توجد إستراتيجية لإدارة ملف
الطاقة بشكل دقيق".
الصاوي، وفي
حديثه لـ"
عربي21"، أضاف: "ومع مطلع الألفية الثالثة، حذر خبراء
مصريون من مسألة تصدير مصر أية كميات من النفط أو الغاز للخارج، لنضوب الموارد في
الأراضي المصرية، أولا".
"وثانيا لأن مصر كانت تستهدف تحقيق معدل
نمو 5 بالمئة سنويا وهذا المعدل من النمو الاقتصادي يتطلب توفير طاقة، والموارد
المصرية المتاحة محليا هي جزء منها".
وأكد أنه
"بالتالي فإن تصدير أي كميات من النفط أو الغاز كانت قرارات خاطئة غير مبنية
على أسس علمية"، في إشارة إلى اتفاق مثير للجدل بتصدير الغاز المصري لإسرائيل
عام 2005.
وأوضح أن
"الدولة الآن بعد أن ثبت لها خطأ الاعتماد على الغاز المستورد من الكيان
الصهيوني، تلجأ إلى استقبال الغاز المسال واستئجار سفن لعملية تغويز الغاز المسال،
فضلا عن أنه لدينا محطتين لعمليات الإسالة في (إدكو) و(دمياط) على البحر المتوسط".
ولفت الخبير
والباحث المصري إلى أن "مصر بشكل عام تفتقد البنية الأساسية لمسألة التغويز؛
وهذا ينقلنا لنقطة مهمة، وهي ترتيب أولويات الإنفاق بالدولة المصرية والتي عانت من
خلل كبير، وبدلا من أن كانت تبني أكبر مسجد وأكبر كنيسة أو البرج الأيقوني والأطول
في إفريقيا، أن تتجه لبناء محطة دائمة لعملية التغويز".
وأشار إلى أهمية
ذلك "طالما أن الموارد المتاحة لا تكفي السوق المحلية، وأن استيراد الغاز
والنفط سيكون جزءا من إدارة ملف الطاقة"، مشددا في نهاية حديثه على أن
"هذا القرار ومسألة استئجار السفينة الثالثة وقد يكون الرابعة يضعنا أمام
أزمة عشوائية إدارة السياسات الاقتصادية في مصر".
فجوة تستغلها "إسرائيل"
وفي رؤيته، قال
الباحث المصري المتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط خالد فؤاد: "هناك
فجوة متزايدة بين إنتاج واستهلاك الغاز الطبيعي في مصر نلاحظها في أزمة انقطاع
التيار الكهربائي الصيف الماضي، والتي عانى المصريون منها، لكن الأزمة مستمرة
والفارق بين الإنتاج والاستهلاك كبير والفجوة يجب سدها لتأمين إمدادات الغاز والتي
تُستخدم بمحطات إنتاج الكهرباء".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، أوضح أن "مصر لديها 3 مصادر للغاز، أولها: الإنتاج
المحلي من الحقول المصرية، وثانيها: الاستيراد من إسرائيل وهو مكمن الخطورة،
والمصدر الثالث: الغاز المسال الذي لجأت له مصر الصيف الماضي".
ولفت إلى أن
"المشكلة كبيرة في ملف استيراد الغاز من إسرائيل، وأن صادراتها وإمداداتها
لمصر كبيرة جدا تصل مليار قدم مكعب يوميا، تقريبا، ما يؤثر في إجمالي الاستهلاك
البالغ نحو 6 مليارات يوميا، ما يعني سدس الاستهلاك".
ويعتقد أن
"هذا حجم ليس بالقليل، وحجم مؤثر على أمن الطاقة المصري، ويمكن أن يؤثر في أي
لحظة في ظل أي توترات أو أزمات بين الجانبين، وقد تستخدمه إسرائيل كأداة ضغط على
مصر، فأي اعتماد مفرط منها على أحد مصادر الغاز مثل إسرائيل قد يوقعها تحت ضغوط
وممارسات وأوراق ضغط أو زيادة نفوذ عليها".
لكن الخبير
المصري في ملف الطاقة، ثمن الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرا، وقال إنها "في
الاتجاه الصحيح، وأن بها مصر بدأت في تأمين مصادر متنوعة من الغاز الطبيعي، ورغم
أن الغاز المسال مكلف لكنه خطوة لابد منها، لتقليل حجم الغاز الطبيعي المستورد من
إسرائيل ونسب الاعتماد عليه".
ويرى أن
"هذه الخطوة ليس سببها فقط أزمة الكهرباء في الصيف الماضي؛ ولكن كان سببها
محاولات إسرائيل عقب (طوفان الأقصى) 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، استخدام الغاز
كورقة ضغط أكثر من مرة مع مصر"، مبينا أن "هذا لم يكن معلنا، ولكن
تصريحات من الجانب الإسرائيلي أظهرت ذلك لاحقا".
وفي نهاية
حديثه، أوصى فؤاد، الحكومة المصرية، بأنه "يجب عليها مع هذه الخطوة في
الاتجاه الصحيح شراء الغاز المسال عبر عقود طويلة الأجل، ولا تظل معتمدة على قصيرة
الأجل منها، والتي فيها تكون تحت تهديد العرض والطلب بالسوق العالمي".
وختم بالقول:
"وحتى تتخطى هذه النقطة، ولكي تؤمن إمدادات الغاز؛ لابد من الاعتماد على
العقود طويلة الأجل"، ملمحا إلى أن "هناك حديث بوزارة البترول مؤخرا نحو
هذه الخطوة".