أطفال وعجائز.. رجال ونساء يسارعون الخطا وقت الظهيرة في أزقة وشوارع مدينة
دير الزور (شرق
سورية)، وهم يحتمون بالجدران ويسيرون بقربها خوفاً من القذائف العشوائية التي تمطر قوات النظام بها المدينة منذ بداية الحملة العسكرية الواسعة التي تشنها عليها منذ أكثر من 18 شهراً.. يحملون ما تيسر لهم من أوانٍ لينالوا حصّة من الوجبات التي يعدّها المطبخ الجماعي الذي قامت منظمة "روافد" الإغاثية بإنشائه وتطوّع عدد من الشباب للمشاركة في إنجاح المشروع وذلك لـ"التخفيف عن أهالي المدينة ودعم صمودهم في وجه
الحصار الخانق التي تفرضه قوات النظام على مداخلها وتمنع دخول المواد الغذائية أو الطبية وغيرها"، بحسب ملف تعريفي بالمنظمة حصلت "الأناضول" على نسخة منه.
ويسيطر الجيش الحر على كامل مساحة الريف الشرقي لمحافظة دير الزور الممتد من أطراف مدينة دير الزور إلى الحدود العراقية شرقا، أي على امتداد مساحة تبلغ حوالي 130 كم، كما يسيطر على معظم أحياء المدينة التي لا ينقطع القصف والحصار المفروض عليها من قبل قوات النظام في محاولة لاستعادة تلك المناطق.
وخلال حضور فريق "الأناضول" أمام المطبخ الجماعي، لاحظ أطفالاً صغاراً يرتدون ثياباً رثّة، وعجائز في السبعين أو الثمانين من العمر يتقدمون الطابور الذي يصطف يومياً العشرات فيه للحصول على الوجبة الوحيدة التي يتناولونها في اليوم، حسب تأكيدهم.
امرأة في العقد الستين من العمر كانت ترتدي عباءة عربية، وتبدو عليها علامات التعب من جراء المشي الطويل، حضرت إلى المكان لتستلم حصتها.. المرأة كانت تحمل وعاء بلاستيكياً صغيراً وأصرت بشدة على الشاب الذي يقوم بالتوزيع على وضع حصة قليلة لها من الطعام وعدم الزيادة عليها.
وعند سؤال مراسل "الأناضول لها عن سبب إصرارها هذا، قالت: "لا يوجد غيري في المنزل ويكفيني بعض اللقيمات للبقاء على قيد الحياة، في حين أن بعض الأهالي المحاصرين يوجد لديهم 10 أفراد من العائلة أو أكثر وهم بحاجة أكثر مني لإعانتهم".
وأضافت: "أعيش لوحدي حالياً بلا معيل، فابني الوحيد كان مقاتلاً في الجيش الحر قبل أن يستشهد منذ بضعة أشهر، وكان ابني هو القائم على خدمتي وتأمين متطلباتي، ولم يبق سواي في المنزل، وأقوم يومياً بقطع مسافة نحو 2 كم تحت القصف للوصول إلى المطبخ والحصول على الحصة الغذائية".
أما الطفل محمد ذو السنوات العشر، فقال: "اليوم تأخرت في الحضور إلى المطبخ، لذلك لم أحصل على حصة من الطعام، وسأعود وليس معي ما أحمله لأهلي، ولكن مع ذلك فنحن صامدون تحت القصف المستمر على المدينة وواثقون من انتصار الجيش الحر"، ورفع يده ليشهر علامة النصر في نهاية حديثه.
وحول عمل المطبخ الجماعي، قال أحد القائمين على المشروع، محمد أبو ريان، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الحقيقي خوفاً على حياة أفراد عائلته الموجودين في منطقة خاضعة لسيطرة النظام، إن مشروع المطبخ الجماعي بدأ العمل به منذ أكثر من عام وذلك بعد فرضت قوات النظام حصاراً خانقاً على مئات العائلات في المدينة وتركتهم بدون غذاء أو دواء، ومنذ ذلك الوقت نحاول تأمين الغذاء لنحو 1500 شخص يومياً وإعطاء كل من يحضر لاستلام حصة من الطعام.
وأوضح أبو ريان تفاصيل العمل اليومي للقيام بتحضير الوجبات لذلك العدد الكبير من الأشخاص، حيث قال إن عدد المتطوعين القائمين على نجاح المشروع يبلغ ما بين 10 إلى 12 شخص وهم يعملون على مدار الأسبوع عدا يوم الجمعة التي تعد عطلة يتوقف فيها المطبخ عن العمل.
وأشار أبو ريان إلى أن اشتداد الحصار على المدينة في بعض الأوقات كان يدفع متطوعي المنظمة (روافد) إلى تهريب المواد الأولية اللازمة لتحضير الطعام بطرق التفافية بعيداً عن أماكن تمركز حواجز النظام، وفي حال عجزهم عن ذلك فإنهم يلجأون أحياناً لاستخدام بعض المواد المتوفرة في المحافظة من خضروات أو لحوم، كون دير الزور محافظة زراعية بالدرجة الأولى.
وبيّن المتطوع أن هنالك معاناة ومخاطرة كبيرة يتحمّلها المتطوعون أثناء عملهم خاصة أنهم يعملون ويتنقلون تحت القصف المستمر على المدينة ما أدى إلى إصابة ومقتل عدد منهم، وكان آخرهم عبد الرحمن الخضر الذي أصيب بشظية قذيفة الشهر الماضي أثناء عمله الإغاثي أدت إلى وفاته.
وحول مشاريع المنظمة في دير الزور، أوضح أبو ريان أن مشاريع المنظمة لا تقتصر على مدينة دير الزور، وإنما تمتد إلى بعض القرى والمدن في ريفها، إضافة إلى محافظتي الرقة والحسكة المجاورتين، لافتاً إلى أن مشاريع المنظمة تشمل تشغيل عدد من الأفران لتوزيع الخبز على أهالي مدينة دير الزور، وكذلك مشروع توزيع سلال تحوي مواد غذائية على الأهالي ومشاريع "حليب الأطفال" و"إعانة الأيتام" و"إفطار الصائم" و"أضاحي العيد" وغيرها إضافة إلى تقديم معونات مادية وتوزيع أغطية.
وعن مصدر الموارد التي تغطّي تكلفة ونفقات المطبخ، أشار أبو ريان إلى أن الموارد تأتي من تبرعات بعض الأهالي وكذلك المنظمات والهيئات الإغاثية.
وتأسست منظمة روافد في شباط/ فبراير عام 2012، وذلك لإغاثة عدد من العائلات التي نزحت عن مدينة حمص (وسط سورية) إلى دير الزور هرباً من القصف والحصار الذي قامت به قوات النظام على مدينتهم، وتطورت بعدها الفكرة خاصة بعد بدء الحملة العسكرية على محافظة دير الزور في حزيران/ يونيو 2012.
وتذكر إحصائية حصلت وكالة "الأناضول" أن عدد الأشخاص الذين أعانتهم "روافد" منذ تأسيسها وحتى اليوم بلغ نحو 350 ألف شخص أو 16 ألف عائلة متوزعين على محافظات دير الزور والرقة والحسكة.