بينما تجتمع
إيران مع 6 قوى عالمية في فيينا لتعزيز الاتفاقية المؤقتة التي توصلت لها في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي حول برنامجها
النووي المثير للجدل يقول الكاتب في "ميدل إيست آي" ماهان عابدين إن هناك مؤشرات لاستعداد المتشددين إلى رفع وتيرة معارضتهم لإدارة
روحاني وبالذات فريق السياسة الخارجية الذي يقوده الدبلوماسي محمد جواد ظريف.
ويلفت إلى أن الرهانات كبيرة في إيران، حيث أن الحكومة ولأكثر من عقد من الزمان ساوت بين التقدم على الصعيد النووي وهيبة البلد. وهذا ما تسبب بالمقاطعة الاقتصادية التي وصلت في نهايات العام الماضي إلى حد شل الاقتصاد وبالمقابل فإن أي تنازل في البرنامج النووي يترتب عليه آثار كبيرة للحكومة وقاعدتها الاجتماعية الاقتصادية.
ويشير عابدين إلى أنه بالنسبة للمتشددين- يجب عدم الخلط هنا مع الائتلاف المحافظ - يمثلون في أحسن الأحوال الطرف الحاد من المؤسسة (الإيرانية) ولكن تأثيرهم أكبر من حجمهم الاجتماعي - الاقتصادي. ويعزى هذا بشكل–جزئي إلى امتلاك المتشددين لمنابر دعاية قوية ولكن بشكل أكبر لامتلاكهم علاقات قوية مع مركزين مهمين للسلطة هما مكتب المرشد الأعلى آية الله
خامنئي وحرس الثورة الإسلامية وهو الجيش الديني الموازي في ايران.
ومع أن بعض المتشددين يريدون إفشال اتفاق النووي تماما لتعزيز موقع إيران كبلد ثوري مستقل في الشرق الأوسط ولكن أكثرهم في توافق مع الجزء الأكبر من الائتلاف المحافظ يهدفون لوضع ما يكفي من الضغط على الحكومة لمنعها من تقديم تنازلات كبيرة للقوى الدولية، فالهدف هو تحديد مجال المناورة لدى المفاوض الإيراني وليس شله تماما.
وبحسب تقديره، يعتمد نجاح المتشددين في تحقيق أهدافهم بشكل أقل على مادة المفاوضات في فيينا وغيرها، وبشكل أكبر على أفعال وبيانات المرشد الأعلى وقيادات الحرس الثوري، وهما مؤسستان تعملان بشكل منطقي وبما يخدم المصالح الوطنية على عكس الفصائل السياسية المتشددة.
وينوه إلى أن الاستعراض الذي جرى في مقر السفارة الأمريكية سابقا كان رمزيا إلى أبعد حد، فالمتشددون الذين اجتمعوا هناك تحت شعار "نحن قلقون" في بداية أيار/ مايو كانوا يستعرضون عضلاتهم السياسية قبل بدأ مفاوضات فيينا والتي تأمل الحكومة الإيرانية وجزء كبير من المجتمع الدولي إن تؤدي إلى حل للنزاع الدائر بشأن برنامج إيران النووي المثير للجدل.
ولم يعط الإعلام الغربي أو الإيراني أهمية لذلك اللقاء، بما فيهم المتحدثين الرئيسيين الذين اكتسبوا سمعة كسياسيين ومنظرين متشددين ومن ضمنهم أعضاء المجلس إسماعيل كوثري وحميد رصاعي وروح الله حسينيان.
وشكل اللقاء فرصة لقطاع الإعلام الاجتماعي لتوجيه التعليقات الساخرة للمجتمعين حيث علق الكثير على شعار الاجتماع "نحن قلقون" بالقول هل كنتم قلقون سنوات حكم أحمدي نجاد والتي امتازت بالفساد وإساءة استخدام السلطة بحسب ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي.
وبرأي ماهان عابدين فمن المهم عدم إهمال المؤتمر تماما، فبالإضافة إلى التصريحات الدرامية كان الاجتماع فرصة للتعبير عن المخاوف الحقيقية حول أسلوب التفاوض الاستراتيجية التي ينتهجها وزير الخارجية ظريف وفريق عمله.
ويشير إلى أن بعض الحاضرين كانوا من فريق التفاوض السابق الذي كان يقوده السياسي "الأصولي" سعيد جليلي، كما حضر الاجتماع فيريدون عباسي الرئيس السابق لمؤسسة الطاقة النووية الإيرانية. وكان عباسي قد نجا من محاولة اغتيال في تشرين ثاني/ نوفمبر 2010. وفي نفس اليوم تم قتل المهندس النووي مجيد شهرياري في انفجار. وكان الهجومان جزء من حملة "إرهابية" ضد المسؤولين الرئيسيين ومهندسي البرنامج النووي الإيراني والتي يعتقد المحللون الرئيسيون بوقوف إسرائيل خلفها.
ويتمتع عباسي، كمهندس أساسي للبرنامج النووي الإيراني بمصداقية عالية لدى المؤسسة الإيرانية والرأي العام. ونشط في الأشهر الأخيرة ضد استراتيجية إدارة روحاني. ويعتقد بأنه يقف خلف التسريبات الضارة التي تتهم مسؤولين في إدارة روحاني بفصل أو نقل موظفين في القطاع النووي لمعارضتهم التنازلات للغرب. وقد أنكرت الحكومة بداية هذه التهم إلا أنها عادت وقامت باعتراف مع توضيح لما قامت به في محاولة للحد من الضرر.
وليس هناك أدني شكل في الجانب الإيراني بأن المرشد الأعلى آية الله خامنئي هو صاحب القرار في المفاوضات النووية ولحد الآن أيد المفاوضات ووصف الفريق المفاوض بأبناء الثورة مما يعني أنهم ملتزمون بأمن وازدهار النظام.
وكجزء من تعامله مع المفاوضات ربما يقوم المرشد بموازنات دقيقة بين القوى المتنافسة والفصائل المختلفة في المؤسسة الإيرانية والمجتمع بما في ذلك إدارة روحاني والائتلاف المحافظ والمتشددين والحرس الثوري. ومع أن موقفه يختلف عن موقف المتشددين من ناحية كونه بشكل أساسي فاعل استراتيجي على عكس المتشددين الذين هم بشكل أساسي عقائديون إلا أن خامنئي غالبا ما ينظر إلى المتشددين كأداة ضغط مفيدة على الحكومة كي لا يفكر روحاني بتقديم تنازلات غير مقبولة للغرب.
وبشكل عام فإن الموقف الاستراتيجي للحرس الثوري شبيه بموقف المرشد الأعلى في سعيهم لتخفيف الضغط الدولي على البلاد والمحافظة في الوقت نفسه على الإنجازات النووية التي تم تحقيقها على مدى العقدين الماضيين. وبناء على هذه النظرة فقد عبر الحرس الثوري عن دعمه للفريق المفاوض دعما مشروطا.
ويعتبر الحرس الثوري أكثر الجهات التزاما للاستقلال النووي الإيراني لدرجة أن هذه المؤسسة تسيطر على البرنامج، وأي اتفاق يحتاج إلى مصادقة قيادة الحرس الثوري. ولحد الآن فإن المرشد الأعلى والحرس الثوري قدما للعالم موقفا موحدا تجاه البرنامج النووي. وهذا ما تم تأكيده من خلال زيارة قام بها المرشد الأعلى لسلاح الجو التابع للحرس الثوري والذي يعتبر أكثر أقسام الحرس تقدما.
وقام الحرس باستعراض تقدمها في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار وبالذات قيام الحرس بالهندسة العكسية لطائرة (US RQ-170) و التي قام الحرس بإسقاطها في كانون ثاني/ ديسمبر 2011. وكان القائد العام للسلاح العميد أمير علي حجي زاده قد هدد أنه في حالة مواجهة عسكرية فإن الطائرات بدون طيار الإيرانية ستوجه ضربة قاصمة للبحرية الأمريكية في "الخليج الفارسي".
ولكن استعراض القوة الذي يمارسه الحرس الثوري يجب اعتباره جزءا من استراتيجية المفاوضات الإيرانية بدل اعتباره معارضة للدبلوماسية. فباستعراضه للقوة العسكرية يحاول الحرس الثوري تخفيف الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على المفاوض الإيراني بإظهار عدم قلق إيران البالغ من فشل المفاوضات وما ينتج عنه من احتمال نشوب مواجهة عسكرية.