كتاب عربي 21

انتخابات 2018 قُبلة حياة للانقلاب!

آيات عـرابي
1300x600
1300x600

البعض يستطيع تفسير تلك الإشارات الصغيرة القادمة من أحداث صغيرة ليصنع منها دلالات ما ربما كانت صحيحة.

خذ عندك مثلا حادث جامعة الفيوم منذ يومين. نائب في برلمان العسكر تشاجر مع إحدى حارسات الأمن وكانت النتيجة أن الطلبة قلبوا سيارته وحطموها. 
 
البعض قد يرى هذا حادثا عاديا، لكنك لن تستطيع أن تؤكد أنك منصف إن استبعدت كل دلالة سياسية للحدث. 
 
دعك من أن القصة كما يرويها بعض أهل الفيوم تختلف في كثير من تفاصيلها عن ذلك التناول الإعلامي الذي عُرضت به في إعلام الانقلاب، فالعامل الأهم من كل هذه التفاصيل هو أن الطلبة حطموا سيارة من يعلمون أنه نائب في برلمان العسكر. 
 
دولة بلغ فيها القمع حدا وحشيا ويصل التنكيل فيها بمناهضي الانقلاب حد القتل، ويوصم فيها حتى الصحفيون المناهضون للانقلاب بـ "الإرهاب". 
 
دولة لا يأمن فيها حتى أخلص داعمي الانقلاب على نفسه من تقلبات الانقلاب المزاجية. حين تقرأ في هذه الدولة عن (طلبة جامعة) يحطمون سيارة نائب في برلمان العسكر قادر على التنكيل بهم، فأنت بصدد حدث استثنائي في دلالاته. 
 
صحيح أن الانقلاب يستطيع بالقوة فقط أن يفرض ظاهريا كل مظاهر الدولة، بحيث يبدو في الظاهر أن كل شيء على ما يُرام، ولكن هذه القوة تحتاج إلى رضا. 
 
الانقلاب يريد تحويل اللامبالاة إلى تفاعل، وعدم الاكتراث بما يجري إلى مشاركة، بل إن الانقلاب في أكثر من مناسبة حاول استثمار تلك الأصوات التي تبدو أنه تعارضه (من الداخل)، فهو بحاجة إليها ليتوازن، وليظهر بمظهر "حكومة" طبيعية تحوز موافقة الأغلبية ويعارضها "البعض". 
 
ما يسعى الانقلاب إليه هو نوع من التطبيع مع الواقع وطي صفحة الثورة. 
 
ولذلك، فإن حادثا مثل حادث الفيوم، لابد أنه سيزعج الانقلاب بشدة، لأنه ربما يشير إلى وجود غضب مشتعل تحت السطح، وهذا الغضب حتى لو كان مجرد احتمال هو أمر مزعج للانقلاب بدون شك. 
 
وهذه الحادثة وإن كانت أقل من حادثة منع الأهالي لأحمد موسى من حضور جنازة والده، لكنها تحمل دلالات شبيهة نوعا ما، ولذلك حرص الانقلاب على بث صور أحمد موسى في عزاء والده، وهذا الحرص هنا لا علاقة له بمحاولة إنقاذ صورة أحد أشخاص الانقلاب، بل إن الأمر يتعلق بصورة الانقلاب نفسه. 
 
هذه الرغبة في التطبيع، وهذه الرائحة التي تستطيع مؤسسات الانقلاب أن تشمها من وقت لآخر، وهذه الدلالات التي يجيدون قراءتها ويحذرونها، هي التي تدفعهم إلى محاولات استدراج المعسكر الرافض للانقلاب للمشاركة في مهزلة انتخابات العسكر 2018. 
 
الانقلاب يرى أن فترة 4 سنوات كافية لطي صفحة الثورة، ولأن يصل بالمعسكر المناهض للانقلاب إلى درجة من اليأس تدفعه للقبول بالأمر الواقع. 
 
والانقلاب لا مانع لديه في أن يخرج أحدهم ليوجه أشد الانتقادات لعسكري الانقلاب وليعلن ترشيح نفسه في انتخابات العسكر لينتصر عليه في النهاية ولو بفارق مناسب يستطيع أن يقنع به جمهوره. 
 
الانقلاب يريد تحويل حالة السكون التي (ربما) تسبق العاصفة (أو على أقل تقدير التي ربما تدل على وجود احتمالات لعاصفة) إلى حالة مشاركة وتفاعل. يريد تحويل الغضب من الانقلاب إلى أدرينالين انتخابي. يريد تحويل الثورة إلى معارضة. يريد تحويل (الانقلابي) إلى (مرشح منافس). 
 
لا مشكلة لدى الانقلاب في أن تكرهه، ولكنه يريد أن تعارضه من الداخل، وأن تجلس معه تحت نفس السقف، وأن تعارضه باعتباره "شرعيا". 
 
لا يريد أن يشعر أنك تقاطعه. لا يريد أن يشعر أنه منبوذ مرفوض. لا يريد أن تتحول اللامبالاة إلى مشروع تغيير. يريد طي صفحة الرئيس مرسي. 
 
المشاركة في مسرحية انتخابات العسكر هي قبلة الحياة التي يريدها الانقلاب. ولذلك، فإن مفتاح أي حراك قادم والأرضية الصلبة التي نستطيع أن نضع عليها أقدامنا هي مقاطعة كل إجراء يسعى إليه الانقلاب.

التعليقات (3)
عبيد الله
السبت، 04-11-2017 08:48 م
سيدتي الفاضلة التي أكن لها كل احترام وتقدير لشجاعة موقفها وصفاء رؤيتها وانتصارها بلا حدود لرئيس مصر الشرعي د. محمد مرسي. أشاركك الرأي فيما ذهبتِ إليه في تحليلك. فالمتتبع لمسار انقلاب عسكر الخيانة والقتل هو البحث عن شرعنة نفسه بأي وسيلة بل ربما كان هذا المسعى هو المفسّر لكثير من صفقات الانقلاب المشبوهة بشراء السلاح والتنازل عن مقدرات البلد وشراء أسلحة لا لشيء إلا لشراء هذه الشرعية التي يفتقدها. وللأسف الشديد، أحد قيادياً بحزب الحرية والعدالة هو د. السودان يريد دفع الإخوان إلى المشاركة ولو بصورة غير مباشرة في هزلية انتخابات 2018 بالاصطفاف مع أحد المرشحين (شفيق أو غيره). ويفزعني هذا الأمر خاصة أن أحداً من قيادات الإخوان الطليقة خارج البلد لم يستنكر ما قاله. لن يعطوهم العسكر شيئاً ولن يبحث سفاح الانقلاب إلا عن استمرارية نظامه القمعي بأي سبب حتى وإن لجأ عبر أجهزته القمعية والإعلامية إلى الخداع أحياناً. مرة أخرى تحية لرؤيتك المستقيمة.
احمد عبادة
السبت، 04-11-2017 07:06 م
الانقلاب يبحث اختراق اللامبالات الجماهرية التي عزلته وصيرته غريبا في مصر رغم امتلاكه للعسكر وكل مؤسسات الدولة انه لا يستحيي من المجتمع الدولي او من التاريخ لكنه في حاجة الى شيئ من الابتزاز الداخلي المدروس والمراقب ليعطيه شيء من المصداقية بعدما ينطلي على عامة المواطنين من خلال المكر الاعلامي والكيد الامني وبذالك يزين مشهد مسرحية الانتخابات التي يجتهد في اجرائها ليغطي على جرائمه المتنوعة ، لكن كل هذا لا يثنيه عن مواصلة عنجهته سوى الردع الناعم المدروس الذي سيجبره على الانصراف من المشهد رغما عنه
مصري جدا
السبت، 04-11-2017 05:43 م
في غياب المعارضة القوية والحاضنة الشعبية الداعمة ،،، وفي غياب التصورات والرؤى الواضحة للتغيير ،، فإن الانظمة القمعية لا تحتاج قبلة حياة ،، لكنها تستطيع الحياة ولسنوات طوال من غير القبلات او حتى الاحضان ،، لانه لا يوجد ما يكدر صفوها ويقلق راحتها ، بل العكس ،، نخبة وطنية داخلية رصيدها التاريخي في التمزق والتشتت نموذج يضرب به مثل السوء ،، ونخبة وطنية في المنفى لا تعرف من هي ولا اين هي ولا ماذا تريد ،، لكن النخبتان اساتذة في رد الفعل ولم يعد لهم فعل يهدد مضجع النظام القمعي ،، فعلى اي شئ يراهنون ،،على هذه الاحداث الصغيرة المتفرقة في موقف طارئ او تصريح اعلامي او تقرير دولي ،، يراهنوان كالعادة العربية الشهيرة في احراز الاهداف باقدام الاخرين ،، وهذا واقعيا لن يكون ،، يذكر لفظ الثورة كثيرا في الاعلام المقاوم ومن النخبة الرافضة للانقلاب في الداخل والخارج ،، فعن اي ثورة يتكلمون هؤلاء اصحاب احلام اليقظة ،، الثورة غير موجودة ولن تكون ،، الشعب فقد الثقة في نفسه وفي الجميع ،، ان كان هناك ثمة توقعات وتحركات فهي انتفاضة الجوع وهذه مدمرة لمصر ولمربع الانقلاب ولن يستفيد منها الا تجار الحروب والكوارث ،، لان المربع المقاوم لا يملك اي تصورات لادارة اي مواقف شعبية او انتفاضات جماهيرية ،، لذا فالترشيد وعدم الاسراف في مسميات الثورة والعاصفة امر مطلوب ،، لانها اشياء موجودة في مخيلة الكثيرين وواقعها يؤول للصفر ،،، اما موضوع انتخابات 2018 من حيث المشاركة السلبية او المقاطعة الايجابية فهي في جميع الحالات وجهات نظر محترمة لكن بدون موقف مقاوم موحد فالسيسي قادم لا محالة في 2018 ، وما بعدها ،،، الخلاصة ،،، مربع مقاوم واضح ومعلوم وموجود في الواقع المعاش وليس العالم الافتراضي ،،، جملة من التصورات والبدائل للخروج من المازق دون استبعاد اكثرها تفائلا او تشاؤما ،،،، وسيط اقليمي ورعاية دولية ،، وقبل كل ذالك حاضنة شعبية مؤثرة ،،،، كيف يتم ذلك هذا موضوع نخب الداخل والمنفى ،،،، حفظك الله يا مصر