قضايا وآراء

حتى لا تتحول حرية التعبير إلى ذريعة لنشر الكراهية

محمد العودات
إهانة المصحف في الدنمارك- جيتي
إهانة المصحف في الدنمارك- جيتي
في حادثة تكررت لعدة مرات في السويد، أقدم مواطن سويدي من أصل عراقي، بعد الحصول على إذن من السلطات السويدية، بحرق نسخة من القرآن الكريم، الكتاب المقدس لدى ثاني أكبر ديانة في العالم، من حيث الانتشار بعد الديانة المسيحية، ذات الأمر تكرر من السياسي الدنماركي اليميني المتطرف بالودان بالاشتراك مع أنصار حزبه قبل أكثر من عام.

أدان رئيس الوزراء السويدي حرق المصحف في ستوكهولم، وقال إن "حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية ولكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون ملائما، وحرق كتب تمثل قدسية للكثيرين عمل مشين للغاية"، وقال: "أريد أن أعرب عن تعاطفي مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة بسبب ما حدث في ستوكهولم".

وقال وزير الخارجية السويدي في تغريدة له على تويتر: "الاستفزازات المعادية للإسلام مروعة"، وأعلن أن السويد تدرس تجريم إحراق المصحف أو الكتب المقدسة الأخرى.

وأدان بابا الفاتيكان فرانسيس حرق المصحف وعبر عن رفضه وإدانته لهذا العمل، وقال: "لا ينبغي استغلال حرية التعبير كذريعة للإساءة للآخرين"، كما أدانت كثير من الدول غير المسلمة بشكل واضح مثل هذا العمل.

هل هي حرية مطلقة أم حرية مقيّدة؟ وما هي حدود حرية التعبير؟ الأصل أن الحرية في كل أوجهها هي حرية مطلقة إلا ما انتقص منها القانون وذلك حماية لحقوق وحياة الآخرين ومصالحهم، وهنا نتحدث عن محددات أو ضوابط الحرية بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص

هذه الحادثة التي تكررت تعيدنا إلى المربع الأول في الحديث عن الحرية بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص؛ هل هي حرية مطلقة أم حرية مقيّدة؟ وما هي حدود حرية التعبير؟ الأصل أن الحرية في كل أوجهها هي حرية مطلقة إلا ما انتقص منها القانون وذلك حماية لحقوق وحياة الآخرين ومصالحهم، وهنا نتحدث عن محددات أو ضوابط الحرية بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص.

- ضابط القانوني (استثناء إلزامي): الأصل أن الإنسان حر حرية مطلقة في كل تصرفاته، إلا أن هذه الحرية يقتطع ويحد منها بمقدار ما يحدده القانون لغاية أنبل وهدف أسمى وهو حماية حياة الناس ومصالحهم، فالقانون وحده القادر على الحد من تلك الحرية المطلقة أو تقييد تلك الحريات.

- ضابط العادات والتقاليد (استثناء اختياري): فلكل مجتمع من المجتمعات عادات وتقاليد وضوابط اجتماعية، وهذه العادات والتقاليد تختلف من مجتمع لمجتمع حتى أنها تختلف داخل المجتمع الواحد من بيئة إلى بيئة، فالعادات والتقاليد هي ضابط اختياري يضعه الشخص على ذاته لينتقص حريته المطلقة، إذ يحق للشخص أن يلزم نفسه بها أو لا يلزم نفسه بها، كما أنه من حق المجتمع القيام بكافة الأفعال التي تحمي هذه العادات والتقاليد، لكن لا يكون من حق المجتمع تجاوز القانون في حماية هذه العادات والتقاليد عندما تتعارض تلك الأفعال مع القانون.

= الضابط الديني (استثناء اختياري): الدين هو اختيار ذاتي وقناعة ذاتية، فمن حق الشخص أن يعتنق أي ديانة أو مذهب أو طائفة دينية وأن يقيد نفسه بتعاليمها ويضع على نفسه القيود التي يفرضها هذا الدين، فالدين هو ضابط ذاتي اختياري ينتقص من الحرية المطلقة للشخص. لكن بالتأكيد ليس من حق الشخص المتدين تجاوز القانون في ممارساته لمعتقداته وأفعاله الدينية، فمن حق الشخص أن يتقيد بالزي الديني الذي يريد لكن ليس من حقه أن يجبر الآخرين حتى أقرب الناس له على لباس معين أو مظهر معين أو سلوك ديني معين، وإن فعل ذلك فيكون قد خرج على نصوص القانون، فحرية التدين حرية مصانة ما لم تتعارض ممارستها مع نصوص القانون.

وبما أن التعرض للكتب الدينية المقدسة بأي عمل من أعمال الازدراء والتدنيس لا يعتبر عمل مجرّما في القانون في كثير من الدول الغربية مما أفرز لدينا تلك الممارسات التي تكررت في دولة السويد ولم تستطع الحكومة وقف مثل تلك الممارسات لغياب النص القانوني الذي يمنعها، وهي ممارسات أدخلت السويد في إشكالية مع كثير من الدول المسلمة، وحفظا للأمن والسلم العالمي ومنعا لنشر ثقافة الكراهية والتباعد والنزاع بين الدول وأتباع الأديان، فأننا أصبحنا بحاجة إلى دراسة طرح سن معاهدة دولية تجرّم حرق الكتب الدينية المقدسة أو تدنيسها أي صورة من الصور، لكن مع حفظ الحق في مناقشة محتويات هذه الكتب وقبولها ورفضها، فيما يكون من حق رجال الدين وأتباع الأديان بمقابلة النقد بالشرح والتوضيح والدفاع عن محتوى كتبهم المقدسة والتبشير بها ونشر تعاليمها.

ما حصل في السويد بلا شك يخدم رواية وتصور التطرف لدى كل الأديان والأعراق، ويفتح الباب الواسع للتطرف المضاد وردات الفعل الانفعالية، ويجعل التشكك والكراهية هي اللغة السائدة بين الأمم وأتباع الأديان، وهذا لا يخدم الإنسانية ولا السلام والتعاون العالمي

ما حصل في السويد بلا شك يخدم رواية وتصور التطرف لدى كل الأديان والأعراق، ويفتح الباب الواسع للتطرف المضاد وردات الفعل الانفعالية، ويجعل التشكك والكراهية هي اللغة السائدة بين الأمم وأتباع الأديان، وهذا لا يخدم الإنسانية ولا السلام والتعاون العالمي.

لماذا لا زالت بعض الدول تسمح بتلك التصرفات وأنماط التعبير التي توفر البيئة الخصبة لميلاد وانتشار التطرف الذي يجعلنا جميعا أقرب إلى الخطر؟ ما الهدف والغاية والمكتسبات التي نجنيها كإنسانية من السماح لهذا النوع والشكل من حرية التعبير إذا كان ذلك من شأنه أن يؤذي الآخرين ويستفزهم ويجعلهم أكثر تشككا ورفضا لقبول للآخر؛ أفعال وتصرفات تنبت في نفوس الآخرين الشعور بالاستعداء والظلم والاحتقان وتضعهم في بيئة وفم الكراهية؟ لقد أصبحنا بحاجة إلى أن تقدم الدبلوماسية المسلمة والعربية على وجه الخصوص صيغة معاهدة دولية؛ يتم عرضها من خلال المؤسسات الدولية على جميع دول العالم للتوقيع والمصادقة عليها، لمنع تلك الممارسات التي لا طائل منها إلا مزيد من الكراهية والفرقة بين بني البشر.
التعليقات (0)