كتاب عربي 21

هل هو تطرف أم عمالة؟

عبد العزيز آل محمود
1300x600
1300x600
توقفت عدة سيارات تحمل أعلام الدولة الإسلامية في العراق والشام أمام منزل ضابط كبير متقاعد سبق له العمل في الجيش العراقي في عهد صدام حسين، لم يكن واضحا ما بداخل السيارات، فقد كانت نوافذها مظللة، نزل منها عدة رجال مسلحين ودخلوا المنزل ثم خرجوا مصطحبين الضابط الذي خرجت خلفه زوجته وابنه محاولين معرفة ما الذي سيحصل لمعيلهم.

اعتقلت الدولة الإسلامية في مدينة الموصل ما بين 25 إلى 60 ضابطا كبيرا من الذين سبق لهم العمل في الجيش العراقي قبل الغزو الأمريكي للعراق، وقد اتصل مراسل وكالة رويترز بابن الضابط الكبير الذي أخبره باكيا بتفاصيل عملية الاعتقال.

هذه القصة نشرتها الوكالة بتاريخ 8 يوليو 2014، أي بعد ظهور البغدادي علنا، معتليا منبر أحد المساجد مستدعيا التاريخ في خطبة بدت مضحكة وخصوصا حين استخدم جملا شوهتها بيئة خروجه والظروف المحيطة بمناسبتها.

أي أن البغدادي وهو يتحدث إلى عموم المسلمين معلنا عن نفسه، كان قد خطط لاعتقال ضباط الجيش العراقي السابق، في تناقض غريب بين الحديث والفعل، فقد أسكرته نشوة النصر الذي شاركه فيه مختلف فصائل المقاومة العراقية من بعثييها وحتى نقشبندييها مرورا بقبلييها.
 
مرت الدولة الإسلامية بتجربة دمغتها بدمغة سوداء لن تمحوها الأيام، ففي كل إقليم جغرافي تتواجد فيه وترفع عليه علمها تمنع الآخرين من العمل بحرية، فهي الحركة الطاهرة المطهرة التي لها حق الدفاع عن المظلومين في كل مكان، وعلى الجميع السمع والطاعة، ومن أبى فليس له سوى القتل بطريقة بشعة يتم تصويرها ونشرها إلكترونيا لبث الرعب في كل من تسول له نفسه التشكيك في شرعيتها.

هي العادة المستحكمة في تاريخنا الحديث، حين يخرج علينا مجموعة من الشباب المتحمس، قليل العلم، مستدعيا التاريخ في مخيلته، يعيش أحداثا تاريخية صورها في أبهى صورها كما يراها صغيرا، وبقيت في عقله تكبر بكبره، فيحاول تطبيقها دون النظر إلى العالم نظرة فاحص متأمل في أحداثه ودوله وتوازناته ومتغيراته، فجملة: وليت عليكم ولست بخيركم، تتطلب الشورى في جو من الحرية والمساءلة ومراقبة الأداء والرضا العام وتحمل النقد، أما اجتزاء الحديث وفصله عن الحدث فهو يشوهه، بل يدمره ويجعل الأمر مضحكا أو أن شئت مبكيا.

بدأ الأمر في الشيشان، فبسبب هذا الحماس غير المنضبط، دخلت الدبابات الروسية إلى غروزني ودمرتها عن بكرة أبيها، وانتشر اللاجئون في مختلف دول وسط آسيا باكين على بيوتهم ومزارعهم وأبنائهم وحياتهم، ثم تكرر الأمر في أفغانستان والصومال وبعدهما سوريا، فقد انتزعت داعش النصر من قبضة الجيش الحر والكتائب الإسلامية الأخرى، ونشرت ثقافة قطع الرؤوس والتهديد والوعيد، والمطالبة بمبايعة البغدادي الذي كان حينها شبحا لم يره أحد، فمن مد يده سلم ومن أبى قطع رأسه علنا ليكون عبرة لغيرة.

لست أشك في صدق مقاتلي داعش وشجاعتهم وإخلاصهم، ولكن عليهم مساءلة قادتهم والتفكير فيما يفعلونه وكيف يفعلونه، فدم المسلم حرام وماله حرام وترويعه حرام وحتى دماء غير المسلمين وأموالهم وحرمة منازلهم وحرياتهم يجب أن تضبط بضابط الشرع ولا تسيرها الرغبة في الانتقام فقط.
ما الذي سيحدث في العراق الآن؟ 

نشر موقع الـ CNN بتاريخ 3 يوليو تقريرا يذكر أن ما تسيطر عليه داعش في سوريا يبلغ خمسة أضعاف مساحة لبنان، وأنها تسيطر على حقل العمر الذي يبلغ حجم إنتاجه 75 ألف برميل يوميا. 
أما بعد أن دخلت العراق وأعلنت أنها أزالت حدود سايكس بيكو وتوغلت حتى مشارف بغداد فقد حصل التالي: 

أصبحت سيطرة الدولة الإسلامية على خط طولي من شمال بغداد وحتى الباب في حلب بطول 1060 كيلو مترا، وبسطت سيطرتها على ريف حلب الشمالي، ودير الزور والرقة وها هي الآن على مشارف بغداد، أي أنها مساحة شاسعة جدا يسكنها حوالي 12 مليون نسمة كلهم من السنة تقريبا.

إن أعداد عناصر الدولة بضعة آلاف فقط، ولكن أسلوبهم الاستخباري وطريقة التخلص من مخالفيهم أثبتت أنهم يحسنون بث الرعب أمامهم وحولهم، فهي سيطرة خوف وليست سيطرة نظام، مما يجعل كل المنظومة هشة قابلة للهدم حين تحين الفرصة لذلك.

نعود إلى الضباط الذين تم إلقاء القبض عليهم مؤخرا، فهؤلاء الضباط هم معيار الحكم النهائي غير قابل للاستئناف الذي سيطلقه الناس على داعش، فإن هي أجبرتهم على مبايعة البغدادي ثم أطلقت سراحهم، فهي حركة دينية يغلب عليها ما ذكرناه سابقا، أما إن أعدمتهم، فقد سجلت نفسها في سجل العمالة الإيرانية، مثبتة التهمة التي سبق وأن أطلقها عليها أعداؤها.
التعليقات (0)