كتاب عربي 21

كيف صارت لغتنا "عربفرنجية"

جعفر عباس
1300x600
1300x600
نبقى مع كتاب الدكتور عبد السلام البسيوني، عن تجربته كمصحح لغوي صحفي، والذي رصد فيه الجرائم البشعة، التي صارت ترتكب بحق اللغة العربية في وسائل الإعلام، وقد يكون ذلك باستخدام مفردات إفرنجية رغم وجود ما يقوم مقامها في الفصحى، وأكثر ما يسبب لي التهاب الشعب المرجانية في جهازي التنفسي، استخدام مذيعي ومذيعات الإذاعة والتلفزيون، لفظ "زيرو" بدلا من "صفر": يمكن الاتصال بالبرنامج على الهاتف أربعة ستة خمسة زيرو زيرو تسعة.

حرام عليكم يا جماعة، فالصفر تحديدا، أول وآخر إضافة عربية في علم الحساب، وأتى به محمد بن موسى الخوارزمي، المولود في قطربُل في ضواحي بغداد في القرن الثامن الميلادي، وأنتج نظريات علمية ورياضية بعضها لازال يحمل اسمه، مثل الخوارزمية (وتم تحويرها إلى ألغوريثم في اللغات الأوروبية)، وبها عرف العالم الكسور العشرية، وانتقلت كلمة صفر من العرب إلى إيطاليا، وصارت زيفيرو، ثم تحولت في الإنجليزية والفرنسية إلى زيرو، وبالتالي فالإعلامي العربي الذي يقول زيرو بدلا من صفر، مصاب بعقدة "البضاعة المستوردة"، ولا يثق بالإنتاج "المحلي".

 وقد لفت البسيوني انتباهي لأول مرة، إلى مصيدة وقعت شخصيا فيها مئات المرات، باستخدام عبارات هجين (وإن شئت قل "عربفرنجية")، أي خليط من العربية والإنجليزية، كقولنا: فلان متنرفز وهذا أمر يسبب النرفزة، فالكلمة تحوير لـ"نيرفاس" الإنجليزية وتعني "متوتر وعصبي المزاج"، بل بلغ الشطح بالسودانيين، أن أخضعوا مفردات إنجليزية إلى قواعد التذكير والتأنيث العربية، فصارت الممرضة "نيرسة" وليس نيرس nurse!

وانظر مثلا إلى عبارة من شاكلة "تحيات/أ شواق حارة"، المنقولة بالمسطرة عن العبارة الإنجليزية warm greetings/reception، ومثلها "دفء العواطف"، فالإنجليز يعشقون الشمس والدفء، لأن بلادهم دائمة الغيوم. بلاد تموت من البرد حيتانها، كما جاء في رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال"، ومن ثم يسعدون بالأيام المشمسة، بل يسمون أيام السعد والعز بالأيام المشمسة sunny days ، بينما يسعد جميع العرب بالغيوم والمطر، وكلما احتجبت الشمس نهارا، كان ذلك دليلا على حلاوة الطقس.

والبرد في معظم الدول العربية حلو ومُشتهَى، وهكذا جاءت العبارة العربية "شيء يثلج الصدر/ الفؤاد" و"نزل كلامه على قلبي بردا وسلاما"، والابن البار عندنا في السودان "يبرِّد الحشا"، والحشا هي الأحشاء، فسخونة الجهاز الهضمي دليل اضطراب وعلة. 

 وقد اتهمني البسيوني صراحة، بأنني أنتمي إلى الفئة التي سربت عبارات هجينا إلى العربية، بحكم أنني أرتزق من الترجمة، فهو يقول "المترجمون العرب أخذوا عبارات من لغة أهل القمار، مثل قولهم: خلط أوراق اللعبة، وكشف الأوراق! وهي عبارات أتت من فعل القَمّار (مدير اللعبة) الذي يخلط أوراق اللعب، ثم يوزعها على المقامرين، فانتقلت من الحانات وصالات الميسر عبر المترجمين إلى لغة (السادة المسقفين) عليهم الرضوان أجمعين!".

"ومنها قولهم: قلب عليه الطاولة؛ وهي ما يفعله لاعب القمار إذا خسر، فيخرب اللعب على اللاعبين، ويهددهم، ويهتاج عليهم، و"يقلب الطاولة" لتفويت الفرصة على الرابح، ولتفادي الخسارة بـ"خلط الأوراق"، فنُقلت مستعارة للذي يهيج ويغضب، ويحتد في الخصومة أو يهتاج، أو يقلب الحجة على خصمه،  ومنها استخدام ألفاظ مثل الآسAce والجوكر Joker  وهذا من التجوز في التعبير، ودس مصطلحات (الكوتشينة) أو القمار في لغتنا".

وأترك المايكروفون للبسيوني ليواصل دون فاصل: ومن المستغرب عندي كذلك استخدامهم اصطلاح: حجر الزاوية/ الأساس، نقلا حرفيّا للمصطلح الماسوني الأشهر، الذي يرمز لأول حجر استخدم في بناء اول محفل ماسوني Corner stone ولا أدري لماذا نستخدمه بدل "ركن" مثلا، أو "عماد"؟.

ولتلطيف الجو على المترجمين والصحفيين، أورد بعض الأخطاء اللغوية التي يقع "إثمها" على المصححين المساكين، لأنهم تستروا على مرتكبها (المحرر) عن غير قصد، وهي منقولة بأمانة عن صحف مرموقة، لن أورد أسماءها، لأن ربنا أمر بالستر، ولأنني من جماعة "شيلني وأشيلك"، فلو تسترت على الجناة فإنهم سيسترونني بعدم تصيُّد أخطائي:

(القائد الفذ) أصبحت (القائد الفظ)، و(عودة الوزير) أصبحت (عورة الوزير)، و(بالشفاء العاجل) أصبحت (بالشقاء العاجل)، (والزميلة المحترمة) أصبحت (الزميلة المجرمة)، و(تجاهل الأدب والفكر) أصبحت (تجاهل الأدب والكفر)، و(استقبل بكلمة ترحيبية) أصبحت (استقبل بلكمة ترحيبية)، و(الرئيس يستقبل اليوم...) أصبحت (الرئيس يستقيل اليوم)، و(صورة السلطان في شبابه) أصبحت (صورة السلطان في ثيابه).

 ومن الأخطاء (الفاحشة) أن أبدلت القاف في (حرية القول): بحرف (الباء) و(مدير عام مطبعة) أصبحت (مدير عام مصبغة)، وفي (معتوق) أبدل حرف القاف بالهاء، و(د. مُضرْ طه) أصبحت (د. مضرطه!).
التعليقات (0)