مقالات مختارة

وصفة لانتفاضة رابعة

1300x600
«مهمة مستحيلة» تنتظر القيادة الفلسطينية، خلال محادثاتها مع الوفد الأمريكي في شأن تحريك عملية السلام. فيلم «آكشن» طويل مليء بالفوضى والمشاهد الارتجالية الأمريكية، ستحاول خلاله السلطة صدّ مطالب تعجيزية كثيرة، هي شروط إسرائيلية أساسا، كما سيكون عليها طرح مطالبها الأساسية في استباق لأي مفاوضات.

لم تعد المطالب الفلسطينية تقتصر على المعتاد من استحقاقات العملية السلمية وشروطها، مثل وقف الاستيطان وإطلاق أسرى ما قبل اتفاق أوسلو والانسحابات من الضفة. اليوم أصبح حل الدولتين مطلبا! فكيف إن أضيف إلى ذلك وقف مسلسل القتل العمد والاعتقالات وهدم البيوت وسحب هويات المقدسيين، و...

قد لا تستوقف هذه الانتهاكات كثرا، قياسا بالمصائب الكبرى الأخرى التي حلّت بالقضية الفلسطينية والمنطقة. بالتأكيد، لم تستوقف المجتمع الدولي ليصدر بيان تنديد. لكن، لا يجدر التقليل من شأنها، فهي تمسّ عصب الحياة والصمود. لنأخذ الاعتقالات مثلا: حملات الدهم ليلا نهارا، واقتحام بلدات وقرى ومدن في الضفة الغربية، وتفتيش بيوت، وتفجير أبواب، واشتباكات، واعتقال شبان وأطفال ونساء ومسؤولين يوميا، ومعظمها بسبب إلقاء حجر، أو «التحريض» على موقع «فيسبوك»، أو تصريح.

لا توحي عشوائية الاعتقالات، لجهة التوزيع الجغرافي الواسع وشمولها الشرائح المجتمعية والأعمار المختلفة، بأن الدافع أمني، وإلا لما اتبعت إسرائيل سياسة «الباب الدوار»، ولما أطلقت الموقوفين بعد اعتقالهم لفترات قصيرة.

تحافظ إسرائيل على وتيرة محددة من الاعتقالات، في حدود 400 حالة شهريا، وفق إحصائية فلسطينية في آذار (مارس) الماضي. يعني ذلك أن الاعتقالات غير مرتبطة بوقف التنسيق الأمني أو هبّة القدس الشهر الماضي، وإن ازدادت بعدهما. لكن اللافت حقا أن وتيرة الاعتقالات أعلى من مثيلتها أيام العمليات الانتحارية والانتفاضات السابقة، بل تأتي في زمن يشهد هدوءا نسبيا عدا اشتباكات خفيفة وهجمات فردية من قبيل عمليات دهس أو طعن غير مؤذية في معظمها.

أحيانا، يبدو أن المقصود المحافظة على عدد الأسرى في السجون عند مستوى 6500 أسير، وفق آخر الإحصاءات في نيسان (أبريل) الماضي. المفارقة أن عدد المعتقلين الجدد في السجون يقارب عدد الأسرى الذين أُطلق سراحهم في صفقة التبادل الأخيرة. فهل تستعد الدولة العبرية لعملية تبادل مقبلة من خلال ملء السجون؟

يَغُض الجميع الطرف عن معنى الاعتقالات، على رغم ما يعنيه السجن، خصوصا الاعتقال الإداري التعسفي، من التنكيل بالفلسطيني وتدمير مستقبله: إن كان طالبا، فعلى دراسته السلام. وإن كان عاملا أو موظفا، فعلى وظيفته السلام. فماذا إن كان أبا أو أما؟

إنها طريقة الاحتلال في القول «نحن هنا»، وفي نشر الرعب بين المواطنين وإرهاق المجتمع. سياسة ممنهجة تهدف إلى استنزاف الشعب. مستواها مدروس يقف عند حدود الردع.

والمقلق في التنكيل الإسرائيلي بالفلسطينيين أنه طقس يومي تزيد وتائره كلما تغيّر وزير دفاع وجاء آخر أكثر يمينية، أو كلما أراد مسؤول إسرائيلي أن يصعد في الهيكل الوظيفي الحكومي، أو أن يهرب من ورطة أو فساد أو أزمة أو عملية سلام. فهل من طريق أسهل غير المزايدة على الدم الفلسطيني؟

بهذا المعنى، تتسق هذه السياسة مع سياسة القبضة الحديد التي يتبعها أفيغدور ليبرمان منذ توليه وزارة الدفاع العام الماضي. فهي ورقته التي يأمل بأن تؤهله لقيادة اليمين. ولا تزال القبضة الحديد تقع في قلب التناقض بين رؤية الأمن الداخلي «شاباك» وسياسة وزارة الدفاع تجاه الأراضي المحتلة، فالأول يُحذر من انتفاضة أقوى وأكبر يرى أن الأرض جاهزة لها، على أساس أن هذه الإجراءات لا تفعل سوى تثوير الفلسطينيين. والثانية تعتقد أنها تفرض سيادتها وتُذكّر الفلسطينيين بطول يدها، وتقطع الطريق أمام محاولات إنعاش عملية السلام.

لم تمنع سياسة التنكيل يوما المقاومة، وفشلت كأسلوب ردع. والسنوات السبعون الماضية أكبر دليل. أما سياسة «ما لم تنفع القوة، فالمزيد منها»، إنما هي وصفة لانتفاضة رابعة.

الحياة اللندنية