كتاب عربي 21

من سيناء إلى الغوطة

1300x600
بعد مجزرة رابعة بقليل نشرت إحدى الصحف الغربية تقريرا إحصائيا عن نسب المتعلمين من بين شهداء رابعة. وفيما يبدو كما لو كان تذكيرا بما احتواه التقرير من معلومات، جاءت فاجعة قتل المهندس صلاح الدين عطية عمارة والذي قبضت عليه داخلية الانقلاب في 25 يناير الماضي من مدينة السادات كما أفادت شقيقة زوجته. وكأن أحدهم نقل مصر من العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين إلى تشيلي في العقد السابع للقرن العشرين بعد انقلاب بينوشيه حيث كانت أجهزة الأمن الانقلابية تزيف المواجهات وهو أسلوب ظلوا يعتمدونه فترة وكان يقوم على قتل محتجزين لدى قوات الأمن التشيلية ثم الإعلان عن مقتل مجرمين في مواجهات.

 كان المهندس صلاح الدين عمارة بانتظار ابنه الثاني حين قبضوا عليه وربما لم يكن يعلم أنه سوف يلحق بطابور طويل من شهداء سبقوه لينتهي به الأمر في خبر في صحيفة انقلابية ما موصوفا بأبشع النعوت، وقد ذُكر اسمه في سياق قصة يعلم الجميع أنها كاذبة ولتترك سيرته على موقع الصحف الانقلابية للمتحمسين من جمهور الانقلاب الذين يتحلقون حول برامج التوك شو الانقلابية التي تحدثهم عن أسر قائد الأسطول السادس. الخلاصة أن تلك الكلمات الباكية الغاضبة التي كتبتها شقيقة زوجته، والتي بدت كما لو كانت خارجة من قلب احترق، كانت أصدق تعبير عن حالة الأسر التي يحطمها الانقلاب.

وأنت حين تنظر لصورة المهندس صلاح والتي ينظر فيها لكاميرا مبتسما في أمل، لا تملك سوى مشاعر الحزن والغضب، على تلك الوجوه النبيلة التي اجتهد أصحابها وحققوا أعلى مراتب التعليم الجامعي لينتهوا تلك النهاية المأساوية الظالمة، والخطير في هذا المشهد هو أنك تربط توقيت قتل المهندس صلاح وزملائه بتوقيت بدء العملية العسكرية التي يقوم بها الانقلاب في سيناء لتدرك أنه ربما كانت تلك الحادثة في ذلك التوقيت هي رسالة تحذير مبطنة للشعب والمشكلة الأكبر في نظري هو أن البعض قبل أن يجد الوقت ليسترسل في أفكاره عن فاجعة مأساوية كهذه، فسيجد أن الانقلاب يتعامل مع المهندس صلاح وأمثاله على أنه (رقم) وسيجد أن فاجعة قتله قد وُضعت دون قصد في سياق (بيانات) سياسية. 

وقبل أن تغادر صفحة الأخبار التي تقع فيها صورة المهندس صلاح ستفكر في التعتيم الإعلامي الذي يتعامل به الانقلاب مع سيناء بالتزامن مع إعلانهم عن عمليتهم هذه التي جاءت بعد تقرير نشرته صحيفة النيو يورك تايمز عن مشاركة الطائرات "الإسرائيلية" في قصف سيناء منذ العام 2015 وقبل أن تفكر في الأمر سترى صورا أخرى تنقلك من التفكير في سيناء إلى الغوطة الشرقية في سوريا حيث يقوم الطيران الروسي وطيران بشار بحرب إبادة فعلية للمدنيين وحيث بلغ عدد الشهداء منذ ساعات 160 شهيداً وفقاً لتقديرات المواقع المحسوبة على الثورة السورية. 

وهناك في الغوطة الشرقية يتحول كل شيء إلى تراب، ترى الصور القادمة من هناك تصرخ. لقد شاهدت صورة لرجل مغطى بالتراب يحمل طفلا لا تظهر ملامحه أمام مبنى تحول إلى فُتات وقد خُيِّلَ لي حقا أنني أسمع أزيزا ثم صوتا هادرا لانهيار المبنى أصمَّ أُذنيّ. شاهدت الرجل في الصورة القادمة من الغوطة يصرخ بشيء ما لا أسمعه. 

في صورة أخرى من الغوطة شاهد طفلة تئن تحت الأنقاض ورأيت صراخا ينبعث من صورة أخرى في مستشفى. دوامة من المآسي تنتقل بك انتقالا عشوائيا من مصر إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا إلى العراق. دوامة أرى فيها مئات الصور واسمع منها عشرات الصرخات ولا أجد سوى أن أدعو الله عز وجل أن يفرج كرب أمتنا.