صحافة دولية

فايننشال تايمز: لماذا ينحسر دور أمريكا في الشرق الأوسط؟

فايننشال تايمز: أمريكا في ظل ترامب لم تعد تعرف دورها في الشرق الأوسط- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب إدوارد لوس، يحلل فيه ملامح انحسار الدور الأمريكي في المنطقة.

 

ويرى الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الرئيس دونالد ترامب لم تعد تعرف دورها الذي يجب أن تؤديه في الشرق الأوسط، ولهذا بدأ الآخرون يملأون الفراغ. 

 

ويقول لوس: "إنك لو أردت معرفة صورة العالم في مرحلة ما بعد أمريكا فانظر إلى سوريا، حيث قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (دع الآخرين يهتمون بها الآن)، وربما غيّر موقفه مؤقتا، إلا أنه في المسألة السورية وصل مرحلة اللاعودة".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "بعد ستة أعوام من دعوة سلفه باراك أوباما لرحيل بشار الأسد، فالديكتاتور الأسوأ في العالم في مكانه آمن، وأكثر من أي وقت مضى، وستقرر مصير سوريا كل من روسيا وإيران وتركيا، حيث ترغب موسكو وطهران بالحفاظ على الأسد في السلطة". 

 

ويقول لوس: "مهما كانت مواقف ترامب بشأن المنطقة، وما أجبر على عمله في لحظة نادرة، فإنها ستتغير في الأسبوع المقبل، حتى لو أطلق صواريخه الجديدة الجميلة والذكية، كما غرد يوم الأربعاء، فإنه سيستأنف خروج الولايات المتحدة". 

 

ويرى الكاتب أن "ترامب هو عرض وليس سببا لحالة الإجهاد التي أصابت أمريكا على المستوى العالمي، وحدثت نقطة التحول الرئيسية في الشرق الأوسط من خلال لحظتين في بداية القرن الحالي، حيث حدثت الأولى عندما حاول بيل كلينتون التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، ولو نجحت الصفقة لأدت إلى تلاشي الشكاوى العربية ضد الولايات المتحدة، ولأزالت مبررا طالما استخدمته الأنظمة العربية لقمع مواطنيها، وحقيقة قدرة ترامب على تحقيق تسوية تقوم على حل الدولتين كانت أمرا مستبعدا قبل أن يعلن عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتبدو اليوم نكتة".

 

ويلفت لوس إلى أن "اللحظة الثانية كانت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية عام 2001، حيث اتخذت السياسة الأمريكية منعطفا غاضبا، وتعد الحرب الأهلية السورية ولدها الأكثر دموية، وحتى نكون منصفين لترامب فهو لم يكن مسؤولا عنها، حيث اتخذ القرار جورج دبليو بوش عندما قرر حل الجيش العراقي، وطرد عمال الخدمة المدنية الذين عملوا في ظل صدام، بشكل وضع الجذور لظهور تنظيم الدولة، ثم جاء قرار باراك أوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، بشكل أدى إلى وجود فراغ ملأه تنظيم الدولة، بالإضافة إلى أن قراره عدم فرض خطه الأحمر ضد بشار الأسد واستخدامه السلاح الكيماوي في عام 2013 فتح ثغرة لتدخل روسيا، وسارع رئيسها فلاديمير بوتين لملئها، وعليه فإن عملية إطلاق صواريخ جديدة لن تغير شيئا". 

 

ويجد الكاتب أن "كل خطأ من هذه الأخطاء متجذر في الآخر، حيث كان أوباما عازما على التخلص من خيارات جورج دبليو بوش الحربية، أما ترامب فهو مصر على محو أي شيء يذكر بأوباما، والنتيجة هي أمريكا لا تعرف أي جزء من اللعبة تريد لعبه، فلا تريد دعم ديمقراطية أكثر في الشرق الأوسط، ولا تريد معارضتها، ويمثل ترامب تجسيدا لعدم اهتمام بلاده، وليس من المستغرب أن يبدأ اللاعبون في المنطقة -وحتى إسرائيل- في البحث عن أماكن أخرى لملء الفراغ، حيث قضى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقتا طويلا في موسكو خلال السنوات الماضية". 

 

ويستدرك لوس بأنه "رغم عدم تحمل ترامب مسؤولية هذا الإرث، إلا أنه زاده سوءا، ففي أثناء حملته الانتخابية تبنى ثلاثة مواقف واضحة فيما يتعلق بالشرق الأوسط؛ الأول، كان حل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، مستخدما غروره في (فن الصفقات)، دون فهم في التناقضات، حيث اعتقد أنه سيحقق ما لم يستطع الآخرون تحقيقه، أما الثاني فهو الخروج من الاتفاقية الإيرانية التي وقعها أوباما وعدد من الدول مع إيران للحد من برنامجها النووي، حيث وصفها بأنها (أسوأ صفقة تعقد على الإطلاق)، وهو ما سيحدث الشهر المقبل على أكثر احتمال، والثالث كان سوريا، حيث كان يريد (سحق تنظيم الدولة)  والخروج من هناك". 

 

وينوه الكاتب إلى أن "كل هدف من أهداف ترامب قائم على حسابات محلية، ويتجاهل أثر كل مشكلة على الآخرى، فهو ليس هنري كيسنجر في النهاية، فسحب القوات الأمريكية المتبقية في سوريا سيعطي إيران الفرصة للتأثير فيها وخارجها، وهو ضد ما يريد ترامب عمله من مواجهة تأثير الجمهورية الإسلامية والحد منه، وسيؤدي إلى زيادة في الغارات الإسرائيلية ضد القوات الإيرانية في سوريا، ما يزيد التوتر في غزة والضفة الغربية، بشكل يجعل من حل الدولتين أمرا مستحيلا، وفي الوقت ذاته فإن الاعتراف بانتصار الأسد سيسرع من عودة تنظيم الدولة أو تنظيم آخر، مثل تنظيم القاعدة، خاصة أن وحشية الأسد هي التي كانت وراء ظهور هذه الجماعات في المقام الأول". 

 

ويعتقد لوس أن "هذه تداعيات غير مقصودة، لكنها ممكنة، لتحركات ترامب، وسيتردد صداها خارج الشرق الأوسط، فلماذا سيوافق إذا الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ-أون على عقد اتفاقية معه وهو يعلم أن ترامب يريد الخروج من الاتفاقية مع إيران؟ ولمن سيتوجه السنة المتعبون عندما تستعيد دمشق السيطرة؟ وما هي قدرة تنظيم الدولة على جذب المجندين الجدد؟ وما هي سرعة روسيا في ترجمة حضورها المتزايد إلى نفوذ أوسع خارج المنطقة؟".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "هذه الأسئلة كلها ليست حاضرة في حسابات ترامب، فكل اهتمامه محلي، وقد فقد الرأي العام الرغبة في أي شيء يحمل مخاطر في الشرق الأوسط، وكان هذا صحيحا قبل أن يصل ترامب إلى المكتب البيضاوي".