مقالات مختارة

الصراع الدولي على فنزويلا لا يحلّ أزمتها

1300x600

مذهلٌ هذا الاستقطاب الدولي حول فنزويلا. حصل بلمح البصر. كما لو أن العالم لم يغادر الحرب الباردة ولم يتغيّر، بل زادت انقساماته. استيقظت الأحزاب الشيوعية، وانبرت معها تلك الإسلامية، لتتضامن في نصرة «الرفيق»/ «الأخ» نيكولاس مادورو، خَلَف الزعيم الراحل هوغو شافيز. استيقظت أيضاً أشباح الصراعات بين الاشتراكية والرأسمالية، علماً بأن الأولى تلاشت منذ ثلاثة عقود، ولم يعد لها سوى ملامح باهتة في بعض البلدان، أما الثانية فتمرّ بأصعب مآزقها حتى أن أشدّ المتعصّبين لها يتوجّس من غموض مستقبلها. ومع إعلان الكرملين اعترافه بشرعية الرئيس الحالي مادورو، وإعلان البيت الأبيض اعترافه برئيس البرلمان خوان غوايدو كرئيس موقّت، جرى الاصطفاف سريعاً: إمّا مع الأبيض أو مع الأحمر... في فنزويلا. 


إنه «انقلاب»، كما يقول وزير الدفاع. إنه «محاولة انقلابية» كما يقول رئيسه. وهي «مؤامرة أميركية» على ما تردّد مراراً. ويسود القول الآن إن هناك رئيسين، واحدٌ يحميه الجيش انتُخب في الربيع الماضي، وجرى التشكيك في سلامة انتخابه، وبالتالي في شرعيته، وآخر يحميه الشارع، ويتزعّم المعارضة التي تسيطر على الجمعية الوطنية (البرلمان)، ولا لُبس في شرعيته، بدليل أن خصومه هم مَن أشرفوا على الانتخابات التي فاز بها. كلاهما يتهم الآخر بالاعتداء على الديمقراطية، وبالعمالة للخارج. وهكذا عادت إلى الأذهان كل مصطلحات القرن الماضي، حين تجوّلت التدخّلات الأميركية بين بنما، ونيكاراغوا، وبوليفيا، والبيرو، وشيلي، والأوروغواي، والبرازيل، وكولومبيا، والأرجنتين، لتقلب أو تغير نحو أربعين حكومة في الأميركتين الوسطى والجنوبية.


لم يتأخّر نائب الرئيس الأميركي في مطالبة مادورو بـ «الرحيل». وردّت موسكو بأن ما يجري «اغتصابٌ للسلطة»، وأن السياسة الأميركية حيال فنزويلا «هدّامة». هناك سمة ربيع-عربية في حراك البرلمان والشارع لمطالبة الرئيس بالتنحّي، ودعم أميركي، لكن على خلفية انقسام دولي حول أميركا لم يكن بهذه الحدّة في 2011. وهناك فارق واضح في أن روسيا لم تعد مراقبة صامتة، كذلك الصين، يجعل من الأزمة الفنزويلية نسخة مشابهة -لكن غير دموية بعد- من تلك السورية، أزمة لا يمكن حلّها بل يمكن فقط توظيفها في المصالح الكبرى. ويُلاحظ أن مواقف أوروبا لم تعد نسخة مطابقة لموقف أميركا بسبب عبثية دونالد ترمب. ومع أن دول أميركا اللاتينية أصيبت بالاصطفافات نفسها، بفعل هيمنة اليسار على معظم رئاساتها، إلا أن مراقبتها للأزمة طوال أعوام دفعت حتى بعض يسارييها إلى تحميل الحزب الحاكم مسؤولية ما وصلت إليه فنزويلا. 


ركود اقتصادي، تضخّم شديد، عملة بلا قيمة، ثروة النفط كأنها تبخّرت، عقوبات أميركية يُتوقّع أن تشدّد ما لم يتحقّق «الانتقال السياسي»، وهروب مستمر إلى الولايات المتحدة ودول الجوار التي أقام عددٌ منها مخيمات لاجئين.. بلدٌ تضاءلت فيه مقوّمات الحياة الأقلّ من عادية لا يستطع أي حكم، أياً تكن طبيعته، الادعاء بأنه ناجح في إدارة شؤون مواطنيه. أما مؤشرات التراجع والفشل فبدأت أيام شافيز الذي انشغل بتحدّي «الإمبراطورية الأميركية الشمالية» ومقارعتها ولم يفلح مادورو في وقف التدهور ولا تمكّن داعموه السياسيون حالياً من إنقاذه في الوقت المناسب، فكلّهم مأزومون. عرض الرئيس الحوار مع المعارضة، لكنه تأخّر. لجأ إلى القضاء واثقاً بأن الحكم سيكون لمصلحته، وإنْ لم يحسم. الأوروبيون ينصحون بانتخابات جديدة كحلٍّ وسط. الأزمة ستطول، وإذا لم تحلّ بالسياسة فقد تدخل متاهات عنيفة تفاقم تعقيداتها.

 

عن صحيفة العرب القطرية