ملفات وتقارير

رسالة غضب من قضاة بمصر: تعديل الدستور يهدم استقلالنا (وثيقة)

المستشار محمد سليمان: القضاة يستشعرون خطورة التعديلات الخبيثة المقترحة على استقلال القضاء

في أول تحرك من القضاة ضد التعديلات الدستورية التي يناقشها البرلمان المصري وتثير مخاوفهم على استقلال القضاء؛ وجه نادي قضاة مجلس الدولة رسالة شديدة اللهجة لرئيس مجلس النواب علي عبدالعال، تتهم التعديلات بأنها تقضي على "ما تبقى للقضاء من استقلال، وتحيله مزعا مزقا، ومرفقا تديره السلطة التنفيذية".

المذكرة، التي نشرها موقع "المشهد" المحلي، ووعد بنشر نصها بالكامل في العدد الأسبوعي، الاثنين المقبل، موقعة من المستشار سمير يوسف البهي رئيس النادي بتاريخ الخميس 28 آذار/ مارس 2019، وذيلت بكلمة "رسالة غضب"؛ شرحت كيف أسرفت المقترحات بهدم استقلال القضاء، وأفرطت بالنيل منه.

وقالت المذكرة: "بظل هذه المقترحات- يؤلمنا أن نصرح بأننا نستشعر عدم الاطمئنان والاستقلال في أداء رسالتنا"، مؤكدة أن "القضاء المستقل لا يوفر فقط للمواطن الطمأنينة على حريته وعرضه وماله، وإنما يؤمن الحاكم كذلك، ومن شأنه أن ينشر الأمن بربوع البلاد، فيوفر للأمة فرص استمرار وجودها، ويصد عنها النكبات والكوارث".

وشدد قضاة مجلس الدولة على أن "تعديل الدستور يجب أن ينطلق من ضرورة اجتماعية وسياسية وقانونية، التي تمثل قيدا على تعديله، وتستهدف مسايرة تطورات وأحداث استجدت بعد نفاده، أو معالجة مثالب أفرزها واقع تطبيقه، بغية كفالة العيش الكريم للمواطن، ومزيد من الضمانات الأساسية للحريات، وكفالة أداء المؤسسات الدستورية دورها تحقيقا لأهدافها، وإلا غابت كل حكمة من وراء التعديل، وأضحى دون هدف مشروع".

 


 


 

مخاوف مجلس الدولة


وحول مخاوفهم من التعديلات تساءلوا: "كيف للسيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا – وقد اصطفاه السيد رئيس الجمهورية- أن يفصل في مدى دستورية قانون أصدره الأخير؟! وأنه من غير المستساغ أن يختار الشخص "رئيس الجمهورية" من يحاكمونه إذا اقتضى الحال".

وانتقدوا إلغاء "الموازنة المستقلة" لكل جهة أو هيئة قضائية، معتبرين أنها "ردة للماضي، وإفساح المجال للسلطة التنفيذية للسيطرة على القضاء ومصائر القضاة، إذ يمكنها تحديد كيفية معاملة القضاة ماليا، منحا ومنعا، ما يناهض استقلال السلطة القضائية، وأنه لم يكن بدعا استقلال السلطة القضائية بميزانيتها، كشأن السلطة التشريعية، ومؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة، والجهاز المركزي للمحاسبات، وغيرهم".

وحول قلقهم على وضع مجلس الدولة بالتعديلات، أكدوا أنها تتيح لغيرهم الإفتاء بالمسائل القانونية، كما أن عدم النص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة العقود الإدارية؛ أمر يثير الدهشة والغرابة، فهو اختصاص يمارسه المجلس منذ نشأته عام 1946".

"المذكرة للتاريخ"

وفي قراءته لدلالات مذكرة قضاة مجلس الدولة، أكد المستشار محمد سليمان، أنهم  "يستشعرون خطورة التعديلات الخبيثة المقترحة على استقلال القضاء؛ كونها ستقضي على البقية الباقية من ذلك الاستقلال"، مضيفا أن "هذه المذكرة هي للتاريخ الذي يسطر كل شيء".

 وحول توقعاته لنتيجة المذكرة، وهل يتبعها بعض التنازلات من النظام في التعديلات الدستورية فيما يخص القضاء، قال القاضي السابق، لـ"عربي21": "لا أظن أنها ستغير من أمر التعديلات شيئا مع مجلس عبدالعال الذي يتحرك بالأوامر"، مشيرا إلى أنه "ربما يتم تقديم حوافز مالية للأسف لتهدئة القضاة".

واعتبر أن تصريحات عبدالعال، التي أشار فيها قبل يومين إلى أنه لن تمس التعديلات القضاة، أنها "مغازلة كلامية لا تعني شيئا في الواقع العملي؛ لأنهم يتحركون كما يملى عليهم".

وبرر سليمان أسباب تحرك نادي قضاة مجلس الدولة وإطلاق تلك المذكرة دون غيره من الجهات القضائية؛ بأنهم "الأكثر قوة بين جهات القضاء"، معتقدا أنه لا أمل في تغير جل القضاة تجاه النظام بعد هذه المذكرة، قائلا: "هم في سبات عميق".

"تجسيدا لآلام بعض القضاة"

من جانبه يرى أحد القضاة المصريين، في حديثه لـ"عربي21"، أن المذكرة تعد تجسيدا لآلام وحسرات تعتصر قلوب بعض القضاة ممن استمسكوا بمبادئهم وشرفهم القضائي جراء العصف باستقلالهم القضائي، وإعادة ما يسمى المجلس الأعلى للهيئات القضائية عصفا بكل مكاسب استقلال القضاء التي تحصلنا عليها بشق الأنفس".

المستشار الذي رفض ذكر اسمه، اعتبر رفض قضاة مجلس الدولة للتعديلات ضربة قوية لها، متمنيا أن تغير تلك المذكرة في أمر التعديلات شيئا، مستدركا بقوله: "ولا أظن أنه سيتحقق؛ فقطار تعديل الدستور انطلق ولن يوقفه مذكرة صادرة من هنا أو هناك، ما لم يقف القضاة بهيئاتهم كافة وقفة رجل واحد".

واستبعد حدوث وقفة من كامل القضاة، مرجعا ذلك "لما تتبعه السلطة التنفيذية من سياسة العصا والجزرة في تعاملها معهم"، معتبرا أن "صدور مثل تلك المذكرة، ما هو إلا إبراء للذمة من جرم هدم استقلال القضاء".

وقال: "لا أستطيع توقع رد فعل النظام على تلك المذكرة؛ لأنه عودنا على التصرف خارج كل حدود العقل والمنطق؛ وأظن أن الأقرب للتوقع هو الرضوخ لبعض المطالب المادية لتهدئة الأجواء، دون التنازل عن العصف بكل مكتسبات استقلال القضاء التي يتم انتزاعها انتزاعا".

 

اقرأ أيضا: ما هي فرص المعارضة في مصر لإسقاط التعديلات الدستورية؟